٥

{ألا إنهم يثنون صدورهم ليستخفوا منه ألا حين يستغشون ثيابهم ...}.

اعلم أنه تعالى لما قال: {وإن تولوا} يعني عن عبادته وطاعته {فإني أخاف عليكم عذاب يوم كبير} بين بعده أن التولي عن ذلك باطنا كالتولي عنه ظاهرا فقال: {ألا إنهم} يعني الكفار من قوم محمد صلى اللّه عليه وسلم يثنون صدورهم ليستخفوا منه.

واعلم أنه تعالى حكى عن هؤلاء الكفار شيئين:

الأول: أنه يثنون صدورهم يقال: ثنيت الشيء إذا عطفته وطويته، وفي الآية وجهان:

الوجه الأول: روي أن طائفة من المشركين قالوا: إذا أغلقنا أبوابنا وأرسلنا ستورنا، واستغشينا ثيابنا وثنينا صدورنا على عداوة محمد، فكيف يعلم بنا؟ وعلى هذا التقدير: كان قوله: {يثنون صدورهم} كناية عن النفاق، فكأنه قيل: يضمرون خلاف ما يظهرون ليستخفوا من اللّه تعالى، ثم نبه بقوله: {ألا حين يستغشون ثيابهم} على أنهم يستخفون منه حين يستغشون ثيابهم.

الوجه الثاني: روي أن بعض الكفار كان إذا مر به رسول اللّه ثنى صدره وولى ظهره واستغشى ثيابه، والتقدير كأنه قيل: إنهم يتصرفون عنه ليستخفوا منه حين يستغشون ثيابهم، لئلا يسمعوا كلام رسول اللّه وما يتلو من القرآن، وليقولوا في أنفسهم ما يشتهون من الطعن.

وقوله: {إلا} للتنبيه، فنبه أولا على أنهم ينصرفوا عنه ليستخفوا ثم كرر كلمة {إلا} للتنبيه على ذكر الاستخفاء لينبه على وقت استخفائهم، وهو حين يستغشون ثيابهم، كأنه قيل: ألا إنهم ينصرفون عنه ليستخفوا من اللّه، ألا إنهم يستخفون حين يستغشون ثيابهم.

ثم ذكر أنه لا فائدة لهم في استخفائهم بقوله: {يعلم ما يسرون وما يعلنون}.

﴿ ٥