٤٧

ثم بعد ذلك ذكر دليلا قياسيا فقال: {وكذلك أنزلنا إليك الكتاب} يعني كما أنزلنا على من تقدمك أنزلنا عليك وهذا قياس، ثم قال: {فالذين ءاتيناهم الكتاب يؤمنون به} لوجود النص ومن هؤلاء كذلك، واختلف المفسرون فقال بعضهم: المراد بالذين آتيناهم الكتاب من آمن بنبينا من أهل الكتاب كعبد اللّه بن سلام وغيره وبقوله: {ومن هؤلاء} أي من أهل مكة وقال بعضهم: المراد بالذين آتيناهم الكتاب هم الذين سبقوا محمدا صلى اللّه عليه وسلم زمانا من أهل الكتاب، ومن هؤلاء الذين هم في زمان محمد صلى اللّه عليه وسلم من أهل الكتاب وهذا أقرب،

فإن قوله: {هؤلاء} صرفه إلى أهل الكتاب أولى، لأن الكلام فيهم ولا ذكر للمشركين ههنا، إذ كان هذا الكلام بعد الفراغ من ذكرهم والإعراض عنهم لإصرارهم على الكفر، وههنا وجه آخر أولى وأقرب إلى العقل والنقل، وأقرب إلى الأحسن من الجدال المأمور به، وهو أن نقول المراد بالذين آتيناهم الكتاب هم الأنبياء وبقوله: {ومن هؤلاء} أي من أهل الكتاب وهو أقرب، لأن الذين آتاهم الكتاب في الحقيقة هم الأنبياء، فإن اللّه ما آتى الكتاب إلا للأنبياء، كما قال تعالى: {أولائك الذين ءاتيناهم الكتاب} (الأنعام: ٨٩)

وقال: {وءاتينا * داوود * زبورا} (النساء: ١٦٣)

وقال: {وءاتانى * الكتاب} (مريم: ٣٠) وإذا حملنا الكلام على هذا لا يدخله التخصيص، لأن كل الأنبياء آمنوا بكل الأنبياء، وإذا قلنا بما قالوا به يكون المراد من الذين آتيناهم الكتاب عبد اللّه بن سلام واثنين أو ثلاثة معه أو عددا قليلا، ويكون المراد بقوله: {ومن هؤلاء} غير المذكورين، وعلى ما ذكرنا يكون مخرج الكلام كأنه قسم القوم قسمين أحدهما المشركين وتكلم فيهم وفرغ منهم والثاني أهل الكتاب وهو بعد في بيان أمرهم، والوقت وقت جريان ذكرهم، فإذا قال هؤلاء يكون منصرفا إلى أهل الكتاب الذين هم في وصفهم، وإذا قال أولئك يكون منصرفا إلى المشركين الذين سبق ذكرهم وتحقق أمرهم، وعلى هذا التفسير يكون الجدال على أحسن الوجوه، وذلك لأن الخلاف في الأنبياء والأئمة قريب من الخلاف في فضيلة الرؤساء والملوك، فإذا اختلف حزبان في فضيلة ملكين أو رئيسين، وأدى الاختلاف إلى الاقتتال يكون أقوى كلام يصلح بينهم أن يقال لهم هذان الملكان متوافقان متصادقان، فلا معنى لنزاعكم فكذلك ههنا قال النبي صلى اللّه عليه وسلم نحن آمنا بالأنبياء وهم آمنوا بي فلا معنى لتعصبكم لهم وكذلك أكابركم وعلماؤكم آمنوا،

ثم قال تعالى: {اللّه فأولئك هم الكافرون} تنفيرا لهم عما هم عليه، يعني أنكم آمنتم بكل شيء، وامتزتم عن المشركين بكل فضيلة، إلا هذه المسألة الواحدة، وبإنكارها تلتحقون بهم وتبطلون مزاياكم، فإن الجاحد بآية يكون كافرا.

﴿ ٤٧