١

{أتى أمر اللّه فلا تستعجلوه سبحانه وتعالى عما يشركون}

فيه مسائل:

المسألة الأولى: اعلم أن معرفة تفسير هذه الآية مرتبة على سؤالات ثلاثة:

فالسؤال الأول: أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان يخوفهم بعذاب الدنيا تارة وهو القتل والاستيلاء عليهم كما حصل في يوم بدر، وتارة بعذاب يوم القيامة، وهو الذي يحصل عند قيام الساعة، ثم إن القوم لما لم يشاهدوا شيئا من ذلك احتجوا بذلك على تكذيبه وطلبوا منه الإتيان بذلك العذاب وقالوا له ائتنا به.

وروي أنه لما نزل قوله تعالى: {اقتربت الساعة وانشق القمر} (القمر: ١) قال الكفار فيما بينهم إن هذا يزعم أن القيامة قد قربت فأمسكوا عن بعض ما تعملون حتى ننظر ما هو كائن، فلما تأخرت قالوا ما نرى شيئا مما تخوفنا به، فنزل قوله: {اقترب للناس حسابهم} (الأنبياء: ١) فأشفقوا وانتظروا يومها فلما امتدت الأيام قالوا: يا محمد ما نرى شيئا مما تخوفنا به فنزل قوله: {أتى أمر اللّه} فوثب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ورفع الناس رؤوسهم فنزل قوله: {فلا تستعجلوه}

والحاصل أنه عليه السلام لما أكثر من تهديدهم بعذاب الدنيا وعذاب الآخرة ولم يروا شيئا نسبوه إلى الكذب.

فأجاب اللّه تعالى عن هذه الشبهة بقوله: {أتى أمر اللّه فلا تستعجلوه} وفي تقرير هذا الجواب وجهان:

الوجه الأول: أنه وإن لم يأت ذلك العذاب إلا أنه كان واجب الوقوع والشيء إذا كان بهذه الحالة والصفة فإنه يقال في الكلام المعتاد أنه قد أتى ووقع إجراء لما يجب وقوعه بعد ذلك مجرى الواقع يقال لمن طلب الإغاثة وقرب حصولها: قد جاءك الغوث فلا تجزع.

والوجه الثاني: وهو أن يقال أن أمر اللّه بذلك وحكمه به قد أتى وحصل ووقع، فأما المحكوم به فإنما لم يقع، لأنه تعالى حكم بوقوعه في وقت معين فقبل مجيء ذلك الوقت لا يخرج إلى الوجود والحاصل كأنه قيل: أمر اللّه وحكمه بنزول العذاب قد حصل ووجد من الأزل إلى الأبد فصح قولنا أتى أمر اللّه، إلا أن المحكوم به والمأمور به إنما لم يحصل، لأنه تعالى خصص حصوله بوقت معين فلا تستعجلوه ولا تطلبوا حصوله قبل حضور ذلك الوقت.

السؤال الثاني: قالت الكفار: هب أنا سلمنا لك يا محمد صحة ما تقوله من أنه تعالى حكم بإنزال العذاب علينا

إما في الدنيا

وإما في الآخرة، إلا أنا نعبد هذه الأصنام فإنها شفعاؤنا عند اللّه فهي تشفع لنا عنده فنتخلص من هذا العذاب المحكوم به بسبب شفاعة هذه الأصنام.

فأجاب اللّه تعالى عن هذه الشبهة بقوله: {سبحانه وتعالى عما يشركون} فنزه نفسه عن شركة الشركاء والأضداد

والأنداد وأن يكون لأحد من الأرواح والأجسام أن يشفع عنده إلا بإذنه و {ما} في قوله: {عما يشركون} يجوز أن تكون مصدرية، والتقدير: سبحانه وتعالى عن إشراكهم ويجوز أن تكون بمعنى الذي، أي سبحانه وتعالى عن هذه الأصنام التي جعلوها شركاء للّه، لأنها جمادات خسيسة، فأي مناسبة بينها وبين أدون الموجودات فضلا عن أن يحكم بكونها شركاء لمدبر الأرض والسموات.

السؤال الثالث: هب أنه تعالى قضى على بعض عبيده بالسراء وعلى آخرين بالضراء ولكن

كيف يمكنك أن تعرف هذه الأسرار التي لا يعلمها إلا اللّه، وكيف صرت بحيث تعرف أسرار اللّه وأحكامه في ملكه وملكوته؟

﴿ ١