٥١

{قال ما خطبكن إذ راودتن يوسف عن نفسه قلن حاش} ففي تلك الحالة يقول يوسف: {ذالك ليعلم أنى لم أخنه بالغيب} بل يحتاج فيه إلى أن يرجع الرسول من ذلك المجلس إلى السجن ويذكر له تلك الحكاية، ثم إن يوسف يقول ابتداء {ذالك ليعلم أنى لم أخنه بالغيب} ومثل هذا الوصل بين الكلامين الأجنبيين ما جاء ألبتة في نثر ولا نظم فعلمنا أن هذا من تمام كلام المرأة.

المسألة الرابعة: هذه الآية دالة على طهارة يوسف عليه السلام من الذنب من وجوه كثيرة:

 الأول: أن الملك لما أرسل إلى يوسف عليه السلام وطلبه فلو كان يوسف متهما بفعل قبيح وقد كان صدر منه ذنب وفحش لاستحال بحسب العرف والعادة أن يطلب من الملك أن يتفحص عن تلك الواقعة، لأنه لو كان قد أقدم على الذنب ثم إنه يطلبه من الملك أن يتفحص عن تلك الواقعة كان ذلك سعيا منه في فضيحة نفسه وفي تجديد العيوب التي صارت مندرسة مخفية والعاقل لا يفعل ذلك وهب أنه وقع الشك لبعضهم في عصمته أو في نبوته إلا أنه لا شك أنه كان عاقلا، والعاقل يمتنع أن يسعى في فضيحة نفسه وفي حمل الأعداء على أن يبالغوا في إظهار عيوبه.

والثاني: أن النسوة شهدن في المرة الأولى بطهارته ونزاهته حيث قلن: {حاش للّه ما هذا بشرا إن هذا إلا ملك كريم} (يوسف: ٣١) وفي المرة الثانية حيث قلن: {حاش للّه ما علمنا عليه من سوء}

والثالث: أن امرأة العزيز أقرت في المرة الأولى بطهارته حيث قالت: {ولقد * راودته عن نفسه فاستعصم} (يوسف: ٣٢) وفي المرة الثانية في هذه الآية.

واعلم أن هذه الآية دالة على طهارته من وجوه:

أولها: قول المرأة: {أنا * بأنفسهم عن نفسه}

وثانيها: قولها: {وإنه لمن الصادقين} وهو إشارة إلى أنه صادق في قوله: {هى راودتنى عن نفسى} (يوسف: ٢٦)

﴿ ٥١