١٥واعلم أنه تعالى لما بين كفر قوم عاد وثمود على الإجمال بين خاصية كل واحدة من هاتين الطائفتين فقال: {فأما عاد فاستكبروا فى الارض بغير الحق} وهذاالاستكبار فيه وجهان الأول: إظهارالنخوة والكبر، وعدم الالتفات إلى الغير والثاني: الاستعلاء على الغير واستخدامهم، ثم ذكر تعالى سبب ذلك الاستكبار وهو أنهم قالو {من أشد منا قوة} وكانوا مخصوصين بكبر الأجسام وشدة القوة، ثم إنه تعالى ذكر ما يدل على أنه لا يجوز لهم أن يغتروا بشدة قوتهم، فقال: {أولم يروا أن اللّه الذى خلقهم هو أشد منهم قوة} يعني أنهم وإن كانوا أقوى من غيرهم، فاللّه الذي خلقهم هو أشد منهم قوة، فإن كانت الزيادة في القوة توجب كون الناقص في طاعة الكامل، فهذه المعاملة توجب عليهم كونهم منقادين للّه تعالى، خاضعين لأوامره ونواهيه. واحتج أصحابنا بهذه الآية على إثبات القدرة صلى اللّه عليه وسلم ، فقالوا القوة للّه تعالى ويتأكد هذا بقوله {اللّه الذى خلقهم هو أشد منهم قوة} يدل على إثبات القوة للّه تعالى ويتأكد هذا بقوله {إن اللّه هو الرزاق ذو القوة المتين} (الذريات: ٥٨) فإن قيل صيغة أفعل التفضيل إنما تجري بين شيئين لأحدهما مع الآخر نسبة، لكن قدرة العبد متناهية وقدرة اللّه لا نهاية لها، والمتناهي لا نسبة له إلى غير المتناهي، فما معنى قوله إن اللّه أشد منهم قوة؟ قلنا هذا ورد على قانون قولنا اللّه أكبر. ثم قال: {وكانوا بئاياتنا يجحدون} والمعنى أنهم كانوا يعرفون أنها حق ولكنهم جحدوا كما يجحد المودع الوديعة. واعلم أن نظم الكلام أن يقال: أما عاد فاستكبروا في الأرض بغير الحق وكانوا بآياتنا يجحدون، وقوله {وقالوا من أشد منا قوة أولم يروا أن اللّه الذى خلقهم هو أشد منهم قوة} واعتراض وقع في البين لتقرير السبب الداعي لهم إلى الاستكبار. واعلم أنا ذكرنا أن مجامع الخصال الحميدة الإحسان إلى الخلق والتعظيم للخالق، فقوله {استكبروا فى * الارض بغير الحق} مضاد للإحسان إلى الخلق وقوله {وكانوا بئاياتنا يجحدون} مضاد للتعظيم للخالق، |
﴿ ١٥ ﴾