٨٦{وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منهآ أو ردوهآ إن اللّه كان على كل شىء حسيبا}. في النظم وجهان: الأول: أنه لما أمر المؤمنين بالجهاد أمرهم ايضا بأن الاعداء لو رضوا بالمسألة فكونوا أنتم أيضا راضين بها، فقوله: {وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها} كقوله تعالى: {وإن جنحوا للسلم فاجنح لها} (الأنفال: ٦١). الثاني: ان الرجل في الجهاد كان يلقاه الرجل في دار الحرب أو ما يقاربها فيسلم عليه، فقد لا يلتفت الى سلامه عليه ويقتله، وربما ظهر أنه كان مسلما، فمنع اللّه المؤمنين عنه وأمرهم ان كل من يسلم عليهم ويكرمهم بنوع من الاكرام يقابلونه بمثل ذلك الاكرام أو أزيد، فانه ان كان كافرا لا يضر المسلم ان قابل إكرام ذلك الكافر بنوع من الاكرام، أما ان كان مسلما وقتله ففيه أعظم المضار والمفاسد، وفي الآية مسائل: المسألة الأولى: التحية تفعلة من حييت، وكان في الاصل تحيية، مثل التوصية والتسمية، والعرب تؤثر التفعلة على التفعيل في ذوات الاربعة، نحو قوله: {وتصلية جحيم} (الواقعة: ٩٤) فثبت أن التحية أصلها التحيية ثم أدغموا الياء في الياء. المسألة الثانية: اعلم أن عادة العرب قبل الاسلام أنه إذا لقي بعضهم بعضا قالوا: حياك اللّه واشتقاقه من الحياة كأنه يدعو له بالحياة، فكانت التحية عندهم عبارة عن قول بعضهم لبعض حياك اللّه، فلما جاء الاسلام أبدل ذلك بالسلام، فجعلوا التحية اسما للسلام. قال تعالى: {تحيتهم يوم يلقونه سلام} (الأحزاب: ٤٤) ومنه قول المصلى: التحيات للّه، أي السلام من الآفات للّه، والأشعار ناطقة بذلك. قال عنترة: حييت من طلل تقادم عهده إنا محيوك يا سلمى فحيينا وقال آخر: واعلم أن قول القائل لغيره: السلام عليك أتم وأكمل من قوله: حياك اللّه، وبيانه من وجوه: الأول: أن الحي إذا كان سليما كان حيا لا محالة، وليس إذا كان حيا كان سليما، فقد تكون حياته مقرونة بالآفات والبليات، فثبت أن قوله: السلام عليك أتم وأكمل من قوله: حياك اللّه. الثاني: أن السلام اسم من أسماء اللّه تعالى، فالابتداء بذكر اللّه أو بصفة من صفاته الدالة على أنه يريد ابقاء السلامة على عباده أكمل من قوله: حياك اللّه. الثالث: أن قول الانسان لغيره: السلام عليك فيه بشارة بالسلامة، وقوله: حياك اللّه لا يفيد ذلك، فكان هذا أكمل. ومما يدل على فضيلة السلام القرآن والأحاديث والمعقول، أما القرآن فمن وجوه: الأول: اعلم أن اللّه تعالى سلم على المؤمن في اثني عشر موضعا: أولها: أنه تعالى كأنه سلم عليك في الأزل، ألا ترى أنه قال في وصف ذاته: الملك القدوس السلام، وثانيها: أنه سلم على نوح وجعل لك من ذلك السلام نصيبا، فقال: {قيل يانوح * نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك} والمراد منه أمة محمد صلى اللّه عليه وسلم ، وثالثها: سلم عليك على لسان جبريل، فقال: {تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر * سلام هى حتى مطلع الفجر} (القدر: ٥) قال المفسرون: إنه عليه الصلاة والسلام خاف على أمته أن يصيروا مثل أمة موسى وعيسى عليهما الصلاة والسلام، فقال اللّه: لا تهتم لذلك فاني وإن أخرجتك من الدنيا، إلا أني جعلت