٤١

{واعلمو ا أنما غنمتم من شىء فأن للّه خمسه وللرسول ولذى القربى ...}.

اعلم أنه تعالى لما أمر بالمقاتلة في قوله: {وقاتلوهم} وكان من المعلوم أن عند المقاتلة قد تحصل الغنيمة، لا جرم ذكر اللّه تعالى حكم الغنيمة،

وفي الآية مسائل:

المسألة الأولى: الغنم: الفوز بالشيء، يقال: غنم يغنم غنما فهو غانم، والغنيمة في الشريعة ما دخلت في أيدي المسلمين من أموال المشركين على سبيل القهر بالخيل والركاب.

المسألة الثانية: قال صاحب "الكشاف": {ما} في قوله: {ما * غنمتم من شىء} موصولة وقوله: {من شىء} يعني أي شيء كان حتى الخيط والمخيط {فأن للّه} خبر مبتدأ محذوف تقديره: فحق أو فواجب أن للّه خمسه، وروى النخعي عن ابن عمر {فأن للّه خمسه} بالكسر، وتقديره: على قراءة النخعي فللّه خمسه والمشهور آكد وأثبت للإيجاب، كأنه قيل: فلا بد من إثبات الخمس فيه، ولا سبيل إلى الإخلال به، وذلك لأنه إذا حذف الخبر واحتمل وجوها كثيرة من المقدرات كقولك ثابت: واجب، حق، لازم، كان أقوى لإيجابه من النص على واحد، وقرىء {خمسه} بالسكون.

المسألة الثالثة: في كيفية قسمة الغنائم.

اعلم أن هذه الآية تقتضي أن يؤخذ خمسها،

وفي كيفية قسمة ذلك الخمس قولان:

القول الأول: وهو المشهور أن ذلك الخمس يخمس، فسهم لرسول اللّه، وسهم لذوي قرباه من بني هاشم وبني المطلب، دون بني عبد شمس وبني نوفل، لما روي عن عثمان وجبير بن مطعم أنهما قالا لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : هؤلاء إخوتك بنو هاشم لا ينكر فضلهم لكونك منهم أرأيت إخواننا بني المطلب أعطيتهم وحرمتنا، وإنما نحن وهم بمنزلة واحدة، فقال عليه السلام: "إنهم لم يفارقونا في جاهلية ولا إسلام إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد وشبك بين أصابعه" وثلاثة أسهم لليتامى والمساكين وابن السبيل،

 وأما بعد وفاة الرسول صلى اللّه عليه وسلم ، فعند الشافعي رحمه اللّه: أنه يقسم على خمسة أسهم، سهم لرسول اللّه، يصرف إلى ما كان يصرفه إليه من مصالح المسلمين، كعدة الغزاة من الكراع والسلاح، وسهم لذوي القربى من أغنيائهم وفقرائهم يقسم بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين، والباقي للفرق الثلاثة وهم: اليتامى، والمساكين، وابن السبيل.

وقال أبو حنيفة رحمه اللّه: إن بعد وفاة الرسول عليه الصلاة والسلام سهمه ساقط بسبب موته، وكذلك سهم ذوي القربى، وإنما يعطون لفقرهم، فهو أسوة سائر الفقراء، ولا يعطى أغنياؤهم فيقسم على اليتامى والمساكين وابن السبيل.

وقال مالك: الأمر في الخمس مفوض إلى رأي الإمام إن رأى قسمته على هؤلاء فعل، وإن رأى إعطاء بعضهم دون بعض، فله ذلك.

واعلم أن ظاهر الآية مطابق لقول الشافعي رحمه اللّه وصريح فيه، فلا يجوز العدول عنه إلا لدليل منفصل أقوى منها، وكيف وقد قال في آخر الآية: {وقال موسى ياقوم إن} يعني: إن كنتم آمنتم باللّه فاحكموا بهذه القسمة، وهو يدل على أنه متى لم يحصل الحكم بهذه القسمة، لم يحصل الإيمان باللّه.

