١١٠

ثم قال تعالى: {لا يزال بنيانهم الذى بنوا ريبة فى قلوبهم} والمعنى: أن بناء ذلك البنيان صار سببا لحصول الريبة في قلوبهم، فجعل نفس ذلك البنيان ريبة لكونه سببا للريبة.

وفي كونه سببا للريبة وجوه:

الأول: أن المنافقين عظم فرحهم ببناء مسجد الضرار، فلما أمر الرسول صلى اللّه عليه وسلم بتخريبه ثقل ذلك عليهم وازداد بغضهم له وازداد ارتيابهم في نبوته.

الثاني: أن الرسول عليه الصلاة والسلام لما أمر بتخريب ذلك المسجد ظنوا أنه إنما أمر بتخريبه لأجل الحسد، فارتفع أمانهم عنه وعظم خوفهم منه في كل الأوقات، وصاروا مرتابين في أنه هل يتركهم على ما هم فيه أو يأمر بقتلهم ونهب أموالهم؟

الثالث: أنهم اعتقدوا أنهم كانوا محسنين في بناء ذلك المسجد، فلما أمر الرسول عليه الصلاة والسلام بتخريبه بقوا شاكين مرتابين في أنه لأي سبب أمر بتخريبه؟

الرابع: بقوا شاكين مرتابين في أن اللّه تعالى هل يغفر تلك المعصية؟ أعني سعيهم في بناء ذلك المسجد، والصحيح هو الوجه الأول.

ثم قال: {إلا أن تقطع قلوبهم}

وفيه مباحث:

البحث الأول: قرأ ابن عامر وحفص عن عاصم وحمزة {أن تقطع} بفتح التاء والطاء مشددة بمعنى تتقطع، فحذفت إحدى التاءين، والباقون بضم التاء وتشديد الطاء على ما لم يسم فاعله، وعن ابن كثير {تقطع} بفتح الطاء وتسكين القاف {قلوبهم} بالنصب أي تفعل أنت بقلوبهم هذا القطع، وقوله: {تقطع قلوبهم} أي تجعل قلوبهم قطعا، وتفرق أجزاء

أما بالسيف وأما بالحزن والبكاء، فحينئذ تزول تلك الريبة. والمقصود أن هذه الريبة باقية في قلوبهم أبدا ويموتون على هذا النفاق.

وقيل: معناه إلا أن يتوبوا توبة تنقطع بها قلوبهم ندما وأسفا على تفريطهم.

وقيل حتى تنشق قلوبهم غما وحسرة، وقرأ الحسن {إلى أن} وفي قراءة عبد اللّه {ولو * قطعت * قلوبهم} وعن طلحة {ولو * قطعت * قلوبهم} على خطاب الرسول صلى اللّه عليه وسلم أو كل مخاطب.

ثم قال: {واللّه عليم حكيم} والمعنى: عليم بأحوالهم، حكيم في الأحكام التي يحكم بها عليهم.

﴿ ١١٠