٢

{ألا تعبدو ا إلا اللّه إننى لكم منه نذير وبشير}.

اعلم أن في الآية مسائل:

المسألة الأولى: اعلم أن في قوله: {خبير ألا تعبدوا إلا اللّه}

وجوها:

الأول: أن يكون مفعولا له والتقدير: كتاب أحكمت آياته ثم فصلت لأجل ألا تعبدوا إلا اللّه وأقول هذا التأويل يدل على أنه لا مقصود من هذا الكتاب الشريف إلا هذا الحرف الواحد، فكل من صرف عمره إلى سائر المطالب، فقد خاب وخسر.

الثاني: أن تكون {ءان} مفسرة لأن في تفصيل الآيات معنى القول والحمل على هذا أولى، لأن قوله: {وأن استغفروا} معطوف على قوله: {ألا تعبدوا} فيجب أن يكون معناه: أي لا تعبدوا ليكون الأمر معطوفا على النهي، فإن كونه بمعنى لئلا تعبدوا يمنع عطف الأمر عليه.

والثالث: أن يكون التقدير: الر كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير ليأمر الناس أن لا يعبدوا إلا اللّه ويقول لهم، إنني لكم منه نذير وبشير واللّه أعلم.

المسألة الثانية: اعلم أن هذه الآية مشتملة على التكليف من وجوه:

الأول: أنه تعالى أمر بأن لا يعبدوا إلا اللّه، وإذا قلنا: الاستثناء من النفي إثبات، كان معنى هذا الكلام النهي عن عبادة غير اللّه تعالى، والأمر بعبادة اللّه تعالى، وذلك هو الحق، لأنا بينا أن ما سوى اللّه فهو محدث مخلوق مربوب، وإنما حصل بتكوين اللّه وإيجاده، والعبادة عبارة عن إظهار الخضوع والخشوع ونهاية التواضع والتذلل وهذا لا يليق إلا بالخالق المدبر الرحيم المحسن، فثبت أن عبادة غير اللّه منكرة، والإعراض عن عبادة اللّه منكر.

واعلم أن عبادة اللّه مشروطة بتحصيل معرفة اللّه تعالى قبل العبادة، لأن من لا يعرف معبوده لا ينتفع بعبادته فكان الأمر بعبادة اللّه أمرا بتحصيل المعرفة أولا.

ونظيره قوله تعالى في أول سورة البقرة: {قدير ياأيها الناس اعبدوا ربكم} (البقرة: ٢١) ثم أتبعه بالدلائل الدالة على وجود الصانع وهو قوله: {الذى خلقكم والذين من قبلكم} (البقرة: ٢١) إنما حسن ذلك لأن الأمر بالعبادة يتضمن الأمر بتحصيل المعرفة فلا جرم ذكر ما يدل على تحصيل المعرفة.

ثم قال: {إننى لكم منه نذير وبشير} وفيه مباحث:

البحث الأول: أن الضمير في قوله: {منه} عائد إلى الحكيم الخبير، والمعنى: إنني لكم نذير وبشير من جهته.

البحث الثاني: أن قوله: {ألا تعبدوا إلا اللّه} مشتمل على المنع عن عبادة غير اللّه، وعلى الترغيب في عبادة اللّه تعالى، فهو عليه الصلاة والسلام نذير على الأول بإلحاق العذاب الشديد لمن لم يأت بها وبشير على الثاني بإلحاق الثواب العظيم لمن أتى بها.

واعلم أنه صلى اللّه عليه وسلم ما بعث إلا لهذين الأمرين، وهو الإنذار على فعل ما لا ينبغي، والبشارة على فعل ما ينبغي.

المرتبة الثانية: من الأمور المذكورة في هذه الآية قوله:

﴿ ٢