١

{المص}

في الأية مسائل:

المسألة الأولى: قال ابن عباس {المص} أنا اللّه أفصل، وعنه أيضا: أنا اللّه أعلم وأفصل: قال الواحدي: وعلى هذا التفسير فهذه الحروف واقعة في موضع جمل، والجمل إذا كانت ابتداء وخبرا فقط لا موضع لها من الإعراب، فقوله: أنا اللّه أعلم، لا موضع لها من الأعراب، فقوله: "أنا" مبتدأ وخبره قوله: "اللّه"

 وقوله: "أعلم" خبر بعد خبر، وإذا كان المعنى {المص} أنا اللّه أعلم كان أعرابها كإعراب الشيء الذي هو تأويل لها، وقال السدي: {المص} على هجاء قولنا في أسماء اللّه تعالى أنه المصور.

قال القاضي: ليس هذا اللفظ على قولنا: أنا اللّه أفصل، أولى من حمله على قوله: أنا اللّه أصلح، أنا اللّه أمتحن، أنا اللّه الملك، لأنه إن كانت العبرة بحرف الصاد فهو موجود في قولنا أنا اللّه أصلح، وإن كانت العبرة بحرف الميم، فكما أنه موجود في العلم فهو أيضا موجود في الملك والامتحان، فكان حمل قولنا: {المص} على ذلك المعنى بعينه محض التحكم، وأيضا فإن جاء تفسير الألفاظ بناء على ما فيها من الحروف من غير أن تكون تلك اللفظة موضوعة في اللغة لذلك المعنى، انفتحت طريقة الباطنية في تفسير سائر ألفاظ القرآن بما يشاكل هذا الطريق.

وأما قول بعضهم: إنه من أسماء اللّه تعالى فأبعد، لأنه ليس جعله إسما للّه تعالى، أولى من جعله اسما لبعض رسله من الملائكة، أو الأنبياء، لأن الاسم إنما يصير اسما للمسمى بواسطة الوضع والاصطلاح، وذلك مفقود ههنا، بل الحق أن قوله: {المص} اسم لقب لهذه السورة، وأسماء الألقاب لا تفيد فائدة في المسميات، بل هي قائمة مقام الإشارات، وللّه تعالى أن يسمي هذه السورة بقوله: {المص} كما أن الواحد منا إذا حدث له ولد فإنه يسميه بمحمد.

إذا عرفت هذا فنقول: قوله: {المص} مبتدأ،

وقوله: {كتاب} خبره،

وقوله: {أنزل إليك} صفة لذلك الخبر.

أي السورة المسما بقولنا: {المص * كتاب أنزل إليك}.

فإن قيل: الدليل الذي دل على صحة نبوة محمد صلى اللّه عليه وسلم هوأن اللّه تعالى خصه بإنزال هذا القرآن عليه، فما لم نعرف هذا المعنى لا يمكننا أن نعرف نبوته، وما لم نعرف نبوته، لا يمكننا أن نحتج بقوله.

فلو أثبتنا كون هذه السورة نازلة عليه من عند اللّه بقوله: لزم الدور.

قلنا: نحن بمحض العقل نعلم أن هذه السورة كتاب أنزل إليه من عند اللّه.

والدليل عليه أنه عليه الصلاة والسلام ما تلمذ لأستاذ، ولا تعلم من معلم، ولا طالع كتابا ولم يخالط العلماء والشعراء وأهل الأخبار، وانقضى من عمره أربعون سنة، ولم يتفق له شيء من هذه الأحوال، ثم بعد انقضاء الأربعين ظهر عليه هذا الكتاب العزيز المشتمل على علوم الأولين والآخرين، وصريح العقل يشهد بأن هذا لا يكون إلا بطريق الوحي من عند اللّه تعالى.

فثبت بهذا الدليل العقلي أن {المص} كتاب أنزل على محمد صلى اللّه عليه وسلم من عند ربه وإلهه.

﴿ ١