٤٦

{ولا تجادلو ا أهل الكتاب إلا بالتى هى أحسن إلا الذين ظلموا منهم ...}.

لما بين اللّه طريقة إرشاد المشركين ونفع من انتفع وحصل اليأس ممن امتنع بين طريقة إرشاد أهل الكتاب فقال: {ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتى هى أحسن} قال بعض المفسرين المراد منه لا تجادلوهم بالسيف، وإن لم يؤمنوا إلا إذا ظلموا وحاربوا، أي إذا ظلموا زائدا على كفرهم، وفيه معنى ألطف منه وهو أن المشرك جاء بالمنكر على ما بيناه فكان اللائق أن يجادل بالأخشن ويبالغ في تهجين مذهبه وتوهين شبهه، ولهذا قال تعالى في حقهم {صم بكم عمى} (البقرة: ١٨)

وقال: {لهم أعين * لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها} (الأعراف: ١٧٩) إلى غير ذلك.

وأما أهل الكتاب فجاءوا بكل حسن إلا الاعتراف بالنبي عليه السلام فوحدوا وآمنوا بإنزال الكتب وإرسال الرسل والحشر، فلمقابلة إحسانهم يجادلون أولا بالأحسن ولا تستخف آراؤهم ولا ينسب الضلال آباؤهم، بخلاف المشرك، ثم على هذا فقوله: {إلا الذين ظلموا} تبيين له حسن آخر، وهو أن يكون المراد إلا الذين أشركوا منهم بإثبات الولد للّه والقول بثالث ثلاثة فإنهم ضاهوهم في القول المنكر فهم الظالمون، لأن الشرك ظلم عظيم، فيجادلون بالأخشن من تهجين مقالتهم وتبيين جهالتهم، ثم إنه تعالى بين ذلك الأحسن فقدم محاسنهم بقوله: {وقولوا ءامنا بالذى أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون} فيلزمنا اتباع ما قاله لكنه بين رسالتي في كتبكم فهو دليل مضيء،

﴿ ٤٦