٥٠

ثم بين تعالى أن هذا الذي صار آيسا قانطا لو عاودته النعمة والدولة، وهو المراد من قوله {ولئن أذقناه رحمة منا من بعد ضراء مسته} فإن هذا الرجل يأتي بثلاثة أنواع من الأقاويل الفاسدة والمذاهب الباطلة الموجبة للكفر والبعد عن اللّه تعالى فأولها أنه لا بد وأن يقول هذا لي وفيه وجهان

الأول: معناه أن هذا حقي وصل إلي، لأني اسوجبته بما حصل عندي من أنواع الفضائل وأعمال البر والقربة من اللّه ولا يعلم المسكين أن أحدا لا يستحق على اللّه شيئا، وذلك لأنه إن كان ذلك الشخص عاريا عن الفضائل، فهذا الكلام ظاهر الفساد وإن كان موصوفا بشيء من الفضائل والصفات الحميدة، فهي بأسرها إنما حصلت له بفضل اللّه وإحساتنه، وإذ تفضل اللّه بشيء على بعض عبيده، امتنع أن يصير تفضله عليه بتلك العطية سببا لأن يستحق على اللّه شيئا آخر، فثبت بهذا فساد قوله إنما حصلت هذه الخيرات بسبب استحقاقي والوجه

الثاني: أن هذا لي أي لا يزول عني ويبقى علي وعلى أولادي وذريتي.

والنوع الثاني: من كلماتهم الفاسدة أن يقول {وما أظن الساعة قائمة} يعني أنه يكون شديد الرغبة في الدنيا عظيم النفرة عن الآخرة، فإذا آل الأمر إلى أحوال الدنيا نيقول إنها لي وإذا آل الامر إلى الآخرة يقول {وما أظن الساعة قائمة}.

والنوع الثالث: من كلماتهم الفاسدة أن يقول {ولئن رجعت إلى ربى إن لى عنده للحسنى} يعني أن الغالب على الظن أن القول بالبعث والقيامة باطل، وبتقدير أن يكون حقا فإن لي عنده للحسنى، وهذه الكلمة تدل على جزمهم بوصولهم إلى الثواب من وجوه

الأول: أن كلمة إن تفيد التأكيد

الثاني: أن تقديم كلمة لي تدل على هذا التأكيد

الثالث: قوله {عنده} يدل على أن تكل الخيرات حاضرة مهيئة عنده كما تقول لي عند فلان كذا من الدنانير، فإن هذا يفيد كونها حاضرة عنده، فلو قلت إن لي عند فلان كذا من الدنانير لا يفيد ذلك

وثالثها: اللام في قوله {للحسنى} تفيد التأكيد

الخامس: للحسنى يفيد الكمال في الحسنى.

ولما حكى اللّه تعالى عنهم هذه الأقوال الثلاثة الفاسدة قال: {فلننبئن الذين كفروا بما عملوا} أي نظهر لهم "أن الأمر على ضد ما اعتقدون وعلى عكس ما تصوروه كما قال تعالى: {وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا} (الفرقان: ٢٣)

{ولنذيقنهم من عذاب غليظ} في مقابلة قولهم {إن لى عنده للحسنى}.

﴿ ٥٠