٣٣

{وءاية لهم الارض الميتة أحييناها وأخرجنا منها حبا فمنه يأكلون} كأنه يقول:

وأقول أيضا آية لهم الأرض الميتة وفيه مسائل:

المسألة الأولى: ما وجه تعلق هذا بما قبله؟ نقول مناسب لما قبله من وجهين

أحدهما: أنه لما قال: {وإن كل لما جميع} (يس: ٣٢) كان ذلك إشارة إلى الحشر، فذكر ما يدل على إمكانه قطعا لإنكارهم واستعادهم وإصرارهم وعنادهم، فقال: وآية لهم الأرض الميتة أحييناها كذلك نحيي الموتى

وثانيهما: أنه لما ذكر حال المرسلين وإهلاك المكذبين وكان شغلهم التوحيد ذكر ما يدل عليه، وبدأ بالأرض لكونها مكانهم لا مفارقة لهم منها عند الحركة والسكون.

المسألة الثانية: الأرض آية مطلقا فلم خصصها بهم حيث قال: {وءاية لهم} نقول: الآية تعدد وتسرد لمن لم يعرف الشيء بأبلغ الوجوه،

وأما من عرف الشيء بطريق الرؤية لا يذكر له دليل، فإن النبي صلى اللّه عليه وسلم وعباد اللّه الخلصين عرفوا اللّه قبل الأرض والسماء، فليست الأرض معرفة لهم، وهذا كما قال تعالى: {سنريهم ءاياتنا فى الافاق وفى أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق} (فصلت: ٥٣) وقال: {أو لم * يكف بربك أنه على كل شىء شهيد} (فصلت: ٥٣) يعني أنت كفاك ربك معرفا، به عرفت كل شيء فهو شهيد لك على كل شيء،

وأما هؤلاء تبين لهم الحق بالآفاق والأنفس، وكذلك ههنا آية لهم.

المسألة الثالثة: إن قلنا إن الآية مذكورة للاستدلال على جواز إحياء الموتى فيكفي قوله: {أحييناها} ولا حاجة إلى قوله: {وأخرجنا منها حبا} وغير ذلك،

وإن قلنا إنها للاستدلال على وجود الإله ووحدته فلا فائدة في قوله: {الارض الميتة أحييناها} لأن نفس الأرض دليل ظاهر وبرهان باهر،

ثم هب أنها غير كافية فقوله: {الميتة أحييناها} كاف في التوحيد فما فائدة قوله: {وأخرجنا منها حبا} فله فائدة بالنسبة إلى بيان إحياء الموتى، وذلك لأنه لما أحيا الأرض وأخرج منها حبا كان ذلك إحياء تاما لأن الأرض المخضرة التي لا تنبت الزرع ولا تخرج الحب دون ما تنبته في الحياة، فكأنه قال تعالى الذي أحيا الأرض إحيا كاملا منبتا للزرع يحيي الموتى إحياء كاملا بحيث تدرك الأمور،

وأما بالنسبة إلى التوحيد فلأن فيه تعديد النعم كأنه يقول آية لهم الأرض فإنها مكانهم ومهدهم الذي فيه تحريكهم وإسكانهم والأمر الضروري الذي عنده وجودهم وإمكانهم وسواء كانت ميتة أو لم تكن فهي مكان لهم لا بد لهم منها فهي نعمة ثم إحياؤها بحيث تخضر نعمة ثانية فإنها تصير أحسن وأنزه،

ثم ءخراج الحب منها نعمة ثالثة فإن قوتهم يصير في مكانهم، وكان يمكن أن يجعل اللّه رزقهم في السماء أو في الهواء فلا يحصل لهم الوثوق، ثم جعل الجنات فيها نعمة رابعة لأن الأرض تنبت الحب في كل سنة،

وأما الأشجار بحيث تؤخذ منها الثمار فتكون بعد الحب وجودا،

ثم فجرنا فيها العيون ليحصل لهم الاعتماد بالحصول ولو كان ماؤها من السماء لحصل ولكن لم يعلم أنها أين تغرس وأين يقع المطر وينزل القطر بالنسبة إلى بيان إحياء الموتى كل ذلك مفيد وذلك لأن قوله: {وأخرجنا منها حبا} كالإشارة إلى الأمر الضروري الذي لا بد منه

﴿ ٣٣