جبريل خليفة لك، ينزل إلى أمتك كل ليلة قدر ويبلغهم السلام مني. ورابعها: سلم عليك على لسان موسى عليه السلام حيث قال: {والسلام على من اتبع الهدى} (طه: ٤٧) فاذا كنت متبع الهدى وصل سلام موسى إليك. وخامسها: سلم عليك على لسان محمد صلى اللّه عليه وسلم ، فقال: {الحمد للّه وسلام على عباده الذين اصطفى} (النمل: ٥٩) وكل من هدى اللّه إلى الايمان فقد اصطفاه، كما قال: {ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا} (فاطر: ٣٢) وسادسها: أمر محمدا صلى اللّه عليه وسلم بالسلام على سبيل المشافهة، فقال: {وإذا جاءك الذين يؤمنون بئاياتنا فقل سلام عليكم} (الأنعام: ٥٤) وسابعها: أمر أمة محمد صلى اللّه عليه وسلم بالتسليم عليك قال: {وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها} وثامنها: سلم عليك على لسان ملك الموت فقال: {الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم} قيل: إن ملك الموت يقول في أذن المسلم: السلام يقرئك السلام، ويقول: أجبني فاني مشتاق إليك، واشتاقت الجنات والحور العين إليك، فاذا سمع المؤمن البشارة، يقول لملك الموت: للبشير مني هدية، ولا هدية أعز من روحي، فاقبض روحي هدية لك، وتاسعها: السلام من الأرواح الطاهرة المطهرة، قال تعالى: {وأما إن كان من أصحاب اليمين * فسلام لك من أصحاب اليمين} (الواقعة: ٩١) وعاشرها: سلم اللّه عليك على لسان رضوان خاون الجنة فقال تعالى: {وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا} إلى قوله: {وقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم} (الزمر: ٧٣) والحادي عشر: اذا دخلوا الجنة فالملائكة يزورونهم ويسلمون عليهم. قال تعالى: {والملائكة يدخلون عليهم من كل باب * سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار} (الرعد: ٢٣ ـ ٢٤) والثاني عشر: السلام من اللّه من غير واسطة وهو قوله: {تحيتهم يوم يلقونه سلام} (الأحزاب: ٤٤) وقوله: {سلام قولا من رب رحيم} (يس: ٥٨) وعند ذلك يتلاشى سلام الكل لأن المخلوق لا يبقى على تجلي نور الخالق. الوجه الثاني: من الدلائل القرآنية الدالة على فضيلة السلام أن أشد الأوقات حاجة إلى السلامة والكرامة ثلاثة أوقات: وقت الابتداء، ووقت الموت، ووقت البعث، واللّه تعالى لما أكرم يحيى عليه السلام فانما أكرمه بأن وعده السلام في هذه الأوقات الثلاثة فقال: وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا} وعيسى عليه السلام ذكر أيضا ذلك فقال: {*} وعيسى عليه السلام ذكر أيضا ذلك فقال: {والسلام على يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا} (مريم: ٣٣). الوجه الثالث: أنه تعالى لما ذكر تعظيم محمد عليه الصلاة والسلام قال: {إن اللّه وملائكته يصلون على النبى ياأيها * أيها *الذين ءامنوا صلوا عليه وسلموا تسليما} يروى في التفسير أن اليهود كانوا إذا دخلوا قالوا: السام عليك، فحزن الرسول عليه الصلاة والسلام لهذا المعنى، فبعث اللّه جبريل عليه السلام وقال: إن كان اليهود يقولون السام عليك، فأنا أقول من سرادقات الجلال: السلام عليك، وأنزل قوله: {إن اللّه وملائكته يصلون على النبى} إلى قوله: {وسلموا تسليما}. وأما