والقول الثاني: وهو قول أبي العالية: إن خمس الغنيمة يقسم على ستة أقسام، فواحد منها للّه، وواحد لرسول اللّه، والثالث لذوي القربى، والثلاثة الباقية لليتامى والمساكين وابن السبيل قالوا: والدليل عليه أنه تعالى جعل خمس الغنيمة للّه ثم للطوائف الخمسة، ثم القائلون بهذا القول منهم من قال: يصرف سهم اللّه إلى الرسول، ومنهم من قال: يصرف إلى عمارة الكعبة.

وقال بعضهم: إنه عليه السلام كان يضرب يده في هذا الخمس، فما قبض عليه من شيء جعله للكعبة، وهو الذي سمى للّه تعالى.

والقائلون بالقول الأول أجابوا عنه: بأن قوله: {للّه} ليس المقصود منه أثبات نصيب للّه.

فإن الأشياء كلها ملك للّه، وملكه وإنما المقصود منه افتتاح الكلام بذكر اللّه على سبيل التعظيم، كما في قوله: {قل الانفال للّه والرسول} واحتج القفال على صحة هذا القول بما روي عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، أنه قال لهم في غنائم خيبر: "مالي مما أفاء اللّه عليكم إلا الخمس والخمس مردود فيكم" فقوله: مالي إلا الخمس يدل على أن سهم اللّه وسهم الرسول واحد، وعلى الإضمام سهمه السدس لا الخمس، وإن قلنا: إن السهمين يكونان للرسول.

صار سهمه أزيد من الخمس، وكلا القولين ينافي ظاهر قوله: "مالي إلا الخمس" هذا هو الكلام في قسمة خمس الغنيمة،

وأما الباقي وهو أربعة أخماس الغنيمة فهي للغانمين.

لأنهم الذين حازوه واكتسبوه كما يكتسب الكلأ بالاحتشاش، والطير بالاصطياد، والفقهاء استنبطوا من هذه الآية مسائل كثيرة مذكورة في كتب الفقه.

المسألة الرابعة: دلت الآية على أنه يجوز قسمة الغنائم في دار الحرب، كما هو قول الشافعي رحمه اللّه، والدليل عليه: أن قوله: {فأن للّه خمسه وللرسول ولذى القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل} يقتضي ثبوت الملك لهؤلاء في الغنيمة، وإذا حصل الملك لهم فيه، وجب جواز القسمة لأنه لا معنى للقسمة على هذا التقدير إلا صرف الملك إلى المالك، وذلك جائز بالاتفاق.

المسألة الخامسة: اختلفوا في ذوي القربى. قيل: هم بنو هاشم.

وقال الشافعي رحمه اللّه: هم بنو هاشم وبنو المطلب. واحتج بالخبر الذي رويناه.

وقيل: آل علي، وجعفر، وعقيل، وآل عباس، وولد الحرث بن عبد المطلب، وهو قول أبي حنيفة.

المسألة السادسة: حكى صاحب "الكشاف" عن الكلبي: أن هذه الآية نزلت ببدر.

وقال الواقدي رحمه اللّه: كان الخمس في غزوة بني قينقاع بعد بدر بشهر وثلاثة أيام للنصف من شوال على رأس عشرين شهرا من الهجرة.

ثم قال تعالى: {وقال موسى ياقوم إن} والمعنى اعلموا أن خمس الغنيمة مصروف إلى هذه الوجوه الخمسة فاقطعوا عنه أطماعكم واقنعوا بالأخماس الأربعة {واعلموا أنما غنمتم من شىء فأن للّه خمسه} يعني: إن كنتم آمنتم باللّه وبالمنزل على عبدنا يوم الفرقان، يوم بدر.

والجمعان: الفريقان من المسلمين والكافرين، والمراد منه ما أنزل عليه من الآيات، والملائكة، والفتح في ذلك اليوم {واللّه على كل شيء قدير} أي يقدر على نصركم وأنتم قليلون ذليلون واللّه أعلم.

﴿ ٤١