٩٢{وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطئا ومن قتل مؤمنا خطئا فتحرير رقبة مؤمنة ...}. اعلم أنه تعالى لما رغب في مقاتلة الكفار، وحرض عليها ذكر بعد ذلك بعض ما يتعلق بهذه المحاربة، فمنها أنه تعالى لما أذن في قتل الكفار فلا شك أنه قد يتفق أن يرى الرجل رجلا يظنه كافرا حربيا فيقتله، ثم يتبين انه كان مسلما، فذكر اللّه تعالى حكم هذه الواقعة في هذه الآية وههنا مسائل: المسألة الأولى: ذكروا في سبب النزول وجوها: الأول: روى عروة بن الزبير أن حذيفة بن اليمان كان مع الرسول صلى اللّه عليه وسلم يوم أحد فأخطأ المسلمون وظنوا أن أباه اليمان واحد من الكفار، فأخذوه وضربوه بأسيافهم وحذيفة يقول: انه أبي فلم يفهموا قوله إلا بعد أن قتلوه، فقال حذيفة: يغفر اللّه لكم وهو أرحم الراحمين، فلما سمع الرسول صلى اللّه عليه وسلم ذلك ازداد وقع حذيفة عنده، فنزلت هذه الآية: الرواية الثانية: أن الآية نزلت في أبي الدرداء، وذلك لأنه كان في سرية فعدل إلى شعب لحاجة له فوجد رجلا في غنم له فحمل عليه بالسيف، فقال الرجل: لا إله إلا اللّه، فقتله وساق غنمه ثم وجد في نفسه شيئا، فذكر الواقعة للرسول صلى اللّه عليه وسلم فقال عليه الصلاة والسلام: "هلا شققت عن قلبه" وندم أبو الدرداء فنزلت الآية. الرواية الثالثة: روي أن عياش بن أبي ربيعة، وكان أخا لأبي جهل من أمه، أسلم وهاجر خوفا من قومه إلى المدينة، وذلك قبل هجرة الرسول صلى اللّه عليه وسلم ، فأقسمت أمه لا تأكل ولا تشرب ولا تجلس تحت سقف حتى يرجع، فخرج أبو جهل ومعه الحرث بن زيد بن أبي أنيسة فأتياه وطولا في الأحاديث، فقال أبو جهل: أليس أن محمدا يأمرك ببر الأم فانصرف وأحسن إلى أمك وأنت على دينك فرجع، فلما دنوا من مكة قيدوا يديه ورجليه، وجلده أبو جهل مائة جلدة، وجلده الحرث مائة أخرى، فقال للحرث: هذا أخي فمن أنت يا حرث، للّه علي إن وجدتك خالي أن أقتلك. وروي أن الحرث قال لعياش حين رجع: ان كان دينك الأول هدى فقد تركته وان كان ضلالا فقد دخلت الآن فيه، فشق ذلك على عياش وحلف أن يقتله، فلما دخل على أمه حلفت أمه لا يزول عنه القيد حتى يرجع إلى دينه الأول ففعل، ثم هاجر بعد ذلك وأسلم الحرث أيضا وهاجر، فلقيه عياش خاليا ولم يشعر باسلامه فقتله، فلما أخبر بأنه كان مسلما ندم على فعله وأتى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وقال: قتلته ولم أشعر باسلامه، فنزلت هذه الآية. المسألة الثانية: قوله تعالى: {الجحيم وما كان} فيه وجهان: الأول: أي وما كان فيما أتاه من ربه وعهد إليه. الثاني: ما كان له في شيء من الأزمنة ذلك، والغرض منه بيان أن حرمة القتل كانت ثابتة من أول زمان التكليف. المسألة الثالثة: قوله: {إلا} فيه قولان: الأول: أنه استثناء متصل، والذاهبون إلى هذا القول ذكروا وجوها: الأول: ان هذا الاستثناء ورد على طريق المعنى، لأن قوله: {وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا} معناه أنه يؤاخذ الانسان على القتل إلا اذا كان القتل قتل خطأ فانه لا يؤاخذ به. الثاني: أن الاستثناء صحيح أيضا على ظاهر اللفظ، والمعنى أنه ليس لمؤمن أن يقتل مؤمنا ألبتة إلا عند الخطأ. وهو ما إذا رأى عليه شعار الكفار، أو وجده في عسكرهم فظنه مشركا، فههنا يجوز قتله، ولا شك أن هذا خطأ، فانه ظن أنه كافر مع أنه ما كان كافرا. الثالث: أن في الكلام تقديما وتأخيرا، والتقدير: وما كان مؤمن ليقتل مؤمنا إلا خطأ، ومثله قوله تعالى: {يمترون ما كان للّه أن يتخذ من ولد} (مريم: ٣٥) تأويله: ما كان اللّه