ما يدل من الأخبار على فضيلة السلام فما روي أن عبداللّه بن سلام قال: لما سمعت بقدوم الرسول عليه الصلاة والسلام دخلت في غمار الناس فأول ما سمعت منه: "يا أيها الناس أفشوا السلام وأطعموا الطعام وصلوا الأرحام وصلوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام". وأما ما يدل على فضل السلام من جهة المعقول فوجوه: الأول: قالوا: تحية النصارى وضع اليد على الفم، وتحية اليهود بعضهم لبعض الاشارة بالأصابع، وتحية المجوس الانحناء، وتحية العرب بعضهم لبعض أن يقولوا: حياك اللّه، وللملوك أن يقولوا: أنعم صباحا، وتحية المسلمين بعضهم لبعض أن يقولوا: السلام عليك ورحمة اللّه وبركاته، ولا شك أن هذه التحية أشرف التحيات وأكرمها. الثاني: أن السلام مشعر بالسلامة من الآفات والبليات. ولا شك أن السعي في تحصيل الصون عن الضرر أولى من السعي في تحصيل النفع. الثالث: أن الوعد بالنفع يقدر الانسان على الوفاء به وقد لا يقدر، أما الوعد بترك الضرر فانه يكون قادرا عليه لا محالة، والسلام يدل عليه. فثبت أن السلام أفضل أنواع التحية. المسألة الثالثة: من الناس من قال: من دخل دارا وجب عليه أن يسلم على الحاضرين، واحتج عليه بوجوه: الأول: قوله تعالى: {كريم يأيها الذين ءامنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها} (النور: ٢٧) وقال عليه الصلاة والسلام: "أفشوا السلام" والأمر للوجوب. الثاني: أن من دخل على إنسان كان كالطالب له، ثم المدخول عليه لا يعلم أنه يطلبه لخير أو لشر، فاذا قال: السلام عليك فقد بشره بالسلامة وآمنه من الخوف، وإزالة الضرر عن المسلم واجبة قال عليه الصلاة والسلام: "المسلم من سلم المسلمون من يده ولسانه" فوجب أن يكون السلام واجبا. الثالث: أن السلام من شعائر أهل الاسلام، وإظهار شعائر الاسلام واجب، وأما المشهور فهو أن السلام سنة، وهو قول ابن عباس والنخعي. وأما الجواب على السلام فقد أجمعوا على وجوبه، ويدل عليه وجوه: الأول: قوله تعالى {وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها} الثاني: أن ترك الجواب إهانة، وإلهانة ضرر والضرر حرام. المسألة الرابعة: منتهى الأمر في السلام أن يقال: السلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته، بدليل أن هذا القدر هو الوارد في التشهد. واعلم أنه تعالى قال: {فحيوا بأحسن منها أو ردوها} فقال العلماء: الأحسن هو أن المسلم إذا قال السلام عليك زيد في جوابه الرحمة، وإن ذكر السلام والرحمة في الابتداء زيد في جوابه البركة، وإن ذكر الثلاثة في الابتداء أعادها في الجواب. روي أن رجلا قال للرسول صلى اللّه عليه وسلم : السلام عليك يا رسول اللّه، فقال عليه الصلاة والسلام: وعليك السلام ورحمة اللّه وبركاته. وآخر قال: السلام عليك ورحمة اللّه، فقال: وعليك السلام ورحمة اللّه وبركاته، وجاء ثالث فقال: السلام عليك ورحمة اللّه وبركاته، فقال عليه الصلاة والسلام: وعليك السلام ورحمة اللّه وبركاته، فقال الرجل: نقصتني، فأين قول اللّه: {فحيوا بأحسن منها} فقال صلى اللّه عليه وسلم : إنك ما تركت لي فضلا فرددت عليك ما ذكرت. المسألة الخامسة: المبتدىء يقول: السلام عليك والمجيب، يقول: