١٧٤

ثم قال تعالى: {فانقلبوا بنعمة من اللّه وفضل} وذلك أن النبي صلى اللّه عليه وسلم خرج والمعنى: وخرجوا فانقلبوا، فحذف الخروج لأن الانقلاب يدل عليه، كقوله: {أن اضرب بعصاك البحر فانفلق} (الشعراء: ٦٣) أي فضرب فانفلق، وقوله: {بنعمة من اللّه وفضل} قال مجاهد والسدي: النعمة ههنا العافية، والفضل التجارة،

وقيل: النعمة منافع الدنيا، والفضل ثواب الآخرة،

وقوله: {لم يمسسهم سوء} لم يصبهم قتل ولا جراح في قول الجميع {واتبعوا رضوان اللّه} في طاعة رسوله {واللّه ذو فضل عظيم} قد تفضل عليهم بالتوفيق فيما فعلوا، وفي ذلك إلقاء الحسرة في قلوب المتخلفين عنهم وإظهار لخطأ رأيهم حيث حرموا أنفسهم مما فاز به هؤلاء، وروي أنهم قالوا: هل يكون هذا غزوا، فأعطاهم اللّه ثواب الغزو ورضي عنهم.

واعلم أن أهل المغازي اختلفوا، فذهب الواقدي إلى تخصيص الآية الأولى بواقعة حمراء الأسد، والآية الثانية ببدر الصغرى، ومنهم من يجعل الآيتين في وقعة بدر الصغرى، والأول أولى لأن قوله تعالى: {من بعد ما أصابهم القرح} كأنه يدل على قرب عهد بالقرح، فالمدح فيه أكثر من المدح على الخروج على العدو من وقت إصابة القرح لمسه، والقول الآخر أيضا محتمل.

والقرح على هذا القول يجب أن يفسر بالهزيمة، فكأنه قيل: إن الذين انهزموا ثم أحسنوا الأعمال بالتوبة واتقوا اللّه في سائر أمورهم، ثم استجابوا للّه وللرسسول عازمين على الثواب موطنين أنفسهم على لقاء العدو، بحيث لما بلغهم كثرة جموعهم لم يفتروا ولم يفشلوا، وتوكلوا على اللّه ورضوا به كافيا ومعينا فلهم أجر عظيم لا يحجبهم عنه ما كان منهم من الهزيمة إذ كانوا قد تابوا عنها واللّه أعلم.

﴿ ١٧٤