ليتخذ من ولد، لأنه تعالى لا يحرم عليه شيء، إنما ينفي عنه ما لا يليق به، وأيضا قال تعالى: {ما كان لكم أن تنبتوا شجرها} (النمل: ٦٠) معناه ما كنتم لتنبتوا، لأنه تعالى لم يحرم عليهم أن ينبتوا الشجر، إنما نفى عنهم أن يمكنهم إنباتها، فانه تعالى هو القادر على إنبات الشجر. الرابع: أن وجه الاشكال في حمل هذا الاستثناء على الاستثناء المتصل، وهو أن يقال: الاستثناء من النفي إثبات، وهذا يقتضي الاطلاق في قتل المؤمن في بعض الأحوال، وذلك محال، إلا أن هذا الاشكال إنما يلزم اذا سلمنا أن الاستثناء من النفي إثبات، وذلك مختلف فيه بين الأصوليين، والصحيح أنه لا يقتضيه لأن الاستثناء يقتضي صرف الحكم عن المستثنى لا صرف المحكوم به عنه، واذا كان تأثير الاستثناء في صرف الحكم فقط بقي المستثنى غير محكوم عليه لا بالنفي ولا بالاثبات، وحينئذ يندفع الاشكال. ومما يدل على أن الاستثناء من النفي ليس باثبات قوله عليه الصلاة والسلام: "لا صلاة الا بطهور ولا نكاح الا بولي" ويقال: لا ملك الا بالرجال ولا رجال الا بالمال، والاستثناء في جملة هذه الصور لا يفيد أن يكون الحكم المستثنى من النفي إثباتا واللّه أعلم. الخامس: قال أبو هاشم وهو أحد رؤساء المعتزلة: تقدير الآية: وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا فيبقى مؤمنا، الا أن يقتله خطأ فيبقى حينئذ مؤمنا، قال: والمراد أن قتل المؤمن للمؤمن يخرجه عن كونه مؤمنا، الا أن يكون خطأ فانه لا يخرجه عن كونه مؤمنا. واعلم أن هذا الكلام بناء على أن الفاسق ليس بمؤمن، وهو أصل باطل، واللّه أعلم. القول الثاني: أن هذا الاستثناء منقطع بمعنى لكن، ونظيره في القرآن كثير. قال تعالى: {لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة} (النساء: ٢٩) وقال: {الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم} (النجم: ٥٣) وقال: {لا يسمعون فيها لغوا ولا تأثيما * إلا قيلا سلاما سلاما} واللّه أعلم. المسألة الرابعة: في انتصاب قوله: {*خطأ} وجوه: الأول: أنه مفعوله له، والتقدير ما ينبغي أن يقتله لعلة من العلل، إلا لكونه خطأ. الثاني: أنه حال، والتقدير: لا يقتله ألبتة إلا حال كونه خطأ. الثالث: أنه صفة للمصدر. والتقدير: إلا قتلا خطأ. قوله تعالى: {ومن قتل مؤمنا خطئا فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا}. وفي الآية مسائل: المسألة الأولى: قال الشافعي رحمه اللّه: القتل على ثلاثة أقسام: عمد، وخطأ، وشبه عمد. أما العمد: فهو أن يقصد قتله بالسبب الذي يعلم إفضاءه إلى الموت سواء كان ذلك جارحا أو لم يكن، وهذا قول الشافعي. وأما الخطأ فضربان: أحدهما: أن يقصد رمي المشرك أو الطائر فأصاب مسلما. والثاني: أن يظنه مشركا بأن كان عليه شعار الكفار، والأول خطأ في الفعل، والثاني خطأ في القصد. أما شبه العمد: فهو أن يضربه بعصا خفيفة لا تقتل غالبا فيموت منه. قال الشافعي رحمه اللّه: هذا خطأ في القتل وإن كان عمدا في الضرب. المسألة الثانية: قال أبو حنيفة: القتل بالمثقل ليس بعمد محض، بل هو خطأ وشبه عمد، فيكون داخلا تحت هذه الآية فتجب فيه الدية والكفارة، ولا يجب فيه القصاص. وقال الشافعي رحمه اللّه: إنه عمد محض يجب فيه القصاص. أما بيان أنه قتل فيدل عليه القرآن والخبر، أما القرآن فهو أنه تعالى حكى عن موسى عليه السلام أنه وكز القبطي فقضى عليه، ثم إن ذلك الوكز يسمى بالقتل، بدليل أنه حكى أن القبطي قال في اليوم الثاني: {أتريد أن تقتلنى كما قتلت نفسا بالامس} (القصص: ١٩) وكان الصادر عن موسى عليه السلام