وعليكم السلام، هذا هو الترتيب الحسن، والذي خطر ببالي فيه أنه إذا قال: السلام عليكم كان الابتداء واقعا بذكر اللّه، فاذا قال المجيب: وعليكم السلام كان الاختتام واقعا بذكر اللّه، وهذا يطابق قوله: {هو الأول والاخر} (الحديد: ٣) وأيضا لما وقع الابتداء والاختتام بذكر اللّه فانه يرجى أن يكون ما وقع بينهما يصير مقبولا ببركته كما في قوله: {أقم الصلواة * وأقم الصلواة طرفى النهار وزلفا من اليل إن الحسنات} (هود: ١١٤) فلو خالف المبتدىء فقال: وعليكم السلام فقد خالف السنة، فالأولى للمجيب أن يقول: وعليكم السلام، لأن الأول لما ترك الافتتاح بذكر اللّه، فهذا لا ينبغي أن يترك الاختتام بذكر اللّه. المسألة السادسة: ان شاء قال: سلام عليكم، وان شاء قال: السلام عليكم قال تعالى في حق نوح: {قيل يانوح اهبط بسلام منا} (هود: ٤٨) وقال عن الخليل: {قال سلام عليك سأستغفر لك ربي} (مريم: ٤٧) وقال في قصة لوط: {قالوا سلاما قال سلام} (هود: ٦٩) وقال عن يحيى: {وسلام عليه} وقال عن محمد صلى اللّه عليه وسلم : {قل الحمد للّه وسلام على عباده} (النمل: ٥٩) وقال عن الملائكة: {والملائكة يدخلون عليهم من كل باب * سلام عليكم} (الرعد: ٢٣ ـ ٢٤) وقال عن رب العزة: {سلام قولا من رب رحيم} (يس: ٥٨) وقال: {فقل سلام عليكم} وأما بالألف واللام فقوله عن موسى عليه السلام: {فأتياه فقولا إنا رسولا ربك فأرسل معنا بنى إسراءيل ولا تعذبهم قد جئناك بئاية من ربك} (طه: ٤٧) وقال عن عيسى عليه السلام: {والسلام على يوم ولدت ويوم أموت} (مريم: ٣٣) فثبت أن الكل جائز، وأما في التحليل من الصلاة فلا بد من الألف واللام بالاتفاق، واختلفوا في سائر المواضع أن التنكير أفضل أم التعريف؟ فقيل التنكير أفضل، ويدل عليه وجوه: الأول: أن لفظ السلام على سبيل التنكير كثير في القرآن فكان أفضل. الثاني: ان كل ما ورد من اللّه والملائكة والمؤمنين فقد ورد بلفظ التنكير على ما عددناه في الآيات، وأما بالألف واللام فانما ورد في تسليم الانسان على نفسه قال موسى صلى اللّه عليه وسلم : {والسلام على من اتبع الهدى} (طه: ٤٧) وقال عيسى عليه الصلاة والسلام: {والسلام على} (مريم: ٣٣) والثالث: وهو المعنى المعقول ان لفظ السلام بالألف واللام يدل على أصل الماهية، والتنكير يدل على أصل الماهية مع وصف الكمال، فكان هذا أولى: المسألة السابعة: قال صلى اللّه عليه وسلم : "السنة أن يسلم الراكب على الماشي، وراكب الفرس على راكب الحمار، والصغير على الكبير، والأقل على الأكثر، والقائم على القاعد". وأقول: أما الأول فلوجهين: أحدهما: ان الراكب أكثر هيبة فسلامه يفيد زوال الخوف والثاني: أن التكبر به أليق، فأمر بالابتداء بالتسليم كسرا لذلك التكبر، وأما أن القائم يسلم على القاعد فلأنه هو الذي وصل اليه، فلا بد وأن يفتتح هذا الواصل الموصول بالخير. المسألة الثامنة: السنة في السلام الجهر لأنه أقوى في إدخال السرور في القلب. المسألة التاسعة: السنة في السلام الافشاء والتعميم لأن في التخصيص ايحاشا. المسألة العاشرة: المصافحة عند السلام عادة الرسول صلى اللّه عليه وسلم ، قال عليه الصلاة والسلام: "إذا تصافح المسلمان تحاتت ذنوبهما