١٠٤

{ولا تهنوا فى ابتغآء القوم إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من اللّه ما لا يرجون وكان اللّه عليما حكيما}.

اعلم أنه تعالى لما ذكر بعض الأحكام التي يحتاج المجاهد إلى معرفتها عاد مرة أخرى إلى الحث على الجهاد فقال {ولا تهنوا} أي ولا تضعفوا ولا تتوانوا {فى ابتغاء القوم} أي في طلب الكفار بالقتال، ثم أورد الحجة عليهم في ذلك فقال: فلما لم يصر خوف الألم مانعا لهم عن قتالكم فكيف صار مانعا لكم عن قتالهم، ثم زاد في تقرير الحجة وبين أن المؤمنين أولى بالمصابرة على القتال من المشركين، لأن المؤمنين مقرون بالثواب والعقاب والحشر والنشر، والمشركين لا يقرون بذلك، فإذا كانوا مع إنكارهم الحشر والنشر يجدون في القتال فأنتم أيها المؤمنون المقرون بأن لكم في هذا الجهاد ثوابا عظيما وعليكم في تركه عقابا عظيما، أولى بأن تكونوا مجدين في هذا الجهاد، وهو المراد من قوله تعالى: {وترجون من اللّه ما لا يرجون} ويحتمل أيضا أن يكون المراد من هذا الرجاء ما وعدهم اللّه تعالى في قوله {ليظهره على الدين كله} (التوبة: ٣٣) (الفتح: ٢٨) (الصف: ٩) وفي قوله {حكيم ياأيها النبى حسبك اللّه ومن اتبعك من المؤمنين} (الأنفال: ٦٤) وفيه وجه ثالث، وهو أنكم تعبدون الإله العالم القادر السميع البصير فيصح منكم أن ترجوا ثوابه، وأما المشركون فإنهم يعبدون الأصنام وهي جمادات، فلا يصح منهم أن يرجوا من تلك الأصنام ثوابا أو يخافوا منها عقابا.

وقرأ الأعرج {إن تكونوا تألمون} بفتح الهمزة بمعنى: ولا تهنوا لأن تكونوا تألمون، وقوله {فإنهم يألمون كما تألمون} تعليل.

ثم قال: {وكان اللّه عليما حكيما} أي لا يكلفكم شيئا ولا يأمركم ولا ينهاكم إلا بما هو عالم بأنه سبب لصلاحكم في دينكم ودنياكم.

﴿ ١٠٤