بالأمس ليس إلا الوكز، فثبت أن القبطي سماه قتلا، وأيضا ان موسى صلوات اللّه عليه سماه قتلا حيث قال: {ربى إنى * قتلت منهم نفسا فأخاف أن يقتلون} (القصص: ٣٣) وأجمع المفسرون على أن المراد منه قتل ذلك القبطي بذلك الوكز، وأيضا ان اللّه تعالى سماه قتلا حيث قال: {وقتلت نفسا فنجيناك من الغم وفتناك فتونا} (طه: ٤٠) فثبت أن الوكز قتل بقول القبطي وبقول موسى وبقول اللّه تعالى، وأما الخبر فقوله صلى اللّه عليه وسلم : "ألا إن قتيل الخطأ العمد قتيل السوط والعصا فيه مائة من الابل" فسماه قتلا، فثبت بهذين الدليلين أنه حصل القتل، وأما أنه عمد فالشاك فيه داخل في السفسطة فان من ضرب رأس إنسان بحجر الرحا، أو صلبه أو غرقه، أو خنقه ثم قال: ما قصدت به قتله كان ذلك أما كاذبا أو مجنونا، وأما أنه عدوان فلا ينازع فيه مسلم، فثبت أنه قتل عمد عدوان، فوجب أن يجب القصاص بالنص والمعقول. أما النص: فهو جميع الآيات الدالة على وجوب القصاص، كقوله: {كتب عليكم القصاص في القتلى} (البقرة: ١٧٨) {وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس} (المائدة: ٤٥) {ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا} (الإسراء: ٣٣) {وجزاء سيئة سيئة مثلها} (الشورى: ٤٠) {فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم} (البقرة: ١٩٤). وأما المعقول: فهو أن المقصود من شرع القصاص صيانة النفوس والأرواح عن إلهدار. قال تعالى: {ولكم في القصاص حيواة} (البقرة: ١٧٩) وإذا كان المقصود من شرع القصاص صيانة النفوس والأرواح عن إلهدار، وإلهدار من المثقل كهو في المحدد كانت الحاجة إلى شرع الزاجر في إحدى الصورتين كالحاجة إليه في الصورة الأخرى، ولا تفاوت بين الصورتين في نفس إلهدار، إنما التفاوت حاصل في آلة إلهدار، والعلم الضروري حاصل بأن ذلك غير معتبر، والكلام في الفقهيات إذا وصل إلى هذا الحد فقد بلغ الغاية القصوى في التحقيق لمن ترك التقليد، واحتجوا بقوله صلى اللّه عليه وسلم : "ألا إن قتيل الخطأ العمد قتيل السوط والعصا فيه مائة من الابل" وهو عام سواء كان السوط والعصا صغيرا أو كبيرا. والجواب: أن قوله: "قتيل الخطأ" يدل على أنه لا بد وأن يكون معنى الخطأ حاصلا فيه، وقد بينا أن من خنق إنسانا أو ضرب رأسه بحجر الرحا، ثم قال: ما كنت أقصد قتله، فان كل عاقل ببديهة عقله يعلم أنه كاذب في هذا المقال، فوجب حمل هذا الضرب على الضرب بالعصا الصغيرة حتى يبقى معنى الخطأ فيه. واللّه أعلم. المسألة الثالثة: قال أبو حنيفة: القتل العمد لا يوجب الكفارة، وقال الشافعي: يوجب. احتج أبو حنيفة بهذه الآية، فقال قوله: {ومن قتل مؤمنا} شرط لوجوب الكفارة وعند انتفاء الشرط لا يحصل المشروط، فيقال له: إنه تعالى قال: {حكيما ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم} (النساء: ٢٥)فقوله: {ومن لم يستطع} ما كان شرطا لجواز نكاح الأمة على قولكم، فكذلك ههنا. ثم نقول: الذي يدل على وجوب الكفارة في القتل العمد الخبر والقياس. أما الخبر فهو ما روى واثلة بن الأسقع قال: أتينا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في صاحب لنا أوجب النار بالقتل، فقال: اعتقوا عنه يعتق اللّه بكل عضو منه عضوا منه من النار. وأما القياس: فهو أن الغرض من إعتاق العبد هو أن يعتقه اللّه من النار، والحاجة الى هذا المعنى في القتل العمد أتم، فكانت الحاجة فيه الى ايجاب الكفارة أتم واللّه أعلم. وذكر الشافعي رضي اللّه عنه حجة أخرى من قياس الشبه فقال: لما وجبت الكفارة في قتل الصيد في الاحرام