٤٢

{يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الارض ولا يكتمون اللّه حديثا} وفيه مسائل:

المسألة الأولى: قوله: {الذين كفروا وعصوا الرسول} يقتضي كون عصيان الرسول مغايرا للكفر.

لأن عطف الشيء على نفسه غير جائز، فوجب حمل عصيان الرسول على المعاصي المغايرة للكفر، إذا ثبت هذا فنقول:

الآية دالة على أن الكفار مخاطبون بفروع الاسلام، وأنهم كما يعاقبون يوم القيامة على الكفر فيعاقبون أيضا على تلك المعاصي.

لأنه لو لم يكن لتلك المعصية أثر في هذا المعنى لما كان في ذكر معصيتهم في هذا الموضع أثر.

المسألة الثانية: قرأ ابن كثير وعاصم وأبو عمرو {تسوى} مضمومة التاء خفيفة السين على ما لم يسم فاعله، وقرأ نافع وابن عامر {تسوى} مفتوحة التاء مشددة السين بمعنى: تتسوى، فأدغم التاء في السين لقربها منها، ولا يكره اجتماع التشديدين في هذه القراءة لأن لها نظائر في التنزيل كقوله: {اطيرنا بك} (النمل: ٤٧) {وازينت} (يونس: ٢٤) {*ويذكرون} (الأنعام: ٢٦) وفي هذه القراءة اتساع، وهو إسناد الفعل إلى الأرض وقرأ حمزة والكسائي {لو تسوى} مفتوحة التاء والسين خفيفة، حذفا التاء التى أدغمها نافع لأنها كما اعتلت بالادغام اعتلت بالحذف.

المسألة الثالثة: ذكروا في تفسير قوله: {لو تسوى بهم الارض} وجوها:

الأول: لو يدفنون فتسوى بهم الأرض كما تسوى بالموتى.

والثاني: يودون أنهم لم يبعثوا وأنهم كانوا والأرض سواء.

الثالث: تصير البهائم ترابا فيودون حالها  كقوله: {الكافر ياليتنى كنت ترابا} (النبأ: ٤٠).

المسألة الرابعة: قوله: {ولا يكتمون اللّه حديثا} فيه لأهل التأويل طريقان:

الأول: أن هذا متصل بما قبله.

والثاني: أنه كلام مبتدأ، فاذا جعلناه متصلا احتمل وجهين:

أحدهما: ما قاله ابن عباس رضي اللّه عنهما: يودون لو تنطبق عليهم الأرض ولم يكونوا كتموا أمر محمد صلى اللّه عليه وسلم ولا كفروا به ولا نافقوا، وعلى هذا القول: الكتمان عائد إلى ما كتموا من أمر محمد صلى اللّه عليه وسلم ،

الثاني: أن المشركين لما رأوا يوم القيامة أن اللّه تعالى يغفر لأهل الاسلام ولا يغفر شركا، قالوا: تعالوا فلنجحد فيقولون: واللّه ربنا ما كنا مشركين، وجاء أن يغفر اللّه لهم، فحينئذ يختم على أفواههم وتتكلم أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يعملون، فهنالك يودون أنهم كانوا ترابا ولم يكتموا اللّه حديثا.

الطريق الثاني في التأويل: أن هذا الكلام مستأنف، فان ما عملوه ظاهر عند اللّه، فكيف يقدرون على كتمانه؟

المسألة الخامسة: فإن قيل: كيف الجمع بين هذه الآية وبين قوله: {واللّه ربنا ما كنا مشركين} (الأنعام: ٢٣).

والجواب من وجوه:

الأول: أن مواطن القيامة كثيرة، فموطن لا يتكلمون فيه وهو قوله: {فلا تسمع إلا همسا} (طه: ١٠٨) وموطن يتكلمون فيه كقوله: {ما كنا نعمل من سوء} (النحل: ٢٨) وقولهم: {واللّه ربنا ما كنا مشركين} فيكذبون في مواطن، وفي مواطن يعترفون على أنفسهم بالكفر ويسألون الرجعة وهو قولهم: {فقالوا ياليتنا نرد ولا نكذب بئايات ربنا} (الأنعام: ٢٧) وآخر تلك المواطن أن يختم على أفواههم وتتكلم أيديهم وأرجلهم وجلودهم، فنعوذ باللّه من خزي ذلك اليوم.

الثاني: أن هذا الكتمان غير واقع، بل هو داخل في التمني على ما بينا.

الثالث: أنهم لم يقصدوا الكتمان، وإنما أخبروا على حسب ما توهموا، وتقديره: واللّه ما كنا مشركين عند أنفسنا، بل مصيبين في ظنوننا حتى تحققنا الآن.

وسيجيء الكلام في هذه المسألة في سورة الأنعام إن شاء اللّه تعالى.

النوع العاشر: من التكاليف المذكورة في هذه السورة.

﴿ ٤٢