كما يتحات ورق الشجر". المسألة الحادية عشرة: قال أبو يوسف: من قال لآخر: اقرىء فلانا عني السلام وجب عليه أن يفعل. المسألة الثانية عشرة: إذا استقبلك رجل واحد فقل سلام عليكم، واقصد الرجل والملكين فانك إذا سلمت عليهما ردا السلام عليك، ومن سلم الملك عليه فقد سلم من عذاب اللّه. المسألة الثالثة عشرة: إذا دخلت بيتا خاليا فسلم، وفيه وجوه: الأول: انك تسلم من اللّه على نفسك. والثاني: انك تسلم على من فيه من مؤمني الجن. والثالث: أنك تطلب السلامة ببركة السلام ممن في البيت من الشياطين والمؤذيات. المسألة الرابعة عشرة: السنة أن يكون المبتديى بالسلام على الطهارة، وكذا المجيب. روي أن واحدا سلم على الرسول صلى اللّه عليه وسلم وهو كان في قضاء الحاجة، فقام وتيمم ثم رد السلام. المسألة الخامسة عشرة: السنة إذا التقى إنسانان أن يبتدرا بالسلام إظهارا للتواضع. المسألة السادسة عشرة: لنذكر المواضع التي لا يسلم فيها، وهي ثمانية: الأول: روي أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: لا يبدأ اليهودي بالسلام، وعن أبي حنيفة أنه قال: لا يبدأ بالسلام في كتاب ولا في غيره، وعن أبي يوسف: لا تسلم عليهم ولا تصافحهم، وإذا دخلت فقل: السلام على من اتبع الهدى. ورخص بعض العلماء في ابتداء السلام عليهم إذا دعت إلى ذلك حاجة، وأما إذا سلموا علينا فقال أكثر العلماء: ينبغي أن يقال وعليك، والأصل فيه أنهم كانوا يقولون عند الدخول على الرسول: السام عليك، فكان النبي صلى اللّه عليه وسلم يقول وعليكم، فجرت السنة بذلك، ثم ههنا تفريع وهو أنا إذا قلنا لهم: وعليكم السلام، فهل يجوز ذكر الرحمة فيه؟ قال الحسن يجوز أن يقال للكافر: وعليكم السلام، لكن لا يقال ورحمة اللّه لأنها استغفار. وعن الشعبي انه قال لنصراني: وعليكم السلام ورحمة اللّه فقيل له فيه، فقال: أليس في رحمة اللّه يعيش. الثاني: إذا دخل يوم الجمعة والامام يخطب، فلا ينبغي أن يسلم لاشتغال الناس بالاجتماع، فان سلم فرد بعضهم فلا بأس، ولو اقتصروا على الاشارة كان أحسن. الثالث: إذا دخل الحمام فرأى الناس متزرين يسلم عليهم، وإن لم يكونوا متزرين لم يسلم عليهم، الرابع: الأولى ترك السلام على القارىء، لأنه إذا اشتغل بالجواب يقطع عليه التلاوة وكذلك القول فيمن كان مشتغلا برواية الحديث ومذاكرة العلم، الخامس: لا يسلم على المشتغل بالأذان والاقامة للعلة التي ذكرناها. السادس: قال أبو يوسف. لا يسلم على لاعب النرد، ولا على المغني، ومطير الحمام، وفي معناه كل من كان مشتغلا بنوع معصية، السابع: لا يسلم على من كان مشتغلا بقضاء الحاجة، مر على الرسول عليه الصلاة والسلام رجل وهو يقضي حاجته، فسلم عليه، فقام الرسول عليه الصلاة والسلام إلى الجدار فتيمم ثم رد الجواب، وقال: "لولا أني خشيت أن تقول سلمت عليه فلم يرد الجواب لما أجبتك إذا رأيتني على مثل هذه الحالة فلا تسلم علي فانك إن سلمت علي لم أرد عليك" الثامن: إذا دخل الرجل بيته سلم على امرأته، فان حضرت أجنبية هناك لم يسلم عليهما. المسألة السابعة عشرة: في أحكام الجواب وهي ثمانية: الأول: رد الجواب واجب لقوله تعالى: {وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها} ولأن