سوينا بين العامد وبين الخاطىء إلا في الاثم، فكذا في قتل المؤمن، ولهذا الكلام تأكيد آخر وهو أن يقال: نص اللّه تعالى هناك في العامد، وأوجبنا على الخاطىء. فههنا نص على الخاطىء، فبأن نوجبه على العامد مع أن احتياج العامد الى الاعتاق المخلص له عن النار أشد كان ذلك أولى. المسألة الرابعة: قال ابن عباس والحسن والشعبي والنخعي: لا تجزى الرقبة إلا إذا صام وصلى، وقال الشافعي ومالك والأوزاعي وأبو حنيفة رضي اللّه تعالى عنهم: يجزى الصبي إذا كان أحد أبويه مسلما. حجة ابن عباس هذه الآية، فانه تعالى أوجب تحرير الرقبة المؤمنة، والمؤمن من يكون موصوفا بالايمان، والايمان أما التصديق وأما العمل وأما المجموع، وعلى التقديرات فالكل فائت عن الصبي فلم يكن مؤمنا، فوجب أن لا يجزى. حجة الفقهاء أن قوله: {ومن قتل مؤمنا} يدخل فيه الصغير، فكذا قوله: {خطئا فتحرير رقبة مؤمنة} فوجب أن يدخل فيه الصغير. المسألة الخامسة: قال الشافعي رحمه اللّه: الدية في العمد المحض وفي شبه العمد مغلظة مثلثة ثلاثون حقة، وثلاثون جذعة، وأربعون خلفة في بطونها أولادها. وأما في الخطأ المحض فمخففة: عشرون بنات مخاض، وعشرون بنات لبون، وعشرون بنو لبون، وعشرون حقة، وعشرون جذعة. وأما أبو حنيفة فهو أيضا هكذا يقول في الكل إلا في شيء واحد فانه أوجب بني مخاض بدلا عن بنات لبون. حجة الشافعي رحمه اللّه أنه تعالى أوجب الدية في القرآن ولم يبين كيفية الدية فرجعنا في معرفة الكيفية إلى السنة والقياس، فلم نجد في السنة ما يدل عليه. وأما القياس فانه لا مجال للمناسبات والتعليلات المعقولة في تعيين الأسباب وتعيين الأعداد، فلم يبق ههنا مطمع إلا في قياس الشبه، ونرى أن الدية وجبت بسبب أقوى من السبب الموجب للزكاة، ثم إنا رأينا أن الشرع لم يجعل لبني مخاض دخلا في باب الزكاة، فوجب أن لا يكون لها دخل في باب الدية أيضا. وحجة أبي حنيفة أن البراءة كانت ثابتة، والأصل في الثابت البقاء، فكانت البراءة الأصلية باقية، ولا يعدل عن هذا الدليل إلا لدليل أقوى منه فنقول: الأول هو المتفق عليه فاعترفنا بوجوبه: وأما الزائد عليه فوجب أن يبقى على النفي الأصلي. والجواب: أن الذمة مشغولة بوجوب الدية، والأصل في الثابت البقاء، وقد رأينا حصول الاتفاق على السقوط بأداء أكثر ما قيل فيه، فوجب أن لا يحصل ذلك السقوط عند أداء أقل ما فيه، واللّه أعلم. المسألة السادسة: قال الشافعي رحمه اللّه: إذا لم توجد الابل، فالواجب أما ألف دينار، أو اثنا عشر ألف درهم. وقال أبو حنيفة: بل الواجب عشرة آلاف درهم. حجة الشافعي: ما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. قال: كانت قيمة الدية في عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ثمانمائة دينار. وثمانية آلاف درهم، فلما استخلف عمر رضي اللّه عنه قام خطيبا. وقال: إن الابل قد غلت أثمانها، ثم إن عمر فرضها على أهل الذهب ألف دينار وعلى أهل الورق أثنى عشر ألفا، وجه الاستدلال أن عمر ذكر ذلك في مجمع الصحابة وما أنكر عليه أحد فكان إجماعا. حجة أبي حنيفة: أن الأخذ بالأقل أولى، وقد سبق جوابه. المسألة السابعة: قال أبو بكر الأصم وجمهور الخوارج: الدية واجبة على القاتل، قالوا: ويدل عليه وجوه: الأول: أن قوله: {فتحرير رقبة مؤمنة} لا شك أنه إيجاب لهذا التحرير، والايجاب لا بد فيه من شخص يجب عليه ذلك الفعل، والمذكور قبل هذه الآية هو القاتل، وهو قوله: {ومن قتل مؤمنا} فهذا الترتيب يوجب القطع بأن هذا التحرير إنما أوجبه اللّه تعالى عليه لا على غيره، والثاني: أن هذه