٤٣

{إذ يريكهم اللّه فى منامك قليلا ولو أراكهم كثيرا لفشلتم ...}.

اعلم أن هذا هو النوع الثاني من التي أنعم اللّه بها على أهل بدر،

وفيه مسألتان:

المسألة الأولى: {إذ يريكهم اللّه} منصوب بإضمار اذكر، أو هو بدل ثان من يوم الفرقان أو متعلق بقوله: {لسميع عليم} أي يعلم المصالح إذ يقللّهم في أعينكم.

المسألة الثانية: قال مجاهد: أرى اللّه النبي عليه السلام كفار قريش في منامه قليلا فأخبر بذلك أصحابه.

فقالوا: رؤيا النبي حق، القوم قليل، فصار ذلك سببا لجراءتهم وقوة قلوبهم.

فإن قيل: رؤية الكثير قليلا غلط، فكيف يجوز من اللّه تعالى أن يفعل ذلك؟

قلنا: مذهبنا أنه تعالى يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، وأيضا لعله تعالى أراه البعض دون البعض فحكم الرسول على أولئك الذين رآهم بأنهم قليلون.

وعن الحسن: هذه الأراءة كانت في اليقظة. قال: والمراد من المنام العين التي هو موضع النوم.

ثم قال تعالى: {ولو أراكهم كثيرا} لذكرته للقوم ولو سمعوا ذلك لفشلوا ولتنازعوا، ومعنى التنازع في الأمر، الاختلاف الذي يحاول به كل واحد نزع صاحبه عما هو عليه، والمعنى: لاضطرب أمركم واختلفت كلمتكم {ولاكن اللّه سلم} أي سلمكم من المخالفة فيما بينكم.

وقيل: سلم اللّه لهم أمرهم حتى أظهرهم على عدوهم،

وقيل سلمهم من الهزيمة يوم بدر والأظهر أن المراد، ولكن اللّه سلمكم من التنازع {إنه عليم بذات الصدور} يعلم ما يحصل فيها من الجراءة والجبن والصبر والجزع.

﴿ ٤٣