١٢٩ثم قال تعالى: {ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم} وفيه قولان: الأول: لن تقدروا على التسوية بينهن في ميل الطباع، وإذا لم تقدروا عليه لم تكونوا ملكفين به. قالت المعتزلة: فهذا يدل على أن تكليف ما لا يطاق غير واقع ولا جائز الوقوع، وقد ذكرنا أن الاشكال لازم عليهم في العلم وفي الدواعي. الثاني: لا تستطيعون التسوية بينهن في الأقوال والأفعال لأن التفاوت في الحب يوجب التفاوت في نتائج الحب، لأن الفعل بدون الداعي ومع قيام الصارف محال. ثم قال: {فلا تميلوا كل الميل} والمعنى أنكم لست منهيين عن حصول التفاوت في الميل القلبي لأن ذلك خارج عن وسعكم، ولكنكم منهيون عن إظهار ذلك التفاوت في القول والفعل. روى الشافعي رحمة اللّه عليه عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه كان يقسم ويقول: "هذا قسمي فيما أملك وأنت أعلم بما لا أملك". ثم قال تعالى: {فتذروها كالمعلقة} يعين تبقى لا أيما ولا ذات بعل، كما أن الشيء المعلق لا يكون على الأرض ولا على السماء، وفي قراءة أبي: فتذروها كالمسجونة، وفي الحديث "من كانت له امرأتان يميل مع إحداهما جاء يوم القيامة وأحد شفيه مائل" وروي أن عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه بعث إلى أزواج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بمال فقالت عائشة: إلى كل أزواج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بعث عمر بمثل هذا؟ فقالوا: لا، بعث إلى القرشيات بمثل هذا، وإلى غيرهن بغيره، فقالت للرسول ارفع رأسك وقل لعمر: إن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان يعدل بيننا قي القسمة بماله ونفسه، فرجع الرسول فأخبره فأتم لهن جميعا ثم قال تعالى: {وإن تصلحوا} بالعدل في القسم {وتتقوا} الجور {فإن اللّه كان غفورا رحيما} ما حصل في القلب من الميل إلى بعضهن دون البعض. وقيل: المعنى: وإن تصلحوا ما مضى من ميلكم وتتداركوه بالتوبة، وتتقوا في المستقبل عن مثله غفر اللّه لكم ذلك، وهذا الوجه أولى لأن التفاوت في الميل القلبي لما كان خارجا عن الوسع لم يكن فيه حاجة إلى المغفرة. |
﴿ ١٢٩ ﴾