٤٧

{إليه يرد علم الساعة وما تخرج من ثمرات من أكمامها}.

واعلم أنه تعالى لما هدد الكفار في هذه الآية المتقدمة بقوله {من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها} (فصلت: ٤٦) ومعناه أن جزاء كل أحد يصل إليه في يوم القيامة، وكأن سائلا قال ومتى يكون ذلك اليوم؟ فقال تعالى إنه لا سبيل للخلق إلى معرفة ذلك اليوم ولا يعلمه إلا اللّه فقال: {إليه يرد علم الساعة} وهذه الكلمة تفيد الحصر أي لا يعلم وقت الساعة بعينه إلا اللّه، وكما أن هذا العلم ليس إلا عند اللّه فكذلك العلم بحدوث الحوادث المستقبلة في أوقاتها المعينة ليس إلا عند اللّه سبحانه وتعالى، ثم ذكر من أمثلة هذا الباب مثالين

أحدهما: قوله {وما تخرج من ثمرات من أكمامها}

والثاني: قوله {وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه} قال أبو عبيدة أكمامه أوعيتها وهي ما كانت فيه الثمرة واحدها كم وكمة، قرأ نافع وابن عامر وحفص عن عاصم من ثمرات بالألف على الجمع والباقون من ثمرة بغير ألف على الواحد.

واعلم أن نظير هذه الآية قوله {إن اللّه عنده علم الساعة وينزل الغيث} (القمان: ٣٤) إلى آخر لآية،

فإن قيل أليس أن المنجمين قد يتعرفون من طالع سنة العالم أحوالا كثيرة من أحوال العالم، وكذلك قد يتعرفون من طوالع الناس أشياء من أحوالهم، وههنا شيء آخر يسمى علم الرمل وهو كثير الإصابة وأيضا علم التعبير بالاتفاق قد يدل على أحوال المغيبات، فكيف الجمع بين هذه العلوم المشاهدة وبين هذه الآية؟

قلنا إن أصحاب هذه العلوم لا يمكنهم القطع والجزم في شيء من المطالب ألبتة وإنما الغاية القصوى ادعاء ظن ضعيف والمذكور في هذه الآية أن علمها ليس إلا عند اللّه والعلم هو الجزم واليقين وبهذ لطريق زالت المنافاة واللّه أعلم، ثم إنه تعالى لما ذكر القيامة أردفه بشيء من أحوال يوم القيامة، وهذا االذي ذكره ههنا شديد التعلق أيضابما وقع الابتداء به في أول السورة، وذلك لأن أول السورة يدل على أن شدة نفورهم عن استماع القرآن إنما حصلت من أجل أن محمدا صلى اللّه عليه وسلم كان يدعوهم إلى التوحيد وإلى البراءة عن الأصنام والأوثان بدليل أنه قال في أول السورة {قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلى أنما إلهكم إله واحد} (فصلت: ٦) فذكر في خاتمة السورة وعيد القائلين بالشركاء ولأنداد فقال: {ويوم يناديهم أين شركائى} أي بحسب زعمكم واعتقادكم {قالوا} قال ابن عباس أسمعناك كقوله تعالى: {انشقت وأذنت لربها وحقت} (الانشقاق: ٢) بمعنى سمعت، وقال الكلبي أعلمناك وهذا بعيد، لأن أهل القيامة يعلمون اللّه ويعلمون أنه يعلم الأشياء علما واجبا، فالأعلام في حقه محال.

ثم قال: {ما منا من شهيد} وفيه وجوه

الأول: ليس أحد منا يشهد بأن لك شريكا، فالمقصود أنهم في ذلك اليوم بترءون من إثبات الشريك للّه تعالى

الثاني: ما منا من أحد يشاهدهم لأنهم ضلوا عنهم وضلت عنهم آلهتهم لا يبصرونها في ساعة التوبيخ

الثالث: أن قوله {ما منا من شهيد} كلام الأصنام فإن اللّه يحييها، ثم إنها تقولم ما منا من أحد يشهد بصحة ما أضافوا إلينا من الشركة، وعلى هذا التقدير فمعنى أنها لا تنفعهم فكأنهم ضلوا عنهم.

﴿ ٤٧