٢٣أما قوله تعالى: {وقدمنا} فقد استدلت المجسمة بقوله: {وقدمنا} لأن القدوم لا يصح إلا على الأجسام، وجوابه أنه لما قامت الدلالة على امتناع القدوم عليه لأن القدوم حركة والموصوف بالحركة محدث، ولذلك استدل الخليل عليها السلام بأفول الكواكب على حدوثها وثبت أن اللّه عز وجل لا يجوز أن يكون محدثا، فوجب تأويل لفظ القدوم وهو من وجوه: أحدها: {وقدمنا إلى ما عملوا من عمل} أي وقصدنا إلى أعمالهم، فإن القادم إلى الشيء قاصد له، فالقصد هو المؤثر في المقدوم إليه وأطلق المسبب على السبب مجازا وثانيها: المراد قدوم الملائكة إلى موضع الحساب في الآخرة، ولما كانوا بأمره يقدمون جاز أن يقول {وقدمنا} على سبيل التوسع ونظيره قوله: {فلما ءاسفونا انتقمنا منهم} (الزخرف: ٥٥) وثالثها: {إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها} (النمل: ٣٤) فلما أباد اللّه أعمالهم وأفسدها بالكلية صارت شبيهة بالمواضع التي يقدمها الملك فلا جرم قال {وقدمنا}. أما قوله: {إلى ما عملوا من عمل} يعني الأعمال التي اعتقدوها برا وظنوا أنها تقربهم إلى اللّه تعالى، والمعنى إلى ما عملوا من أي عمل كان. أما قوله: {فجعلناه هباء منثورا} فالمراد أبطلناه وجعلناه بحيث لا يمكن الانتفاع به كالهباء المنثور الذي لا يمكن القبض عليه ونظيره قوله تعالى: {كسراب بقيعة} (النور: ٣٩) {كرماد اشتدت به الريح} (إبراهيم: ١٨) {كعصف مأكول} (الفيل: ٥) قال أبو عبيدة والزجاج: الهباء مثل الغبار يدخل من الكوة مع ضوء الشمس.وقال مقاتل: إنه الغبار الذي يستطير من حوافر الدواب. |
﴿ ٢٣ ﴾