ÓõæÑóÉõ ÇáúÝóÊúÍö ãóÏóäöíøóÉñ þ æóåöíó ÊöÓúÚñ æóÚöÔúÑõæäó ÂíóÉð تفسير الفخر الرازي (التفسير الكبير) مفاتيح الغيب - الإمام العلامة فخر الدين الرازى أبو عبد اللّه محمد بن عمر بن الحسين الشافعي (ت ٦٠٦ هـ ١٢٠٩ م) _________________________________ سورة الفتحوهي عشرون وتسع آيات مدنية _________________________________ ١{إنا فتحنا لك فتحا مبينا}. فيه مسائل: المسألة الأولى: في الفتح وجوه: أحدها: فتح مكة وهو ظاهر وثانيها: فتح الروم وغيرها وثالثها: المراد من الفتح صلح الحديبية ورابعها: فتح الإسلام بالحجة والبرهان، والسيف والسنان وخامسها: المراد منه الحكم كقوله {ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق} (الأعراف: ٨٩) وقوله {ثم يفتح بيننا بالحق} (سبأ: ٢٦) والمختار من الكل وجوه: أحدها: فتح مكة، والثاني: فتح الحديبية، والثالث: فتح الإسلام بالآية والبيان والحجة والبرهان. والأول مناسب لآخر ما قبلها من وجوه أحدها: أنه تعالى لما قال: {أضغانكم هاأنتم هؤلاء تدعون لتنفقوا فى سبيل اللّه}. إلى أن قال: {ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه} (محمد: ٣٨) بين تعالى أنه فتح لهم مكة وغنموا ديارهم وحصل لهم أضعاف ما أنفقوا ولو بخلوا لضاع عليهم ذلك فلا يكون بخلهم إلا على أنفسهم ثانيها: لما قال: {واللّه معكم} وقال: {وأنتم الاعلون} (محمد: ٣٥) بين برهانه بفتح مكة، فإنهم كانوا هم الأعلون ثالثها: لما قال تعالى: {فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم} (محمد: ٣٥) وكان معناه لا تسألوا الصلح من عندكم، بل اصبروا فإنهم يسألون الصلح ويجتهدون فيه كما كان يوم الحديبية وهو المراد بالفتح في أحد الوجوه، وكما كان فتح مكة حيث أتى صناديد قريش مستأمنين ومؤمنين ومسلمين، فإن قيل: إن كان المراد فتح مكة، فمكة لم تكن قد فتحت، فكيف قال تعالى: {فتحنا لك فتحا مبينا} بلفظ الماضي؟ نقول: الجواب عنه من وجهين: أحدهما: فتحنا في حكمنا وتقديرنا ثانيهما: ما قدره اللّه تعالى فهو كائن، فأخبر بصيغة الماضي إشارة إلى أنه أمر لا دافع له، واقع لا رافع له. ٢المسألة الثانية: قوله {ليغفر لك اللّه} ينبىء عن كون الفتح سببا للمغفرة، والفتح لا يصلح سببا للمغفرة، فما الجواب عنه؟ نقول: الجواب عنه من وجوه: الأول: ما قيل إن الفتح لم يجعله سببا للمغفرة وحدها، بل هو سبب لاجتماع الأمور المذكورة وهي: المغفرة، وإتمام النعمة والهداية والنصرة، كأنه تعالى قال: ليغفر للك اللّه ويتم نعمته ويهديك وينصرك، ولا شك أن الاجتماع لم يثبت إلا بالفتح، فإن النعمة به تمت، والنصرة بعده قد عمت الثاني: هو أن فتح مكة كان سببا لتطهير بيت اللّه تعالى من رجس الأوثان، وتطهير بيته صار سببا لتطهير عبده الثالث: هو أن بالفتح يحصل الحج، ثم بالحج تحصل المغفرة، ألا ترى إلى دعاء النبي عليه الصلاة والسلام حيث قال في الحج: "اللّهم اجعله حجا مبرورا، وسعيا مشكورا، وذنبا مغفورا" الرابع: المراد منه التعريف تقديره إنا فتحنا لك ليعرف أنك مغفور، معصوم، فإن الناس كانوا علموا بعد عام الفيل أن مكة لا يأخذها عدو اللّه المسخوط عليه، وإنما يدخلها ويأخذها حبيب اللّه المغفور له. المسألة الثالثة: لم يكن للنبي صلى اللّه عليه وسلم ذنب، فماذا يغفر له؟ قلنا الجواب عنه قد تقدم مرارا من وجوه أحدها: المراد ذنب المؤمنين ثانيها: المراد ترك الأفضل ثالثها: الصغائر فإنها جائزة على الأنبياء بالسهو والعمد، وهو يصونهم عن العجب رابعها: المراد العصمة وقد بينا وجهه في سورة القتال. المسألة الرابعة: ما معنى قوله {وما تأخر}؟ نقول فيه وجوه أحدها: أنه وعد النبي عليه السلام بأنه لا يذنب بعد النبوة ثانيها: ما تقدم على الفتح، وما تأخر عن الفتح ثالثها: العموم يقال اضرب من لقيت ومن لا تلقاه، مع أن من لا يلقى لا يمكن ضربه إشارة إلى العموم رابعها: من قبل النبوة ومن بعدها، وعلى هذا فما قبل النبوة بالعفو وما بعدها بالعصمة، وفيه وجوه أخر ساقطة، منها قول بعضهم: ما تقدم من أمر مارية، وما تأخر من أمر زينب، وهو أبعد الوجوه وأسقطها لعدم التئام الكلام، وقوله تعالى: {ويتم نعمته عليك} يحتمل وجوها: أحدها: هو أن التكاليف عند الفتح تمت حيث وجب الحج، وهو آخر التكاليف، والتكاليف نعم ثانيها: يتم نعمته عليك بإخلاء الأرض لك عن معانديك، فإن يوم الفتح لم يبق للنبي عليه الصلاة والسلام عدو ذو اعتبار، فإن بعضهم كانوا أهلكوا يوم بدر والباقون آمنوا واستأمنوا يوم الفتح ثالثها: ويتم نعمته عليك في الدنيا باستجابة دعائك في طلب الفتح، وفي الآخرة بقول شفاعتك في الذنوب ولو كانت في غاية القبح، وقوله تعالى: {ويهديك صراطا مستقيما} يحتمل وجوها أظهرها: يديمك على الصراط المستقيم حتى لا يبقى من يلتفت إلى قوله من المضلين، أو ممن يقدر على الإكراه على الكفر، وهذا يوافق قوله تعالى: {ورضيت لكم الأسلام دينا} (المائدة: ٣) حيث أهلكت المجادلين فيه، وحملتهم على الإيمان وثانيها: أن يقال جعل الفتح سببا للّهداية إلى الصراط المستقيم، لأنه سهل على المؤمنين الجهاد لعلمهم بالفوائد العاجلة بالفتح والآجلة بالوعد، والجهاد سلوك سبيل اللّه، ولهذا يقال للغازي في سبيل اللّه مجاهد