٦٣

{أولئك الذين يعلم اللّه ما فى قلوبهم} والمعنى أنه لا يعلم ما في قلوبهم من النفاق والغيظ والعداوة الا اللّه.

ثم قال تعالى: {فأعرض عنهم وعظهم وقل لهم فى أنفسهم قولا بليغا} واعلم أنه تعالى أمر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن يعاملهم بثلاثة أشياء:

الأول: قوله: {فأعرض عنهم} وهذا يفيد أمرين

أحدهما: أن لا يقبل منهم ذلك العذر ولا يغتر به، فان من لا يقبل عذر غيره ويستمر على سخطه قد يوصف بأنه معرض عنه غير ملتفت إليه.

والثاني: أن هذا يجري مجرى أن يقول له: اكتف بالاعراض عنهم ولا تهتك سترهم، ولا تظهر لهم أنك عالم بكنه ما في بواطنهم، فان من هتك ستر عدوه وأظهر له كونه عالما بما في قلبه فربما يجرئه ذلك على أن لا يبالي باظهار العداوة فيزداد الشر ولكن إذا تركه على حاله بقي في خوف ووجل فيقل الشر.

النوع الثاني: قوله تعالى: {وعظهم} والمراد أنه يزجرهم عن النفاق والمكر والكيد والحسد والكذب ويخوفهم بعقاب الآخرة، كما

قال تعالى: {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة} (النحل: ١٢٥).

النوع الثالث: قوله تعالى: {وقل لهم فى أنفسهم قولا بليغا}

وفيه مسألتان:

المسألة الأولى: في قوله: {فى أنفسهم} وجوه:

الأول: أن في الآية تقديما وتأخيرا، والتقدير: وقل لهم قولا بليغا في أنفسهم مؤثرا في قلوبهم يغتمون به اغتماما ويستشعرون منه الخوف استشعارا.

الثاني: أن يكون التقدير: وقل لهم في معنى أنفسهم الخبيثة وقلوبهم المطوية على النفاق قولا بليغا، وإن اللّه يعلم ما في قلوبكم فلا يغني عنكم إخفاؤه، فطهروا قلوبكم من النفاق وإلا أنزل اللّه بكم ما أنزل بالمجاهرين بالشرك أو شرا من ذلك وأغلظ.

الثالث: قل لهم في أنفسهم خاليا بهم ليس معهم غيرهم على سبيل السر، لأن النصحية على الملأ تقريع وفي السر محض المنفعة.

المسألة الثانية: في الآية قولان:

أحدهما: أن المراد بالوعظ التخويف بعقاب الآخرة، والمراد بالقول البليغ التخويف بعقاب الدنيا، وهو أن يقول لهم: إن ما في قلوبكم من النفاق والكيد معلوم عند اللّه، ولا فرق بينكم وبين سائر الكفار، وإنما رفع اللّه السيف عنكم لأنكم أظهرتم الايمان، فان واظبتم على هذه الأفعال القبيحة ظهر للكل بقاؤكم على الكفر، وحينئذ يلزمكم السيف.

الثاني: أن القول البليغ صفة للوعظ، فأمر تعالى بالوعظ، ثم أمر أن يكون ذلك الوعظ بالقول البليغ، وهو أن يكون كلاما بليغا طويلا حسن الألفاظ حسن المعاني مشتملا على الترغيب والترهيب والاحذار والانذار والثواب والعقاب، فان الكلام إذا كان هكذا عظم وقعه في القلب، وإذا كان مختصرا ركيك اللفظ قليل المعنى لم يؤثر ألبتة في القلب.

﴿ ٦٣