٢١

وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا...

وأيضا أنهم قالوا لتلك الأعضاء {لم شهدتم علينا} فقالت الأعضاء {أنطقنا اللّه الذى أنطق كل شىء} وكل هذه الآياات دالة على أن المتكلم بتلك الكلمات هي تلك الأعضاء، وأن تلك الكلمات ليست كلام اللّه تعالى، فهذا توجيه الإشكال على هذين القولين،

وأما القول الثالث: وهو تفسير هذه الشهادة بظهور أمارات مخصوصة على هذه الأعضاء دالة على صدور تلك الأعمال منهم، فهذا عدول عن الحقيقة إلى المجاز والأصل عدمه، فهذامنتهى الكلام في هذا البحث،

أما على مذهب أصحابنا فهذا الإشكال غير لازم، لأن عندنا البنية ليست شرطا للحياة ولا للعلم ولا للقدرة، فاللّه تعالى قادر على خلق العقل والقدرة والنطق في كل جزء من أجزاء هذه الأعضاء، وعلى هذا التقدير فالإشكال زائل وهذه الآية يحسن التمسك بها في بيان أن البنية ليست شرطا للحياة ولا لشيء من الصفات المشروطة بالحياة واللّه أعلم.

المسألة الثالثة: ما رأيت للمفسرين في تخصيص هذه الأعضاء الثلاثة بالذكر سببا وفائدة،

وأقول لا شك أن الحواس خمسة السمع والبصر والشم والذوق واللمس، ولا شك أن آلة اللمس هي الجلد، فاللّه تعالى ذكر ههنا من الحواس وهي السمع والبصر واللمس، وأهمل ذكر نوعين وهما الذوق والشم، لأن الذوق دالخل في اللمس من بعض الوجوه، لأن إدراك الذوق إنما يتأتى بأن تصير جلدة اللسان والحنك مماسة لجرم الطعام، فكان هذا داخلا فيه فبقي حس الشم وهو حس ضعيف في الإنسان، وليس للّه فيه تكليف ولا أمر ولا نهي، إذا عرفت هذا فنقول نقل عن ابن عباس أنه قال المراد من شهادة الجلود شهادة االفروج قال وهذا من باب الكنايات كما قال: {ولاكن لا تواعدوهن سرا} (البقرة: ٢٣٥) وأراد النكاح وقال: {أو جاء منكم من الغائط} (النساء: ٤٣) والمراد قضاء الحاجة وعن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال: "أول ما يتكلم من الآدمي فخذه وكفه" وعلى هذا التقدير فتكون هذه الآية وعيدا شديدا في الإتيان بالزنا، لأن مقدمة الزنا إنما تحصل بالكف، ونهاية الأمر فيها إنما تحصل بالفخذ.

ثم حكى اللّه تعالى أنهم يقولون لتلك الأعضاء {لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا اللّه الذى أنطق كل شىء وهو خلقكم أول مرة وإليه ترجعون} ومعناه أن القادر على خلقكم وإنطاقكم في المرة الأولى حالما كنتم في الدنيا ثم على خلقكم وإنطاقكم في المرة الثانية وهي حال القيامة والبعث يستبعد منه إنطاق الجوارح والأعضاء؟

﴿ ٢١