٤٢

{والذين ءامنوا وعملوا الصالحات لا نكلف نفسا إلا وسعها أولائك أصحاب الجنة هم فيها خالدون}

اعلم أنه تعالى لما استوفى الكلام في الوعيد أتبعه بالوعد في هذه الآية، وفي الآية مسائل:

المسألة الأولى: اعلم أن أكثر أصحاب المعاني على أن قوله تعالى: {لا نكلف نفسا إلا وسعها} اعتراض وقع بين المبتدأ والخبر والتقدير {والذين ءامنوا وعملوا الصالحات أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون} (البقرة: ٨٢) وإنما حسن وقوع هذا الكلام بين المبتدأ والخبر، لأنه من جنس هذا الكلام، لأنه لما ذكر عملهم الصالح، ذكر أن ذلك العمل في وسعهم غير خارج عن قدرتهم، وفيه تنبيه للكفار على أن الجنة مع عظم محلها يوصل إليها بالعمل السهل من غير تحمل الصعب.

وقال قوم: موضعه خبر عن ذلك المبتدأ والعائد محذوف، كأنه قيل: لا نكلف نفسا منهم إلا وسعها، وإنما حذف العائد للعلم به.

المسألة الثانية: معنى الوسع ما يقدر الإنسان عليه في حال السعة والسهولة لا في حال الضيق والشدة، والدليل عليه: أن معاذ بن جبل قال في هذه الآية إلا يسرها لا عسرها.

وأما أقصى الطاقة يسمى جهدا لا وسعا، وغلط من ظن أن الوسع بذل المجهود.

المسألة الثالثة: قال الجبائي: هذا يدل على بطلان مذهب المجبرة في أن اللّه تعالى كلف العبد بما لا يقدر عليه، لأن اللّه تعالى كذبهم في ذلك، وإذا ثبت هذا الأصل بطل قولهم في خلق الأعمال، لأنه لو كان خالق أعمال العباد هو اللّه تعالى، لكان ذلك تكليف ما لا يطاق، لأنه تعالى أن كلفه بذلك الفعل حال ما خلقه فيه، فذلك تكليفه بما لا يطاق، لأنه أمر بتحصيل الحاصل، وذلك غير مقدور، وإن كلفه به حال ما لم يخلق من ذلك الفعل فيه كان ذلك أيضا تكليف ما لا يطاق، لأن على هذا التقدير: لا قدرة للعبد على تكوين ذلك الفعل وتحصيله، قالوا: وأيضا إذا ثبت هذا الأصل ظهر أن الاستطاعة قبل الفعل إذ لو كانت حاصلة مع الفعل، والكافر لا قدرة له على الإيمان مع أنه مأمور به.

فكان هذا تكليف ما لا يطاق، ولما دلت هذه الآية على نفي التكليف بما لا يطاق، ثبت فساد هذين الأصلين.

والجواب: أنا نقول وهذا الإشكال أيضا وارد عليكم، لأنه تعالى يكلف العبد بإيجاد الفعل، حال استواء الدواعي إلى الفعل والترك، أو حال رجحان أحد الداعيين على الآخر والأول باطل، لأن الإيجاد ترجيح لجانب الفعل، وحصول الترجيح حال حصول الاستواء محال،

والثاني باطل، لأن حال حصول الرجحان كان الحصول واجبا، فإن وقع الأمر بالطرف الراجح كان أمرا بتحصيل الحاصل، وإن وقع بالطرف المرجوح كان أمراف بتحصيل المرجوح حال كونه مرجوحا، فيكون أمرا بالجمع بين النقيضين وهو محال، فكل ما تجعلونه جوابا عن هذا السؤال، فهو جوابنا عن كلامكم. واللّه أعلم.

﴿ ٤٢