وثالثها: ما ذكرنا أن المراد التعريف، أي ليعرف أنك على صراط مستقيم، من حيث إن الفتح لا يكون إلا على يد من يكون على صراط اللّه بدليل حكاية الفيل، ٣وقوله {وينصرك اللّه نصرا عزيزا} ظاهر، لأن بالفتح ظهر النصر واشتهر الأمر، وفيه مسألتان إحداهما لفظية والأخرى معنوية: أما المسألة اللفظية: فهي أن اللّه وصف النصر بكونه عزيزا، والعزيز من له النصر والجواب: من وجهين أحدهما: ما قاله الزمخشري أنه يحتمل وجوها ثلاثة الأول: معناه نصر إذ عز، كقوله {فى عيشة راضية} (الحاقة: ٢١) أي ذات رضى الثاني: وصف النصر بما يوصف به المنصور إسنادا مجازيا يقال له كلام صادق، كما يقال له متكلم صادق الثالث: المراد نصرا عزيزا صاحبه الوجه الثاني من الجواب أن نقول: إنما يلزمنا ما ذكره الزمخشري من التقديرات إذا قلنا: العزة من الغلبة، والعزيز الغالب وأما إذا قلنا: العزيز هو النفيس القليل النظير، أو المحتاج إليه القليل الوجود، يقال عز الشيء إذا قل وجوده مع أنه محتاج إليه، فالنصر كان محتاجا إليه ومثله لم يوجد وهو أخذ بيت اللّه من الكفار المتمكنين فيه من غير عدد. أما المسألة المعنوية: وهي أن اللّه تعالى لما قال: {ليغفر لك اللّه ما تقدم من ذنبك} أبرز الفاعل وهو اللّه، ثم عطف عليه بقوله {ويتم} وبقوله {ويهديك} ولم يذكر لفظ اللّه على الوجه الحسن في الكلام، وهو أن الأفعال الكثيرة إذا صدرت من فاعل يظهر اسمه في الفعل الأول، ولا يظهر فيما بعده تقول: جاء زيد وتكلم، وقام وراح، ولا تقول: جاء زيد، وقعد زيد اختصارا للكلام بالاقتصار على الأول، وههنا لم يقل وينصرك نصرا، بل أعاد لفظ اللّه، فنقول هذا إرشاد إلى طريق النصر، ولهذا قلما ذكر اللّه النصر من غير إضافة، فقال تعالى: {بنصر اللّه ينصر} (الروم: ٥) ولم يقل بالنصر ينصر وقال: {هو الذى أيدك بنصره} (الأنفال: ٦٢) ولم يقل بالنصر، وقال: {إذا جاء نصر اللّه والفتح} (النصر: ١) وقال: {نصر من اللّه وفتح قريب} (الصف: ١٣) ولم يقل نصر وفتح، وقال: {وما النصر إلا من عند اللّه} (الأنفا: ١٠) وهذا أدل الآيات على مطلوبنا، وتحقيقه هو أن النصر بالصبر، والصبر باللّه، قال تعالى: {واصبر وما صبرك إلا باللّه} (النحل: ١٢٧) وذلك لأن الصبر سكون القلب واطمئنانه، وذلك بذكر اللّه، كما قال تعالى: {ألا بذكر اللّه تطمئن القلوب} (الرعد: ٢٨) فلما قال ههنا وينصرك اللّه، أظهر لفظ اللّه ذكرا للتعليم أن بذكر اللّه يحصل اطمئنان القلوب، وبه يحصل الصبر، وبه يتحقق النصر، وههنا مسألة أخرى وهو أن اللّه تعالى قال: {إنا فتحنا} ثم قال: {ليغفر لك اللّه} ولم يقل إنا فتحنا لنغفر لك تعظيما لأمر الفتح، وذلك لأن المغفرة وإن كانت عظيمة لكنها عامة لقوله تعالى: {إن اللّه يغفر الذنوب جميعا} (الزمر:٥٣) وقال: {ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} (النساء: ٤٨) ولئن قلنا بأن المراد من المغفرة في حق النبي عليه السلام العصمة، فذلك لم يختص بنبينا، بل غيره من الرسل كان معصوما، وإتمام النعمة كذلك، قال اللّه تعالى: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتى} (المائدة: ٣) وقال: {خالدون يابنى إسراءيل اذكروا نعمتي التى أنعمت عليكم} (البقرة: ٤٧) وكذلك الهداية قال اللّه تعالى: {يهدى * إليه من يشاء} فعمم، وكذلك النصر قال اللّه تعالى: {ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين * إنهم لهم المنصورون} (الصافات: ١٧١، ١٧٢) وأما الفتح فلم يكن لأحد غير النبي صلى اللّه عليه وسلم، فعظمه بقوله تعالى: {إنا فتحنا لك فتحا} وفيه التعظيم من وجهين أحدهما: إنا وثانيهما: لك أي لأجلك على وجه المنة. ٤{هو الذى أنزل السكينة فى قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم ...}. لما قال تعالى: {وينصرك اللّه} (الفتح: ٣) بين وجه النصر، وذلك لأن اللّه تعالى قد ينصر رسله بصيحة يهلك بها أعداءهم، أو رجفة تحكم عليهم بالفناء، أو جند يرسله من السماء، أو نصر وقوة وثبات قلب يرزق المؤمنين به، ليكون لهم بذلك الثواب الجزيل فقال: {هو الذى أنزل السكينة} أي تحقيقا للنصر، وفي السكينة وجوه أحدها: هو السكون الثاني: الوقار للّه ولرسول اللّه وهو من السكون الثالث: اليقين والكل من السكون وفيه مسائل: المسألة الأولى: السكينة هنا غير السكينة في قوله تعالى: {وقال لهم نبيهم إن ءاية ملكه أن يأتيكم التابوت فيه} (البقرة: ٢٤٨) في قول أكثر المفسرين ويحتمل هي تلك المقصود منها على جميع الوجوه اليقين وثبات القلوب. المسألة الثانية: السكينة المنزلة عليهم هي سبب ذكرهم اللّه كما قال تعالى: {ألا بذكر اللّه تطمئن القلوب} (الرعد: ٢٨). المسألة الثالثة: قال اللّه تعالى في حق الكافرين {وقذف فى قلوبهم} (الأحزاب: ٢٦) بلفظ القذف المزعج وقال في حق المؤمنين {أنزل السكينة} بلفظ الإنزال المثبت، وفيه معنى حكمي وهو أن من علم شيئا من قبل وتذكره واستدام تذكره فإذا وقع لا يتغير، ومن كان غافلا عن شيء فيقع دفعة يرجف فؤاده، ألا ترى أن من أخبر بوقوع صيحة وقيل له لا تنزعج منها فوقعت الصيحة لا يرجف، ومن لم يخبر به و أخبر وغفل عنه يرتجف إذا وقعت، فكذلك الكافر أتاه اللّه من حيث لا يحتسب وقذف في قلبه فارتجف، والمؤمن