ترك الجواب إهانة وضرر وحرام، وعن عباس: ما من رجل يمر على قوم مسلمين فيسلم عليهم ولا يردون عليه إلا نزع عنهم روح القدس وردت عليه الملائكة. الثاني: رد الجواب فرض على الكفاية اذا قام به البعض سقط عن الباقين، والأولى للكل أن يذكروا الجواب إظهارا للاكرام ومبالغة فيه، الثالث: أنه واجب على الفور، فان أخر حتى انقضى الوقت فان أجاب بعد فوت الوقت كان ذلك ابتداء سلام ولا يكون جوابا. الرابع: اذا ورد عليه سلام في كتاب فجوابه بالكتبة أيضا واجب، لقوله تعالى: {وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها} الخامس: اذا قال السلام عليكم، فالواجب أن يقول: وعليكم السلام. السادس: روي عن أبي حنيفة رضي اللّه عنه أنه قال: لا يجهر بالرد يعني الجهر الكثير. السابع: إن سلمت المرأة الأجنبية عليه وكان يخاف في رد الجواب عليها تهمة أو فتنة لم يجب الرد، بل الأولى أن لا يفعل. الثامن: حيث قلنا انه لا يسلم فلو سلم لم يجب عليها الرد، لأنه أتى بفعل منهى عنه فكان وجوده كعدمه. المسألة الثامنة عشرة: اعلم أن لفظ التحية على ما بيناه صار كناية عن الاكرام، فجميع أنواع الاكرام يدخل تحت لفظ التحية. إذا عرفت هذا فنقول: قال أبو حنيفة رضي اللّه عنه: من وهب لغير ذي رحم محرم فله الرجوع فيها ما لم يثب منها، فاذا أثيب منها فلا رجوع فيها. وقال الشافعي رضي اللّه عنه: له الرجوع في حق الولد، وليس له الرجوع في حق الأجنبي، احتج أبو بكر الرازي بهذه الآية على صحة قول أبي حنيفة فان قوله: {وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها} يدخل فيه التسليم، ويدخل فيه الهبة، ومقتضاه وجوب الرد اذا لم يصر مقابلا بالأحسن، فاذا لم يثبت الوجوب فلا أقل من الجواز، وقال الشافعي: هذا الأمر محمول على الندب، بدليل أنه لو أثيب بما هو أقل منه سقطت مكنة الرد بالاجماع، مع أن ظاهر الآية يقتضي أن يأتي بالأحسن، ثم احتج الشافعي على قوله بما روى ابن عباس وابن عمر عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال: "لا يحل لرجل أن يعطي عطية أو يهب هبة فيرجع فيها إلا الوالد فيما يعطي ولده" وهذا نص في أن هبة الأجنبي يحرم الرجوع فيها، وهبة الولد يجوز الرجوع فيها. ثم قال تعالى: {إن اللّه كان على كل شىء حسيبا} وفيه مسائل: المسألة الأولى: في الحسيب قولان: الأول: أنه بمعنى المحاسب على العمل، كالأكيل والشريب والجليس بمعنى المؤاكل والمشارب والمجالس. الثاني: أنه بمعنى الكافي في قولهم: حسبي كذا؛ أي كافي، ومنه قوله تعالى: {حسبى اللّه} (التوبة: ١٢٩، الزمر: ٣٨). المسألة الثانية: المقصود منه الوعيد، فانا بينا أن الواحد منهم قد كان يسلم على الرجل المسلم، ثم إن ذلك المسلم ما كان يتفحص عن حاله، بل ربما قتله طمعا في سلبه، فاللّه تعالى زجر عن ذلك فقال: {وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها} وإياكم أن تتعرضوا له بالقتل. ثم قال: {إن اللّه كان على كل شىء حسيبا} أي هو محاسبكم على أعمالكم وكافي في إيصال جزاء أعمالكم اليكم فكونوا على حذر من مخالفة هذا التكليف، وهذا يدل على شدة العناية بحفظ الدماء والمنع من إهدارها. |
﴿ ٨٦ ﴾