٤٨

{ونادى أصحاب الاعراف رجالا يعرفونهم بسيماهم قالوا ...}

اعلم أنه تعالى لما بين بقوله: {وإذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار قالوا ربنا} (الأعراف: ٤٧) أتبعه أيضا بأن أصحاب الأعراف ينادون رجالا من أهل النار، واستغنى عن ذكر أهل النار لأجل أن الكلام المذكور لا يليق إلا بهم، وهو قولهم: {ما أغنى عنكم جمعكم وما كنتم تستكبرون} وذلك لا يليق إلا بمن يبكت ويوبخ، ولا يليق أيضا إلا بأكابرهم، والمراد بالجمع، أما جمع المال،

وأما الاجتماع والكثرة {وما كنتم} والمراد: استكبارهم عن قبول الحق، واستكبارهم على الناس المحقين.

وقرىء {*تستكثرون} من الكثرة، وهذا كالدلالة على شماتة أصحاب الأعراف بوقوع أولئك المخاطبين في العقاب، وعلى تبكيت عظيم يحصل لأولئك المخاطبين بسبب هذا الكلام، ثم زادوا على هذا التبكيت، وهو قولهم: {تستكبرون أهاؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم اللّه برحمة} فأشاروا إلى فريق من أهل الجنة، كانوا يستضعفونهم ويستقلون أحوالهم، وربما هزؤوا بهم، وأنفوا من مشاركتهم في دينهم، فإذا رأى من كان يدعي التقدم حصول المنزلة العالية، لمن كان مستضعفا عنده قلق لذلك، وعظمت حسرته وندامته على ما كان منه في نفسه.

وأما قوله تعالى: {ادخلوا الجنة} فقد اختلفوا فيه.

فقيل هم أصحاب الأعراف، واللّه تعالى يقول لهم ذلك أو بعض الملائكة الذين يأمرهم اللّه تعالى بهذا القول.

وقيل: بل يقول بعضهم لبعض. والمراد أنه تعالى يحث أصحاب الأعراف بالدخول في الجنة، واللحوق بالمنزلة التي أعدها اللّه تعالى لهم،

﴿ ٤٨