١٣٨

{بشر المنافقين بأن لهم عذابا أليما}.

الرابع: قال قوم؛ المراد طائفة من أهل الكتاب قصدوا تشكيك المسلمين فكانوا يظهرون الإيمان تارة، والكفر أخرى على ما أخبر اللّه تعالى عنهم أنهم قالوا {وقالت طائفة من أهل الكتاب ءامنوا بالذي أنزل على الذين ءامنوا وجه} (آل عمران: ٧٢) وقوله {ثم ازدادوا كفرا} معناه أنهم بلغوا في ذلك إلى حد الاستهزاء والسخرية بالإسلام.

المسألة الثانية: دلت الآية على أنه قد يحصل الكفر بعد الإيمان وهذا يبطل مذهب القائلين بالموافاة، وهي أن شرط صحة الإسلام أن يموت على الإسلام وهم يجيبون عن ذلك بأنا نحمل الإيمان على إظهار الإيمان.

المسألة الثالثة: دلت الآية على أن الكفر يقبل الزيادة والنقصان، فوجب أن يكون الإيمان أيضا كذلك لأنهما ضدان متنافيان، فإذا قبل أحدهما التفاوت فكذلك الآخر، وذكروا في تفسير هذه الزيادة وجوها:

الأول: أنهم ماتوا على كفرهم.

الثاني: أنهم ازدادوا كفرا بسبب ذنوب أصابوها حال كفرهم، وعلى هذا التقدير لما كانت إصابة الذنوب وقت الكفر زيادة في الكفر فكذلك إصابة الطاعات وقت الإيمان يجب أن تكون زيادة في الإيمان.

الثالث: أن الزيادة في الكفر إنما حصلت بقولهم {إنما نحن} (البقرة: ١٤) وذلك يدل على الاستهزاء بالدين أعظم درجات الكفر وأقوى مراتبه.

ثم قال تعالى: {كفرا لم يكن اللّه ليغفر لهم}

وفيه سؤالان:

الأول: أن الحكم المذكور في هذه الآية

أما أن يكون مشروطا بما قبل التوبة يأو بما بعدها، والأول باطل لأن الكفر قبل التوبة غير مذكور على الإطلاق، وحينئذ تضيع هذه الشرائط المذكورة في هذه الآية.

والثاني: أيضا باطل لأن الكفر بعد التوبة مغفورة، ولو كان ذلك بعد ألف مرة، فعلى كلا التقديرين فالسؤال لازم.

والجواب عنه من وجوه:

الأول: أنا لا نحمل قوله {إن الذين} على الاستغراق، بل نحمله على المعهود السابق، والمراد به أقوام معينون علم اللّه تعالى منهم أنهم يموتون على الكفر ولا يتوبون عنه قط فقوله {لم يكن اللّه ليغفر لهم} إخبار عن موتهم على الكفر، وعلى هذا التقدير زال السؤال.

الثاني: أن الكلام خرج على الغالب المعتاد، وهو أن كل من كان كثير الانتقال من الإسلام إلى الكفر لم يكن للإسلام في قلبه وقع ولا عظم، والظاهر من حال مثل هذا الإنسان أنه يموت على الكفر على ما قررناه.

الثالث: أن الحكم المذكور في الآية مشروط بعدم التوبة عن الكفر، وقول السائل: إن على هذا التقدير تضيع الصفات المذكورة.

قلنا: إن إفرادهم بالذكر يدل على كفرهم أفحش وخيانتهم أعظم وعقوبتهم في القيامة أقوى فجرى هذا مجرى قوله {وإذا * أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح} (الأحزاب: ٧) خصهما بالذكر لأجل التشريف، وكذلك قوله {وملئكته * وجبريل وميكال} (البقرة: ٩٨).

السؤال الثاني: في قوله {ليغفر لهم} اللام للتأكيد فقوله {لم يكن اللّه

ليغفر لهم} يفيد نفي التأكيد، وهذا غير لائق بهذا الموضع إنما اللائق به تأكيد النفي، فما الوجه فيه؟

والجواب: أن نفي التأكيد إذا ذكر على سبيل التهكم كان المراد منه المبالغة في تأكيد النفي.

ثم قال تعالى: {ولا ليهديهم سبيلا}

قال أصحابنا: هذا يدل على أنه سبحانه وتعالى لم يهد الكافر إلى الإيمان خلافا للمعتزلة، وهم أجابوا عنه بأنه محمول على المنع من زيادة اللطف، أو على أنه تعالى لا يهديه في الآخرة إلى الجنة.

ثم قال تعالى: {بشر المنافقين بأن لهم عذابا أليما}.

واعلم أن من حمل الآية المتقدمة على المنافقين قال إنه تعالى بين أنه لا يغفر لهم كفرهم ولا يهديهم إلى الجنة، ثم قال: وكما لا يوصلهم إلى دار الثواب فإنه مع ذلك يوصلهم إلى أعظم أنواع العقاب، وهو المراد من قوله {بشر المنافقين بأن لهم عذابا أليما} وقوله {بشر} تهكم بهم، والعرب تقول: تحيتك الضرب، وعتابك السيف. ثم قال تعالى:

﴿ ١٣٨