الجناية صدرت منه، والمعقول هو أن الضمان لا يجب إلا على المتلف، أقصى ما في الباب أن هذا الفعل صدر عنه على سبيل الخطأ. ولكن الفعل الخطأ قائم في قيم المتلفات وأروش الجنايات، مع أن تلك الضمانات لا تجب الى على المتلف، فكذا ههنا. الثالث: أنه تعالى أوجب في هذه الآية شيئين: تحرير الرقبة المؤمنة، وتسليم الدية الكاملة، ثم انعقد الاجماع على أن التحرير واجب على الجاني، فكذا الدية يجب أن تكون واجبة على القاتل، ضرورة أن اللفظ واحد في الموضعين. الرابع: أن العاقلة لم يصدر عنهم جناية ولا ما يشبه الجناية، فوجب أن لا يلزمهم شيء للقرآن والخبر، أما القرآن فقوله تعالى: {لا * تزر وازرة وزر أخرى} (الأنعام: ١٦٤) وقال تعالى: {ولا تكسب كل نفس إلا عليها} (الأنعام: ٢٩) وقال: {لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت} (البقرة: ٢٨٦) وأما الخبر فما روي أن أبا رمثة دخل على النبي صلى اللّه عليه وسلم ومعه ابنه فقال عليه الصلاة والسلام: من هذا فقال ابني، قال انه لا يجني عليك ولا تجني عليه، ومعلوم أنه ليس المقصود منه الاخبار عن نفس الجناية إنما المقصود بيان أن أثر جنايتك لا يتعدى إلى ولدك وبالعكس، وكل ذلك يدل على أن إيجاب الدية على الجاني أولى من إيجابها عل الغير. الخامس: أن النصوص تدل على أن مال الانسان معصوم وأنه لا سبيل لأحد أن يأخذه منه. قال تعالى: {لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة} (النساء: ٢٩) وقال عليه الصلاة والسلام: "كل امرىء أحق بكسبه" وقال: "حرمة مال المسلم كحرمة دمه" وقال: "لا يحل مال المسلم إلا بطيبة من نفسه" تركنا العمل بهذه العمومات في الأشياء التي عرفنا بنص القرآن كونها موجبة لجواز الأخذ كما قلنا في الزكوات، وكما قلنا في أخذ الضمانات. وأما في إيجاب الدية على العاقلة فالمعتمد فيه على خبر الواحد، وتخصيص عموم القرآن بخبر الواحد لا يجوز، لأن القرآن معلوم، وخبر الواحد مظنون، وتقديم المظنون على المعلوم غير جائز، ولأن هذا خبر واحد ورد فيما تعم به البلوى فيرد، ولأنه خبر واحد ورد على مخالفة جميع أصول الشرائع، فوجب رده، وأما الفقهاء فقد تمسكوا فيه بالخبر والأثر والآية: أما الخبر: فما روى المغيرة أن امرأة ضربت بطن امرأة أخرى فألقت جنينا ميتا، فقضى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم على عاقلة الضاربة بالغرة، فقام حمل بن مالك فقال: كيف ندى من لا شرب ولا أكل، ولا صاح ولا استهل، ومثل ذلك بطل، فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم : هذا من سجع الجاهلية، وأما الأثر: فهو أن عمر رضي اللّه عنه قضى على علي بأن يعقل عن مولى صفية بنت عبد المطلب حين جنى مولاها، وعلي كان ابن أخي صفية، وقضى للزبير بميراثها، فهذا يدل على أن الدية إنما تجب على العاقلة واللّه أعلم. المسألة الثامنة: مذهب أكثر الفقهاء أن دية المرأة نصف دية الرجل. وقال الأصم وابن عطية: ديتها مثل دية الرجل. حجة الفقهاء أن عليا وعمر وابن مسعود قضوا بذلك، ولأن المرأة في الميراث والشهادة على النصف من الرجل، فكذلك في الدية. وحجة الأصم قوله تعالى: {ومن قتل مؤمنا خطئا فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله} وأجمعوا على أن هذه الآية دخل فيها حكم الرجل والمرأة، فوجب أن يكون الحكم فيها ثابتا بالسوية واللّه أعلم. المسألة التاسعة: انفقوا على أن دية الخطأ مخففة في ثلاث سنين: الثلث في السنة، والثلثان في السنتين، والكل في ثلاث سنين. استفاض ذلك عن عمر ولم يخالفه فيه أحد من السلف