أتاه من حيث كان يذكره فسكن، وقوله تعالى: {ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم} فيه وجوه أحدها: أمرهم بتكاليف شيئا بعد شيء فآمنوا بكل وحد منها، مثلا أمروا بالتوحيد فآمنوا وأطاعوا، ثم أمروا بالقتال والحج فآمنوا وأطاعوا، فازدادوا إيمانا مع إيمانهم ثانيها: أنزل السكينة عليهم فصبروا فرأوا عين اليقين بما علموا من النصر علم اليقين إيمانا بالغيب فازدادوا إيمانا مستفادا من الشهادة مع إيمانهم المستفاد من الغيب ثالثها: ازدادوا بالفروع مع إيمانهم بالأصول، فإنهم آمنوا بأن محمدا رسول اللّه وأن اللّه واحد والحشر كائن وآمنوا بأن كل ما يقول النبي صلى اللّه عليه وسلم صدق وكل ما يأمر اللّه تعالى به واجب رابعها: ازدادوا إيمانا استدلاليا مع إيمانهم الفطري، وعلى هذا الوجه نبين لطيفة وهي أن اللّه تعالى قال في حق الكافر {إنما نملى لهم ليزدادوا إثما} (آل عمران: ١٧٨) ولم يقل مع كفرهم لأن كفرهم عنادي وليس في الوجود كفر فطري لينضم إليه الكفر العنادي بل الكفر ليس إلا عناديا وكذلك الكفر بالفروع لا يقال انضم إلى الكفر بالأصول لأن من ضرورة الكفر بالأصول الكفر بالفروع وليس من ضرورة الإيمان بالأصول الإيمان بالفروع بمعنى الطاعة والانقياد فقال: {ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم} وقوله {وللّه جنود * السماوات والارض} فكان قادرا على إهلاك عدوه بجنوده بل بصيحة ولم يفعل بل أنزل السكينة على المؤمنين ليكون إهلاك أعدائهم بأيديهم فيكون لهم الثواب، وفي جنود السماوات والأرض وجوه أحدها: ملائكة السماوات والأرض ثانيها: من في السماوات من الملائكة ومن في الأرض من الحيوانات والجن وثالثها: الأسباب السماوية والأرضية حتى يكون سقوط كسف من السماء والخسف من جنوده، وقوله تعالى: {وكان اللّه عليما حكيما} لما قال: {وللّه جنود * السماوات والارض} وعددهم غير محصور، أثبت العلم إشارة إلى أنه {لا يعزب عنه مثقال ذرة فى * السماوات * ولا فى الارض} (سبأ: ٣) وأيضا لما ذكر أمر القلوب بقوله {هو الذى أنزل السكينة فى قلوب المؤمنين} والإيمان من عمل القلوب ذكر العلم إشارة إلى أنه يعلم السر وأخفى، وقوله {حكيما} بعد قوله {عليما} إشارة إلى أنه يفعل على وفق العلم فإن الحكيم من يعمل شيئا متقنا ويعلمه، فإن من يقع منه صنع عجيب اتفاقا لا يقال له حكيم ومن يعلم ويعمل على خلاف العلم لا يقال له حكيم. وقوله تعالى: ٥{ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات تجرى من تحتها الانهار...}. يستدعي فعلا سابقا {ليدخل} فإن من قال ابتداء لتكرمني لا يصح ما لم يقل قبله جئتك أو ما يقوم مقامه وفي ذلك الفعل وجوه وضبط الأحوال فيه بأن تقول ذلك الفعل أما أن يكون مذكورا بصريحه أو لا يكون، وحينئذ ينبغي أن يكون مفهوما، فإما أن يكون مفهوما من لفظ يدل عليه بل فهم بقرينة حالية فإن كان مذكورا فهو يحتمل وجوها أحدها: قوله {ليزدادوا إيمانا} (الفتح: ٤) كأنه تعالى أنزل السكينة ليزدادوا إيمانا بسبب الإنزال ليدخلهم بسبب الإيمان جنات، فإن قيل فقوله {ويعذب} (الفتح: ٦) عطف على قوله {ليدخل} وازدياد إيمانهم لا يصلح سببا لتعذيبهم، نقول بلى وذلك من وجهين أحدهما: أن التعذيب مذكور لكونه مقصودا للمؤمنين، كأنه تعالى يقول بسبب ازديادكم في الإيمان يدخلكم في الآخرة جنات ويعذب بأيديكم في الدنيا الكفار والمنافقين الثاني: تقديره ويعذب بسبب ما لكم من الازدياد، يقال فعلته لأجرب به العدو والصديق أي لأعرف بوجوده الصديق وبعدمه العدو فكذلك ليزداد المؤمن إيمانا فيدخله الجنة ويزداد الكافر كفرا فيعذبه به ووجه آخر ثالث: وهو أن سبب زيادة إيمان المؤمنين بكثرة صبرهم وثباتهم فيعيى المنافق والكافر معه ويتعذب وهو قريب مما ذكرنا الثاني: قوله {وينصرك اللّه} (الفتح: ٣) كأنه تعالى قال وينصرك اللّه بالمؤمنين ليدخل المؤمنين جنات الثالث: قوله {ليغفر لك اللّه ما تقدم من ذنبك} (الفتح: ٢) على قولنا المراد ذنب المؤمن كأنه تعالى قال ليغفر لك ذنب المؤمنين، ليدخل المؤمنين جنات، وأما إن قلنا هو مفهوم من لفظ غير صريح فيحتمل وجوها أيضا أحدها: قوله {حكيما} (الفتح: ٤) يدل على ذلك كأنه تعالى قال: اللّه حكيم، فعل ما فعل ليدخل المؤمنين جنات وثانيها: قوله تعالى: {ويتم نعمته عليك} (الفتح: ٢) في الدنيا والآخرة، فيستجيب دعاءك في الدنيا ويقبل شفاعتك في العقبى {ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات} ثالثها: قوله {إنا فتحنا لك} (الفتح: ١) ووجهه هو أنه روي أن المؤمنين قالوا للنبي صلى اللّه عليه وسلم هنيئا لك إن اللّه غفر لك فماذا لنا؟ فنزلت هذه الآية كأنه تعالى قال: إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك وفتحنا للمؤمنين ليدخلهم جنات، وأما إن قلنا إن ذلك مفهوم من غير مقال بل من قرينة الحال، فنقول هو الأمر بالقتال لأن من ذكر الفتح والنصر علم أن الحال حال القتال، فكأنه تعالى قال إن اللّه تعالى أمر بالقتال ليدخل المؤمنين، أو نقول عرف من قرينة الحال أن اللّه اختار المؤمنين ليدخلهم جنات. المسألة الرابعة: قال ههنا وفي بعض المواضع {المؤمنين والمؤمنات} وفي بعض المواضع اكتفى بذكر المؤمنين ودخلت المؤمنات فيهم كما في قوله تعالى: {وبشر المؤمنين} (الأحزاب: ٤٧) وقوله تعالى: {قد أفلح المؤمنون} (المؤمنون: ١) فما الحكمة فيه؟ نقول في المواضع التي فيها ما يوهم اختصاص المؤمنين بالجزاء الموعود به مع كون المؤمنات يشتركن معهم ذكرهن اللّه صريحا، وفي المواضع التي ليس فيها ما يوهم ذلك اكتفى بدخولهم في المؤمنين فقوله {وبشر المؤمنين} مع أنه علم من قوله تعالى: {وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا} (سبأ: ٢٨) العموم لا يوهم خروج المؤمنات عن البشارة، وأما ههنا فلما كان قوله تعالى: {ليدخل المؤمنين} لفعل سابق وهو أما الأمر بالقتال أو الصبر فيه أو النصر للمؤمنين أو الفتح بأيديهم على ما كان يتوهم لأن إدخال المؤمنين كان للقتال، والمرأة لا تقاتل فلا تدخل الجنة الموعود بها صرح اللّه بذكرهن، وكذلك في المنافقات والمشركات، والمنافقة والمشركة لم تقاتل فلا تعذب فصرح اللّه تعالى بذكرهن، وكذلك في قوله تعالى: {إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات} (الأحزاب: ٣٥) لأن الموضع موضع ذكر النساء وأحوالهن لقوله {ولا تبرجن وأقمن وءاتين وأطعن} (الأحزاب: ٣٣) وقوله {واذكرن ما يتلى فى بيوتكن} (الأحزاب: ٣٤) فكان ذكرهن هناك أصلا، لكن الرجال لما كان لهم ما للنساء من الأجر العظيم ذكرهم وذكرهن بلفظ مفرد من غير تبعية لما بينا أن الأصل ذكرهن في ذلك الموضع. المسألة الخامسة: قال اللّه تعالى: {ويكفر عنهم سيئاتهم} بعد ذكر الإدخال مع أن تكفير السيئات قبل الإدخال؟ نقول الجواب عنه من وجهين أحدهما: الواو لا تقتضي الترتيب الثاني: تكفر السيئات والمغفرة وغيرهما من توابع كون المكلف من أهل الجنة، فقدم الإدخال في الذكر بمعنى أنه من أهل الجنة الثالث: وهو أن التكفير يكون بإلباس خلع الكرامة وهي في الجنة، وكان الإنسان في الجنة تزال عنه قبائح البشرية الجرمية كالفضلات، والمعنوية كالغضب والشهوة وهو التكفير وتثبت فيه الصفات الملكية وهي أشرف أنواع الخلع، وقوله تعالى: {وكان ذلك عند اللّه فوزا عظيما} فيه وجهان أحدهما: مشهور وهو أن الإدخال والتكفير في اللّه فوز عظيم، يقال عندي هذا الأمر على هذا الوجه، أي في اعتقادي وثانيهما: أغرب منه وأقرب منه عقلا، وهو أن يجعل عند اللّه كالوصف لذلك كأنه تعالى يقول ذلك عند اللّه، أي بشرط أن يكون عند اللّه تعالى ويوصف أن يكون عند اللّه فوز عظيم حتى أن دخول الجنة لو لم يكن فيه قرب من اللّه بالعندية لما كان فوزا. ٦{ويعذب المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات الظآنين باللّه ...}. واعلم أنه قدم المنافقين على المشركين في الذكر في كثير من المواضع لأمور أحدها: أنهم كانوا أشد على المؤمنين من الكافر المجاهر لأن المؤمن كان يتوقى المشرك المجاهر وكان يخالط المنافق لظنه بإيمانه، وهو كان يفشي أسراره، وإلى هذا أشار النبي صلى اللّه عليه وسلم بقوله: "أعدى عدوك نفسك التي بين جنبيك" والمنافق على صورة الشيطان فإنه لا يأتي الإنسان على أني عدوك، وإنما يأتيه على أني صديقك، والمجاهر على خلاف الشيطان من وجه، ولأن المنافق كان يظن أن يتخلص للمخادعة، والكافر لا يقطع بأن المؤمن إن غلب يفديه، فأول ما أخبر اللّه أخبر عن المنافق وقول {الظانين باللّه ظن السوء} هذا الظن يحتمل وجوها أحدها: هو الظن الذي ذكره اللّه في هذه السورة بقوله {بل ظننتم أن لن ينقلب الرسول} (الفتح: ١٢) ثانيها: ظن المشركين باللّه في الإشراك كما قال تعالى: {إن هى إلا أسماء سميتموها أنتم} إلى أن قال: {إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغنى من الحق شيئا} (النجم: ٢٣ ـ ٢٨) ثالثها: ظنهم أن اللّه لا يرى ولا يعلم كما قال: {ولاكن ظننتم أن اللّه لا يعلم كثيرا مما تعملون} (فصلت: ٢٢) والأول أصح أو نقول المراد جميع ظنونهم حتى يدخل فيه ظنهم الذي ظنوا أن اللّه لا يحيي الموتى، وأن العالم خلقه باطل، كما قال تعالى: {ذالك ظن الذين كفروا} (ص: ٢٧) ويؤيد هذا الوجه الألف واللام الذي في السوء وسنذكره في قوله {ظن السوء} وفيه وجوه أحدها: ما اختاره المحققون من الأدباء، وهو أن السوء صار عبارة عن الفساد، والصدق عبارة عن الصلاح يقال مررت برجل سوء أي فاسد، وسئلت عن رجل صدق أي صالح، فإذا كان مجموع قولنا رجل سوء يؤدي معنى قولنا فاسد، فالسوء وحده يكون بمعنى الفساد، وهذا ما اتفق عليه الخليل والزجاج واختاره الزمخشري، وتحقيق هذا أن السوء في المعاني كالفساد في الأجساد، يقال ساء مزاجه، وساء خلقه، وساء ظنه، كما يقال فسد اللحم وفسد الهواء، بل كان ما ساء فقد فسد وكل ما فسد فقد ساء غير أن أحدهما كثير الاستعمال في المعاني والآخر في الأجرام قال اللّه تعالى: {ظهر الفساد فى البر والبحر} (الروم: ٤١) وقال: {ساء ما كانوا يعملون} (التوبة: ٩) هذا ما يظهر لي من تحقيق كلامهم. ثم قال تعالى: {عليهم دائرة السوء} أي دائرة الفساد وحاق بهم الفساد بحيث لا خروج لهم منه. ثم قال تعالى: {وغضب اللّه عليهم} زيادة في الإفادة لأن من كان به بلاء فقد يكون مبتلى به على وجه الامتحان فيكون مصابا لكي يصير مثابا، وقد يكون مصابا على وجه التعذيب فقوله {وغضب اللّه عليهم} إشارة إلى أن الذي حاق بهم على وجه التعذيب وقوله {ولعنهم} زيادة إفادة لأن المغضوب عليه قد يكون بحيث يقنع الغاضب بالعتب والشتم أو الضرب، ولا يفضي غضبه إلى إبعاد المغضوب عليه من جنابه وطرده من بابه، وقد يكون بحيث يفضي إلى الطرد والإبعاد فقال: {ولعنهم} لكون الغضب شديدا، ثم لما بين حالهم في الدنيا بين مآلهم في العقبى قال: {وأعد لهم جهنم وساءت مصيرا} وقوله {ساءت} إشارة لمكان التأنيث في جهنم يقال هذه الدار نعم المكان، ٧وقوله تعالى: {وللّه جنود * السماوات والارض} قد تقدم تفسيره، وبقي فيه مسائل: المسألة الأولى: ما الفائدة في الإعادة؟ نقول للّه جنود الرحمة وجنود العذاب أو جنود اللّه إنزالهم قد يكون للرحمة، وقد يكون للعذاب فذكرهم أولى لبيان الرحمة بالمؤمنين قال تعالى: {وكان بالمؤمنين رحيما} (الأحزاب: ٤٣) وثانيا لبيان إنزال العذاب على الكافرين. المسألة الثانية: قال هناك {وكان اللّه عليما حكيما} (الفتح: ٤) وهنا {وكان اللّه عزيزا حكيما} لأن قوله {وللّه جنود * السماوات والارض} (الفتح: ٤) قد بينا أن المقصود من ذكرهم الإشارة إلى شدة العذاب فذكر العزة كما قال تعالى: {أليس اللّه بعزيز ذى انتقام} (الزمر: ٣٧) وقال تعالى: {فأخذناهم أخذ عزيز مقتدر} (القمر: ٤٢) وقال تعالى: {العزيز الجبار}. المسألة الثالثة: ذكر جنود السماوات والأرض قبل إدخال المؤمنين الجنة، وذكرهم ههنا بعد ذكر تعذيب الكفار وإعداد جنهم، نقول فيه ترتيب حسن لأن اللّه تعالى ينزل جنود الرحمة فيدخل المؤمنين مكرمين معظمين الجنة ثم يلبسهم خلع الكرامة بقوله {ويكفر عنهم سيئاتهم} (الفتح: ٥) كما بينا ثم تكون لهم القربى والزلفى بقوله {وكان ذلك عند اللّه فوزا عظيما} وبعد حصول القرب والعندية لا تبقى واسطة الجنود فالجنود في الرحمة أولا ينزلون ويقربون آخرا وأما في الكافر فيغضب عليه أولا فيبعد ويطرد إلى البلاد النائية عن ناحية الرحمة وهي جهنم ويسلط عليهم ملائكة العذاب وهم جنود اللّه كما قال تعالى: {عليها ملئكة غلاظ شداد لا يعصون اللّه ما أمرهم} (التحريم: ٦) ولذلك ذكر جنود الرحمة أولا والقربة بقوله عند اللّه آخرا، وقال ههنا {غضب اللّه عليهم * ولعنهم} وهو الإبعاد أولا وجنود السماوات والأرض آخرا. ٨{إنآ أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا * لتؤمنوا باللّه ورسوله ...}. قال المفسرون: {شاهدا} على أمتك بما يفعلون كما قال تعالى: {ويكون الرسول عليكم شهيدا} (البقرة: ١٤٣) والأولى أن يقال إن اللّه تعالى قال: {إنا أرسلناك شاهدا} وعليه يشهد أنه لا إله إلا اللّه كما قال تعالى: {شهد اللّه أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم} (آل عمران: ١٨) وهم الأنبياء عليهم السلام، الذين آتاهم اللّه علما من عنده وعلمهم ما لم يكونوا يعلمون، ولذلك قال تعالى: {فاعلم أنه لا إله إلائ * اللّه} (محمد: ١٩) أي فاشهد وقوله {ومبشرا} لمن قبل شهادته وعمل بها ويوافقه فيها {ونذيرا} لمن رد شهادته ويخالفه فيها ٩ثم بين فائدة الإرسال على الوجه الذي ذكره فقال: {لتؤمنوا باللّه ورسوله وتعزروه وتوقروه وتسبحوه بكرة وأصيلا} وهذا يحتمل وجهين: أحدهما: أن تكون الأمور الأربعة المذكورة مرتبة على الأمور المذكورة من قبل فقوله {لتؤمنوا باللّه ورسوله} مرتب على قوله {إنا أرسلناك} لأن كونه مرسلا من اللّه يقتضي أن يؤمن المكلف باللّه والمرسل وبالمرسل وقوله {شاهدا} يقتضي أن يعزر اللّه ويقوي دينه لأن قوله {شاهدا} على ما بينا معناه أنه يشهد أنه لا إله إلا هو فدينه هو الحق وأحق ن يتبع وقوله {مبشرا} يقتضي أن يوقر اللّه لأن تعظيم اللّه عنده على شبه تعظيم اللّه إياه. وقوله {نذيرا} يقتضي أن ينزه عن السوء والفحشاء مخافة عذابه الأليم وعقابه الشديد، وأصل الإرسال مرتب على أصل الإيمان ووصف الرسول يترتب عليه وصف المؤمن وثانيهما: أن يكون كل واحد مقتضيا للأمور الأربعة فكونه مرسلا يقتضي أن يؤمن المكلف باللّه ورسوله ويعزره ويوقره ويسبحه، وكذلك كونه {شاهدا} بالوحدانية يقتضي الأمور المذكورة، وكذلك كونه {مبشرا ونذيرا} لا يقال إن اقتران اللام بالفعل يستدعي فعلا مقدما يتعلق به ولا يتعلق بالوصف وقوله {لتؤمنوا} يستدعي فعلا وهو قوله {إنا أرسلناك} فكيف تترتب الأمور على كونه {شاهدا ومبشرا} لأنا نقول يجوز الترتيب عليه معنى لا لفظا، كما أن القائل إذا قال بعثت إليك عالما لتكرمه فاللفظ ينبىء عن كون البعث سبب الإكرام، وفي المعنى كونه عالما هو السبب للإكرام، ولهذا لو قال بعثت إليك جاهلا لتكرمه كان حسنا، وإذا أردنا الجمع بين اللفظ والمعنى نقول: الإرسال الذي هو إرسال حال كونه شاهدا كما تقول بعث العالم سبب جعله سببا لا مجرد البعث، ولا مجرد العالم، في الآية مسائل: المسألة الأولى: قال في الأحزاب {إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا * وداعيا إلى اللّه بإذنه وسراجا منيرا} (الأحزاب: ٤٥، ٤٦) وههنا اقتصر على الثلاثة من الخمسة فما الحكمة فيه؟ نقول الجواب عنه من وجهين أحدهما: أن ذلك المقام كان مقام ذكره لأن أكثر السورة في ذكر الرسول صلى اللّه عليه وسلم وأحواله وما تقدمه من المبايعة والوعد والدخول ففصل هنالك، ولم يفصل ههنا ثانيهما: أن نقول الكلام مذكور ههنا لأن قوله {شاهدا} لما لم يقتض أن يكون داعيا لجواز أن يقول مع نفسه أشهد أن لا إله إلا اللّه، ولا يدعو الناس قال هناك وداعيا لذلك وههنا لما لم يكن كونه {شاهدا} منبئا عن كونه داعيا قال: {لتؤمنوا باللّه ورسوله وتعزروه وتوقروه وتسبحوه} دليل على كونه سراجا لأنه أتى بما يجب من التعظيم والاجتناب عما يحرم من السوء والفحشاء بالتنزيه وهو التسبيح. المسألة الثانية: قد ذكرنا مرارا أن اختيار البكرة والأصيل يحتمل أن يكون إشارة إلى المداومة، ويحتمل أن يكون أمرا بخلاف ما كان المشركون يعملونه فإنهم كانوا يجتمعون على عبادة الأصنام في الكعبة بكرة وعشية فأمروا بالتسبيح في أوقات كانوا يذكرون فيها الفحشاء والمنكر. المسألة الثالثة: الكنايات المذكور في قوله تعالى: {وتعزروه وتوقروه وتسبحوه} راجعة إلى اللّه تعالى أو إلى الرسول عليه الصلاة والسلام؟ والأصح هو الأول. ١٠{إن الذين يبايعونك إنما يبايعون اللّه يد اللّه فوق أيديهم ...}. لما بين أنه مرسل ذكر أن من بايعه فقد بايع اللّه، وقوله تعالى: {يد اللّه فوق أيديهم} يحتمل وجوها، وذلك أن اليد في الموضعين أما أن تكون بمعنى واحد، وأما أن تكون بمعنيين، فإن قلنا إنها بمعنى واحد، ففيه وجهان أحدهما: {يد اللّه} بمعنى نعمة اللّه عليهم فوق إحسانهم إلى اللّه كما قال تعالى: {بل اللّه يمن عليكم أن هداكم للايمان} (الحجرات: ١٧) وثانيهما: {يد اللّه فوق أيديهم} أي نصرته إياهم أقوى وأعلى من نصرتهم إياه، يقال: اليد لفلان، أي الغلبة والنصرة والقهر. وأما إن قلنا إنها بمعنيين، فنقول في حق اللّه تعالى بمعنى الحفظ، وفي حق المبايعين بمعنى الجارحة، واليد كناية عن الحفظ مأخوذ من حال المتبايعين إذا مد كل واحد منهما يده إلى صاحبه في البيع والشراء، وبينهما ثالث متوسط لا يريد أن يتفاسخا العقد من غير إتمام البيع، فيضع يده على يديهما، ويحفظ أيديهما إلى أن يتم العقد، ولا يترك أحدهما يترك يد الآخر، فوضع اليد فوق الأيدي صار سببا للحفظ على البيعة، فقال تعالى: {يد اللّه فوق أيديهم} يحفظهم على البيعة كما يحفظ ذلك المتوسط أيدي المتبايعين، وقوله تعالى: {فمن نكث فإنما ينكث على نفسه} أما على قولنا المراد من اليد النعمة أو الغلبة والقوة، فلأن من نكث فوت على نفسه الإحسان الجزيل في مقابلة العمل القليل، فقد خسر ونكثه على نفسه، وأما على قولنا المراد الحفظ، فهو عائد إلى قوله {إنما يبايعون اللّه} يعني من يبايعك أيها النبي إذا نكث لا يكون نكثه عائدا إليك، لأن البيعة مع اللّه ولا إلى اللّه، لأنه لا يتضرر بشيء، فضرره لا يعود إلا إليه. قال: {ومن أوفى بما عاهد عليه اللّه فسيؤتيه أجرا عظيما} وقد ذكرنا أن العظم في الأجرام، لا يقال إلا إذا اجتمع فيه الطول البالغ والعرض الواسع والسمك الغليظ، فيقال في الجبل الذي هو مرتفع، ولا اتساع لعرضه جبل عال أو مرتفع أو شاهق، فإذا انضم إليه الاتساع في الجوانب يقال عظيم، والأجر كذلك، لأن مآكل الجنة تكون من أرفع الأجناس، وتكون في غاية الكثرة، وتكون ممتدة إلى الأبد لا انقطاع لها، فحصل فيه ما يناسب أن يقال له عظيم والعظيم في حق اللّه تعالى إشارة إلى كماله في صفاته، كما أنه في الجسم إشارة إلى كماله في جهاته. ١١{سيقول لك المخلفون من الاعراب شغلتنآ أموالنا وأهلونا ...}. لما بين حال المنافقين ذكر المتخلفين، فإن قوما من الأعراب امتنعوا عن الخروج مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لظنهم أنه يهزم، فإنهم قالوا أهل مكة يقاتلون عن باب المدينة، فكيف يكون حالهم إذا دخلوا بلادهم وأحاط بهم العدو فاعتذروا، وقولهم {شغلتنا أموالنا وأهلونا} فيه أمران يفيدان وضوح العذر أحدهما: (قولهم) {أموالنا} ولم يقولوا شغلتنا الأموال، وذلك لأن جمع المال لا يصلح عذرا (لأنه) لا نهاية له، وأما حفظ ما جمع من الشتات ومنع الحاصل من الفواتت يصلح عذرا، فقالوا {شغلتنا أموالنا} أي ما صار مالا لنا لا مطلق الأموال وثانيهما: قوله تعالى: {وأهلونا} وذلك لو أن قائلا قال لهم: المال لا ينبغي أن يبلغ إلى درجة يمنعكم حفظه من متابعة الرسول صلى اللّه عليه وسلم لكان لهم أن يقولوا: فإلهل يمنع الاشتغال بهم وحفظهم عن أهم الأمور، ثم إنهم مع العذر تضرعوا وقالوا {فاستغفر لنا} يعني فنحن مع إقامة العذر معترفون بالإساءة، فاستغفر لنا واعف عنا في أمر الخروج، فكذبهم اللّه تعالى فقال: {يقولون بألسنتهم ما ليس فى قلوبهم} وهذا يحتمل أمرين أحدهما: أن يكون التكذيب راجعا إلى قولهم {فاستغفر لنا} وتحقيقه هو أنهم أظهروا أنهم يعتقدون أنهم مسيئون بالتخلف حتى استغفروا، ولم يكن في اعتقادهم ذلك، بل كانوا يعتقدون أنهم بالتخلف محسنون ثانيهما: قالوا {شغلتنا} إشارة إلى أن امتناعنا لهذا لا غير، ولم يكن ذلك في اعتقادهم، بل كانوا يعتقدون امتناعهم لاعتقاد أن النبي صلى اللّه عليه وسلم والمؤمنون يقهرون ويغلبون، كما قال بعده {بل ظننتم أن لن ينقلب الرسول والمؤمنون إلى أهليهم أبدا} (الفتح: ١٢) وقوله {قل فمن يملك لكم من اللّه شيئا إن أراد بكم ضرا أو أراد بكم نفعا} معناه أنكم تحترزون عن الضر. وتتركون أمر اللّه ورسوله، وتقعدون طلبا للسلامة، ولو أراد بكم الضرر لا ينفعكم