٤

{إلا الذين عاهدتم من المشركين ثم لم ينقصوكم شيئا ...}.

هذا الاستثناء إلى أي شيء عاد؟ فيه وجهان:

الأول: قال الزجاج: إنه عائد إلى قوله: {براءة} والتقدير {براءة من اللّه ورسوله} إلى المشركين المعاهدين إلا من الذين لم ينقضوا العهد.

والثاني: قال صاحب "الكشاف"، وجهه أن يكون مستثنى من قوله: {فسيحوا فى الارض} لأن الكلام خطاب للمسلمين، والتقدير: براءة من اللّه ورسوله إلى الذين عاهدتم منهم ثم لم ينقصوكم فأتموا إليهم عهدهم.

واعلم أنه تعالى وصفهم بأمرين:

أحدهما: قوله: {ثم لم ينقصوكم}

والثاني: قوله: {ولم يظاهروا عليكم أحدا} والأقرب أن يكون المراد من الأول أن يقدموا على المحاربة بأنفسهم، ومن الثاني: أن يهيجوا أقواما آخرين وينصروهم ويرغبوهم في الحرب.

ثم قال: {فأتموا إليهم عهدهم} والمعنى أن الذين ما غادروا من هذين الوجهين، فأتموا إليهم عهدهم، ولا تجعلوا الوافين كالغادرين.

وقوله: {فأتموا إليهم عهدهم} أي أدوه إليهم تاما كاملا.

قال ابن عباس: بقي لحي من كنانة من عهدهم تسعة أشهر فأتم إليهم عهدهم {إن اللّه يحب المتقين} يعني أن قضية التقوى أن لا يسوى بين القبيلتين أو يكون المراد أن هذه الطائفة لما أنفوا النكث ونقض العهد، استحقوا من اللّه أن يصان عهدهم أيضا عن النقض والنكث.

روى أنه عدت بنو بكر على بن خزاعة في حال غيبة رسول اللّه وظاهرتهم قريش بالسلاح، حتى وقد عمرو بن سالم الخزاعي على رسول اللّه فأنشده:

( لا هم إني ناشد محمدا حلف أبينا وأبيك ألا تلدا )

( إن قريشا أخلفوك الموعدا ونقضوا ذمامك المؤكدا )

( هم بيتونا بالحطيم هجدا وقتلونا ركعا وسجدا )

فقال عليه الصلاة والسلام: "لا نصرت إن لم أنصركم" وقرىء {لم} بالضاد المعجمة أي لم ينقضوا عهدكم.

﴿ ٤