فكان إجماعا. المسألة العاشرة: لا فرق في هذه الدية بين أين يقضي منها الدين وتنفذ منها الوصية، ويقسم الباقي بين الورثة على فرائض اللّه تعالى. روي أن امرأة جاءت تطلب نصيبها من دية الزوج فقال عمر: لا أعلم لك شيئا، إنما الدية للعصبة الذين يعقلون عنه، فشهد بعض من الصحابة أن الرسول صلى اللّه عليه وسلم أمره أن يورث الزوجة من دية زوجها، فقضى عمر بذلك، وإذ قد ذكرنا هذه المسائل فلنرجع إلى تفسير الآية فنقول: قوله: {فتحرير رقبة مؤمنة} معناه فعليه تحرير رقبة، والتحرير عبارة عن جعله حرا، والحر هو الخالص، ولما كان الانسان في أصل الخلقة خلق ليكون مالكا للأشياء كما قال تعالى: {خلق لكم ما فى الارض جميعا} (البقرة: ٢٩) فكونه مملوكا يكون صفة تكدر مقتضى الانسانية وتشوشها، فلا جرم سميت إزالة الملك تحريرا، أي تخليصا لذلك الانسان عما يكدر إنسانيته، والرقبة عبارة عن النسمة كما قد يجعل الرأس أيضا عبارة عن نسمة في قولهم: فلان يملك كذا رأسا من الرقيق، والمراد برقبة مؤمنة كل رقبة كانت على حكم الاسلام عند الفقهاء، وعند ابن عباس لا تجزي إلا رقبة قد صلت وصامت، وقد ذكرنا هذه المسألة. وقوله: {ودية مسلمة إلى أهله} قال الواحدي: الدية من الودي كالشية من الوشي، والأصل ودية فحذفت الواو يقال: ودى فلانا فلانا، أي أدى ديته إلى وليه، ثم ان الشرع خصص هذا اللفظ بما يؤدى في بدل النفس دون ما يؤدى في بدل المتلفات، ودون ما يؤدى في بدل الاطراف والاعضاء. ثم قال تعالى: {إلا أن يصدقوا} أصله يتصدقوا فأدغمت التاء في الصاد، ومعنى التصدق الاعطاء قال اللّه تعالى: {وتصدق علينا إن اللّه يجزى المتصدقين} (يوسف: ٨٨) والمعنى: إلا أن يتصدقوا بالدية فيعفوا ويتركوا الدية. قال صاحب "الكشاف": وتقدير الآية، ويجب عليه الدية وتسليمها إلى حين يتصدقون عليه، وعلى هذا فقوله: {أن يصدقوا} في محل النصب على الظرف، ويجوز أن يكون حالا من أهله بمعنى إلا متصدقين. ثم قال تعالى: {فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة}. فاعلم أنه تعالى ذكر في الآية الأولى: أن من قتل على سبيل الخطأ مؤمنا فعليه تحرير الرقبة وتسليم الدية، وذكر في هذه الآية أن من قتل على سبيل الخطأ مؤمنا من قوم عدو لنا فعليه تحرير الرقبة وسكت عن ذكر الدية، ثم ذكر بعد أن المقتول إن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق وجبت الدية، والسكوت عن إيجاب الدية في هذه الآية مع ذكرها فيما قبل هذه الآية، وفيما بعدها يدل على أن الدية غير واجبة في هذه الصورة. إذا ثبت هذا فنقول: كلمة "من" في قوله: {من قوم عدو لكم} أما أن يكون المراد منها كون هذا المقتول من سكان دار الحرب، أو المراد كونه ذا نسب منهم، والثاني باطل لانعقاد الاجماع على أن المسلم الساكن في دار الاسلام، وجميع أقاربه يكونون كفارا فاذا قتل على سبيل الخطأ وجبت الدية في قتله، ولما بطل هذا القسم تعين الأول فيكون المراد: وإن كان المقتول خطأ من سكان دار الحرب وهو مؤمن، فالواجب بسبب قتله الواقع على سبيل الخطأ هو تحرير الرقبة، فأما وجوب الدية فلا. قال الشافعي رحمه اللّه: وكما دلت هذه الآية على هذا المعنى فالقياس يقويه، أما أنه لا تجب الدية فلأنا لو أوجبنا الدية في قتل المسلم الساكن في دار الحرب لاحتاج من يريد غزو دار الحرب إلى أن يبحث عن كل أحد أنه هل هو من المسلمين أم لا، وذلك مما يصعب ويشف فيفضي ذلك إلى احتراز الناس عن الغزو، فالأولى سقوط الدية عن قاتله لأنه هو الذي أهدر دم نفسه بسبب اختياره السكنى في دار الحرب، وأما