٩

فأما قوله: {وإن ربك لهو العزيز الرحيم} فإنما قدم ذكر العزيز على ذكر الرحيم لأنه لو لم يقدمه لكان ربما قيل إنه رحمهم لعجزه عن عقوبتهم، فأزال هذا الوهم بذكر العزيز وهو الغالب القاهر، ومع ذلك فإنه رحيم بعباده، فإن الرحمة إذا كانت عن القدرة الكاملة كانت أعظم وقعا. والمراد أنهم مع كفرهم وقدرة اللّه على أن يعجل عقابهم لا يترك رحمتهم بما تقدم ذكره من خلق كل زوج كريم من النبات، ثم من إعطاء الصحة والعقل والهداية.

المسألة الثانية: أنه تعالى وصف الكفار بالإعراض أولا وبالتكذيب ثانيا وبالاستهزاء ثالثا وهذه درجات من أخذ يترقى في الشقاوة، فإنه يعرض أولا ثم يصرح بالتكذيب والإنكار إلى حيث يستهزىء به ثالثا.

المسألة الثالثة: فإن قلت ما معنى الجمع بين كم وكل، ولم لم يقل كم أنبتنا فيها من زوج كريم؟ قلت: قد دل كل على الإحاطة بأزواج النبات على سبيل التفصيل وكم على أن هذا المحيط متكاثر مفرط الكثرة، فهذا معنى الجمع (رتبه) على كمال قدرته، فإن قلت: فحين ذكر الأزواج ودل عليها بكلمتي الكثرة والإحاطة وكانت بحيث لا يحصيها إلا عالم الغيب فكيف قال: {إن فى ذلك لآية} وهلا قال لآيات؟ قلت فيه وجهان:

أحدهما: أن يكون ذلك مشارا به إلى مصدر أنبتنا، فكأنه قال إن في ذلك الإنبات لآية أي آية

والثاني: أن يراد أن في كل واحد من تلك الأزواج لآية.

المسألة الرابعة: احتجت المعتزلة على خلق القرآن بقوله تعالى: {وما يأتيهم من ذكر من الرحمان محدث} فقالوا الذكر هو القرآن لقوله تعالى: {وهاذا ذكر مبارك} (الأنبياء: ٥٠) وبين في هذه الآية أن الذكر محدث فيلزم من هاتين الآيتين أن القرآن محدث، وهذا الاستدلال بقوله تعالى: {اللّه نزل أحسن الحديث كتابا} (الزمر: ٢٣) وبقوله: {فبأي حديث بعده يؤمنون} (المرسلات: ٥٠) وإذا ثبت أنه محدث فله خالق فيكون مخلوقا لا محالة

والجواب: أن كل ذلك يرجع إلى هذه الألفاظ ونحن نسلم حدوثها إنما ندعي قدم أمر آخر وراء هذه الحروف، وليس في الآية دلالة على ذلك.

﴿ ٩