الكفارة فانها حق اللّه تعالى، لأنه لما صار ذلك الانسان مقتولا فقد هلك إنسان كان مواظبا على عبادة اللّه تعالى، والرقيق لا يمكنه المواظبة على عبادة اللّه، فاذا أعتقه فقد أقامه مقام ذلك المقتول في المواظبة على العبادات، فظهر أن القياس يقتضي سقوط الدية، ويقتضي بقاء الكفارة واللّه أعلم. ثم قال تعالى: {وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة} وفيه مسائل: المسألة الأولى: وان كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق، فيه قولان: الأول: ان المراد منه المسلم، وذلك لأنه تعالى ذكر أولا حال المسلم القاتل خطأ ثم ذكر حال المسلم المقتول خطأ إذا كان فيما بين أهل الحرب، ثم ذكر حال المسلم المقتول خطأ إذا كان فيما بين أهل العهد وأهل الذمة ولا شك ان هذا ترتيب حسن فكان حمل اللفظ عليه جائزا، والذي يؤكد صحة هذا القول أن قوله {وإن كان} لا بد من إسناده إلى شيء جرى ذكره فيما تقدم، والذي جرى ذكره فيما تقدم هو المؤمن المقتول خطأ. فوجب حمل اللفظ عليه. القول الثاني: أن المراد منه الذمي، والتقدير: وان كان المقتول من قوم بينكم وبينهم ميثاق ومعنى كون المقتول منهم أنه على دينهم ومذهبهم، والقائلون بهذا القول طعنوا في القول الأول من وجوه: الأول: أن المسلم المقتول خطأ سواء كان من أهل الحرب أو كان من أهل الذمة فهو داخل تحت قوله: {ومن قتل مؤمنا خطئا فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله} فلو كان المراد من هذه الآية هو المؤمن لكان هذا عطفا للشيء على نفسه وانه لا يجوز، بخلاف ما إذا كان المؤمن المقتول خطأ من سكان دار الحرب، فانه تعالى إنما أعاده لبيان أنه لا تجب الدية في قتله، وأما في هذه الآية فقد أوجب الدية والكفارة، فلو كان المراد منه هو المؤمن لكان هذا إعادة وتكرارا من غير فائدة وإنه لا يجوز. الثاني: أنه لو كان المراد منه ما ذكرتم لما كانت الدية مسلمة إلى أهله لأن أهله كفار لا يرثونه. الثالث: ان قوله: {وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق} يقتضي أن يكونوا من ذلك القوم في الوصف الذي وقع التنصيص عليه وهو حصول الميثاق بينهما، فان كونه منهم مجمل لا يدري أنه منهم في أي الأمور، وإذا حملناه على كونه منهم في ذلك الوصف زال الاجمال فكان ذلك أولى، وإذا دلت الآي على أنه منهم في كونه معاهدا وجب أن يكون ذميا أو معاهدا مثلهم ويمكن أن يجاب عن هذه الوجوه: أما الأول: فجوابه أنه تعالى ذكر حكم المؤمن المقتول على سبيل الخطأ، ثم ذكر أحد قسميه وهو المؤمن المقتول خطأ الذي يكون من سكان دار الحرب، فبين أن الدية لا تجب في قتله، وذكر القسم الثاني وهو المؤمن المقتول خطأ الذي يكون من سكان مواضع أهل الذمة، وبين وجوب الدية والكفارة في قتله، والغرض منه اظهار الفرق بين هذا القسم وبين ما قبله. وأما الثاني: فجوابه أن أهله هم المسلمون الذين تصرف ديته إليهم. وأما الثالث: فجوابه أن كلمة "من" صارت مفسرة في الآية السابقة بكلمة "في" يعني في قوم عدو لكم، فكذا ههنا يجب أن يكون المعنى ذلك لا غير. واعلم أن فائدة هذا البحث تظهر في مسألة شرعية، وهي أن مذهب أبي حنيفة أن دية الذمى مثل دية المسلم، وقال الشافعي رحمه اللّه تعالى: دية اليهودي والنصراني ثلث دية المجوسي، ودية المجوسي ثلثا عشر دية المسلم. واحتج أبو حنيفة على قوله بهذه الآية: {وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق} المراد به الذمي، ثم قال: {فدية مسلمة إلى أهله} فأوجب تعالى فيهم تمام الدية، ونحن نقول: إنا بينا أن الآية نازلة في حق المؤمنين لا في حق أهل الذمة فسقط الاستدلال، وأيضا بتقدير أن يثبت لهم أنها نازلة في أهل الذمة لم تدل على مقصودهم، لأنه تعالى أوجب في هذه الآية دية مسلمة، فهذا يقتضي إيجاب شيء من الأشياء التي تسمى دية، فلم قلتم إن الدية التي أوجبها في حق الذمي هي الدية التي أوجبها في حق المسلم؟ ولم لا يجوز أن تكون دية المسلم مقدارا معينا. ودية الذمي مقدارا آخر، فان الدية لا معنى لها إلا المال الذي يؤدى في مقابلة النفس، فان ادعيتم أن مقدار الدية في حق المسلم وفي حق الذمي واحد فهو ممنوع، والنزاع ما وقع إلا فيه، فسقط هذا الاحتجاج واللّه أعلم. المسألة الثانية: لقائل أن يقول: لم قدم تحرير الرقبة على الدية في الآية الأولى وههنا عكس هذا الترتيب، إذ لو أفاده لتوجه الطعن في إحدى الآيتين فصار هذا كقوله: {ادخلوا الباب سجدا * وقولوا حطة} (البقرة) ٥٨)وفي آية أخرى {وقولوا حطة} (البقرة: ٥٨) {وادخلوا الباب} (البقرة: ١٥٤، الأعراف: ١٦١) واللّه أعلم. المسألة الثالثة: في هؤلاء الذين بيننا وبينهم ميثاق قولان: الأول: قال ابن عباس رضي اللّه عنهما: هم أهل الذمة من أهل الكتاب. الثاني: قال الحسن: هم المعاهدون من الكفار. ثم قال تعالى: {فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين توبة من اللّه} أي فعليه ذلك بدلا عن الرقبة إذا كان فقيرا، وقال مسروق إنه بدل عن مجموع الكفارة والدية، والتتابع واجب حتى لو أفطر يوما وجب الاستئناف إلا أن يكون الفطر بحيض أو نفاس، وقوله: {توبة من اللّه} انتصب بمعنى صيام ما تقدم، كأنه قيل: اعملوا بما أوجب اللّه عليكم لأجل التوبة من اللّه، أي ليقبل اللّه توبتكم، وهو كما يقال: فعلت كذا حذر الشر. فإن قيل: قتل الخطأ لا يكون معصية، فما معنى قوله: {توبة من اللّه}. قلنا فيه وجوه: الأول: أن فيه نوعين من التقصير، فان الظاهر أنه لو بالغ في الاحتياط لم يصدر عنه ذلك الفعل، ألا ترى أن من قتل مسلما على ظن أنه كافر حربي، فلو أنه بالغ في الاحتياط والاستكشاف فالظاهر أنه لا يقع فيه، ومن رمى إلى صيد فأخطأ وأصاب أنسانا فلو احتاط فلا يرمي إلا في موضع يقطع بأنه ليس هناك إنسان فانه لا يقع في تلك الواقعة، فقوله: {توبة من اللّه} تنبيه على أنه كان مقصرا في ترك الاحتياط. الوجه الثاني في الجواب: أن قوله: {توبة من اللّه} راجع إلى أنه تعالى أذن له في إقامة الصوم مقام الاعتاق عند العجز عنه، وذلك لأن اللّه تعالى اذا تاب على المذنب فقد خفف عنه، فلما كان التخفيف من لوازم التوبة أطلق لفظ التوبة لارادة التخفيف إطلاقا لاسم الملزوم على اللازم. الوجه الثالث في الجواب: أن المؤمن إذا اتفق له مثل هذا الخطأ فانه يندم ويتمنى أن لا يكون ذلك مما وقع فسمى اللّه تعالى ذلك الندم وذلك التمني توبة. ثم قال تعالى: {وكان اللّه عليما حكيما} والمعنى أنه تعالى عليم بأنه لم يقصد ولم يتعمد حكيم في أنه ما يؤاخذه بذلك الفعل الخطأ، فان الحكمة تقتضي أن لا يؤاخذ الانسان إلا بما يختار ويتعمد. واعلم أن أهل السنة لما اعتقدوا أن أفعال اللّه تعالى غير معللة برعاية المصالح قالوا: معنى كونه تعالى حكيما كونه عالما بعواقب الأمور. وقالت المعتزلة: هذه الآية تبطل هذا القول لأنه تعالى عطف الحكيم على العليم، فلو كان الحكيم هو العليم لكان هذا عطفا للشيء على نفسه وهو محال. والجواب: أن في كل موضع من القرآن ورد فيه لفظ الحكيم معطوفا على العليم كان المراد من الحكيم كونه محكما في أفعاله، فالأحكام والاعلام عائدان إلى كيفية الفعل واللّه أعلم. |
﴿ ٩٢ ﴾