قعودكم من اللّه شيئا، أو معناه أنكم تحترزون عن ضرر القتال والمقاتلين وتعتقدون أن أهليكم وبلادكم تحفظكم من العدو، فهب أنكم حفظتم أنفسكم عن ذلك، فمن يدفع عنكم عذاب اللّه في الآخرة، مع أن ذلك أولى بالاحتراز، وقد ذكرنا في سورة يس في قوله تعالى: {إن يردن الرحمان بضر} (يس: ٢٣) أنه في صورة كون الكلام مع المؤمن أدخل الباء على الضر، فقال: {إن أرادنى اللّه بضر} (الزمر: ٣٨) وقال: {وإن يمسسك اللّه بضر} (الأنعام: ١٧) وفي صورة كون الكلام مع الكافر أدخل الباء عل الكافر، فقال ههنا {إن أراد بكم ضرا} وقال: {من ذا الذى يعصمكم من اللّه إن أراد بكم سوءا} (الأحزاب: ١٧) وقد ذكرنا الفرق الفائق هناك، ولا نعيده ليكون هذا باعثا على مطالعة تفسير سورة يس، فإنها درج الدرر اليتيمة، {بل كان اللّه بما تعملون خبيرا} أي بما تعملون من إظهار الحرب وإضمار غيره. ١٢{بل ظننتم أن لن ينقلب الرسول والمؤمنون إلى أهليهم أبدا ...}. يعني لم يكن تخلفكم لما ذكرتم {بل ظننتم أن لن ينقلب} وأن مخففة من الثقيلة، أي ظننتم أولا، فزين الشيطان ظنكم عندكم حتى قطعتم به، وذلك لأن الشبهة قد يزينها الشيطان، ويضم إليها مخايلة يقطع بها الغافل، وإن كان لا يشك فيها العاقل، وقوله تعالى: {وظننتم ظن السوء} يحتمل وجهين أحدهما: أن يكون هذا العطف عطفا يفيد المغايرة، فقوله {وظننتم ظن السوء} غير الذي في قوله {بل ظننتم} وحينئذ يحتمل أن يكون الظن الثاني معناه: وظننتم أن اللّه يخلف وعده، أو ظننتم أن الرسول كاذب في قوله وثانيهما: أن يكون قوله {وظننتم ظن السوء} هو ما تقدم من ظن أن لا ينقلبوا، ويكون على حد قول القائل: علمت هذه المسألة وعلمت كذا، أي هذه المسألة لا غيرها، وذلك كأنه قال: بل ظننتم ظن أن لن ينقلب. وظنكم ذلك فاسد، وقد بينا التحقيق في ظن السوء، وقوله تعالى: {وكنتم قوما بورا} يحتمل وجهين أحدهما: وصرتم بذلك الظن بائرين هالكين وثانيهما: أنتم في الأصل بائرون وظننتم ذلك الظن الفاسد. ١٣{ومن لم يؤمن باللّه ورسوله فإنآ أعتدنا للكافرين سعيرا}. على قولنا: {وظننتم ظن السوء} (الفتح: ١٢) ظن آخر غير ما في قوله {بل ظننتم} ظاهر، لأنا بينا أن ذلك ظنهم بأن اللّه يخلف وعده أو ظنهم بأن الرسول كاذب فقال: {ومن لم يؤمن باللّه ورسوله} ويظن به خلفا وبرسوله كذبا فإنا أعتدنا له سعيرا، وفي قوله {للكافرين} بدلا عن أن يقول فإنا أعتدنا له فائدة وهي التعميم كأنه تعالى قال: ومن لم يؤمن باللّه فهو من الكافرين وإنا أعتدنا للكافرين سعيرا. ١٤{وللّه ملك السماوات والارض يغفر لمن يشآء ...}. بعد ما ذكر من له أجر عظيم من المبايعين ومن له عذاب أليم من الظانين الضالين، أشار إلى أنه يغفر للأولين بمشيئته ويعذب الآخرين بمشيئته، وغفرانه ورحمته أعم وأشمل وأتم وأكمل، وقوله تعالى: {واللّه * ملك * السماوات والارض} يفيد عظمة الأمرين جميعا لأن من عظم ملكه يكون أجره وهبته في غاية العظم وعذابه وعقوبته كذلك في غاية النكال والألم. ١٥ثم قال تعالى: {سيقول المخلفون إذا انطلقتم إلى مغانم لتأخذوها ذرونا نتبعكم}. أوضح اللّه كذبهم بهذا حيث كانوا عندما يكون السير إلى مغانم يتوقعونها يقولون من تلقاء أنفسهم {ذرونا نتبعكم} فإذا كان أموالهم وأهلوهم شغلتهم يوم دعوتكم إياهم إلى أهل مكة، فما بالهم لا يشتغلون بأموالهم يوم الغنيمة، والمراد من المغانم مغانم أهل خيبر وفتحها وغنم المسلمون ولم يكن معهم إلا من كان معه في المدينة، وفي قوله {سيقول المخلفون} وعد المبايعين الموافقين بالغنيمة والمتخلفين المخالفين بالحرمان. وقوله تعالى: {يريدون أن يبدلوا كلام اللّه قل لن تتبعونا كذلكم قال اللّه من قبل}. يحتمل وجوها أحدها: هو ما قال اللّه إن غنيمة خيبر لمن شهد الحديبية وعاهد بها لا غير وهو الأشهر عند المفسرين، والأظهر نظرا إلى قوله تعالى: {كذلكم قال اللّه من قبل}، ثانيها: يريدون أن يبدلوا كلام اللّه وهو قوله {وغضب اللّه عليهم} (الفتح: ٦) وذلك لأنهم لو اتبعوكم لكانوا في حكم بيعة أهل الرضوان الموعودين بالغنيمة فيكونون من الذين رضي اللّه عنهم كما قال تعالى: {لقد رضي اللّه عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة} (الفتح: ١٨) فلا يكونون من الذين غضب اللّه عليهم فيلزم تبديل كلام اللّه ثالثها: هو أن النبي صلى اللّه عليه وسلم لما تخلف القوم أطلعه اللّه على باطنهم وأظهر له نفاقهم وأنه يريد أن يعاقبهم وقال للنبي صلى اللّه عليه وسلم {فقل لن تخرجوا معى أبدا ولن تقاتلوا معى عدوا} (التوبة: ٨٣) فأرادوا أن يبدلوا ذلك الكلام بالخروج معه، لا يقال فالآية التي ذكرتم واردة في غزوة تبوك لا في هذه الواقعة، لأنا نقول قد وجد ههنا بقوله {لن تتبعونا} على صيغة النفي بدلا عن قوله: لا تتبعونا، على صيغة النهي معنى لطيف وهو أن النبي صلى اللّه عليه وسلم بنى على إخبار اللّه تعالى عنهم النفي لوثوقه وقطعه بصدقه فجزم وقال: {لن تتبعونا} يعني لو أذنتكم ولو أردتم واخترتم لا يتم لكم ذلك لما أخبر اللّه تعالى. ثم قال تعالى: {فسيقولون بل تحسدوننا}. ردا على قوله تعالى: {كذلكم قال اللّه من قبل} كأنهم قالوا: ما قال اللّه كذلك من قبل، بل تحسدوننا، وبل للاضراب والمضروب عنه محذوف في الموضعين، أما ههنا فهو بتقدير ما قال اللّه وكذلك، فإن قيل بماذا كان الحسد في اعتقادهم؟ نقول كأنهم قالوا نحن كنا مصيبين في عدم الخروج حيث رجعوا من الحديبية من غير حاصل ونحن استرحنا، فإن خرجنا معهم ويكون فيه غنيمة يقولون هم غنموا معنا ولم يتعبوا معنا. ثم قال تعالى ردا عليهم كما ردوا {بل كانوا لا يفقهون إلا قليلا} أي لم يفقهوا من قولك لا تخرجوا إلا ظاهر النهي ولم يفهموا من حكمه إلا قليلا فحملوه على ما أرادوه وعللوه بالحسد. ١٦{قل للمخلفين من الاعراب ستدعون إلى قوم أولى بأس شديد ...}. لما قال النبي صلى اللّه عليه وسلم : {قل لن تتبعونا} (الفتح: ١٥) وقال: {فقل لن تخرجوا معى أبدا} (التوبة: ٨٣) فكان المخلفون جمعا كثيرا، من قبائل متشعبة، دعت الحاجة إلى بيان قبول توبتهم فإنهم لم يبقوا على ذلك ولم يكونوا من الذين مردوا على النفاق، بل منهم من حسن حاله وصلح باله فجعل لقبول توبتهم علامة، وهو أنهم يدعون إلى قتال قوم أولي بأس شديد ويطيعون بخلاف حال ثعلبة حيث امتنع من أداء الزكاة ثم أتى بها ولم يقبل منه النبي صلى اللّه عليه وسلم واستمر عليه الحال ولم يقبل منه أحد من الصحابة، كذلك كان يستمر حال هؤلاء لولا أنه تعالى بين أنهم يدعون فإن كانوا يطيعون يؤتون الأجرر الحسن وما كان أحد من الصحابة يتركهم يتبعونه، والفرق بين حال ثعلبة وبين حال هؤلاء من وجهين أحدهما: أن ثعلبة جاز أن يقال حاله لم يكن يتغير في علم اللّه، فلم يبين لتوبته علامة، والأعراب تغيرت، فإن بعد النبي صلى اللّه عليه وسلم لم يبق من المنافقين على النفاق أحد على مذهب أهل السنة وثانيهما: أن الحاجة إلى بيان حال الجمع الكثير والجم الغفير أمس، لأنه لولا البيان لكان يفضي الأمر إلى قيام الفتنة بين فرق المسلمين، وفي قوله {ستدعون إلى قوم أولى بأس شديد} وجوه أشهرها وأظهرها أنهم بنو حنيفة حيث تابعوا مسيلمة وغزاهم أبو بكر وثانيها: هم فارس والروم غزاهم عمر ثالثها: هوازن وثقيف غزاهم النبي صلى اللّه عليه وسلم، وأقوى الوجوه هو أن الدعاء كان من النبي صلى اللّه عليه وسلم وإن كان الأظهر غيره، أما الدليل على قوة هذا الوجه هو أن أهل السنة اتفقوا على أن أمر العرب في زمان النبي صلى اللّه عليه وسلم ظهر ولم يبق إلا كافر مجاهر، أو مؤمن تقي طاهر، وامتنع النبي صلى اللّه عليه وسلم من الصلاة على موتى المنافقين، وترك المؤمنون مخالطتهم حتى إن عبادة بن كعب مع كونه بين المؤمنين لم يكلمه المؤمنون مدة، وما ذكره اللّه علامة لظهور حال من كان منافقا، فإن كان ظهر حالهم بغير هذا، فلا معنى لجعل هذا علامة وإن ظهر بهذا الظهور كان في زمان النبي صلى اللّه عليه وسلم، لأن النبي عليه الصلاة والسلام لو امتنع من قبولهم لاتباعه لامتنع أبو بكر وعمر لقوله تعالى: {واتبعوه} (الأعراف: ١٥٨) وقوله {فاتبعونى} (مريم: ٤٣) فإن قيل هذا ضعيف لوجهين أحدهما: أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: {لن تتبعونا} (الفتح: ١٥) وقال: {لن تخرجوا معى أبدا} (التوبة: ٨٣) فكيف كانوا يتبعونه مع النفي؟ الثاني: قوله تعالى: {أولى بأس شديد} ولم يبق بعد ذلك للنبي عليه الصلاة والسلام حرب قوم أولي بأس شديد فإن الرعب استولى على قلوب الناس ولم يبق الكفار بعده شدة وبأس، واتفاق الجمهور يدل على القوة والظهور، نقول أما الجواب عن الأول فمن وجهين أحدهما: أن يكون ذلك مقيدا، تقديره: لن تخرجوا معي أبدا وأنتم على ما أنتم عليه، ويجب هذا التقييد لأنا أجمعنا على أن منهم من أسلم وحسن إسلامه بل الأكثر ذلك، وما كان يجوز للنبي صلى اللّه عليه وسلم أن يقول لهم لستم مسلمين لقوله تعالى: {ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا} (النساء: ٩٤) ومع القول بإسلامهم ما كان يجوز أن يمنعهم ما كان من الجهاد في سبيل اللّه مع وجوبه عليهم وكان ذلك مقيدا، وقد تبين حسن حالهم، فإن النبي صلى اللّه عليه وسلم دعاهم إلى جهاد فأطاعه قوم وامتنع آخرون، وظهر أمرهم وعلم من استمر على الكفر ممن استقر قلبه على الإيمان الثاني: المراد من قوله {لن تتبعونا} (الفتح: ١٥) في هذا القتال فحسب وقوله {لن تخرجوا معى} (التوبة: ٨٣) كان في غير هذا وهم المنافقون الذين تخلفوا في غزوة تبوك، وأما اتفاق الجمهور فنقول لا مخالفة بيننا وبينهم لأنا نقول النبي صلى اللّه عليه وسلم دعاهم أولا، وأبو بكر رضي اللّه عنه أيضا دعاهم بعد معرفته جواز ذلك من فعل النبي صلى اللّه عليه وسلم، إنما نحن نثبت أن النبي صلى اللّه عليه وسلم دعاهم فإن قالوا أبو بكر رضي اللّه عنه دعاهم لم يكن بين القولين تناف، وإن قالوا لم يدعهم النبي صلى اللّه عليه وسلم فالنفي والجزم به في غاية البعد لجواز أن يكون ذلك قد وقع، وكيف لا والنبي عليه الصلاة والسلام قال من كلام اللّه {إن كنتم تحبون اللّه فاتبعونى} (آل عمران: ٣١) وقال: {واتبعون هذا صراط مستقيم} (الزخرف: ٦١) ومنهم من أحب اللّه واختار اتباع النبي محمد صلى اللّه عليه وسلم لأن بقاء جمعهم على النفاق والكفر بعد ما اتسعت دائرة الإسلام واجتمعت العرب على الإيمان بعيد، ويوم قوله صلى اللّه عليه وسلم {لن تتبعونا} كان أكثر العرب على الكفر والنفاق، لأنه كان قبل فتح مكة وقبل أخذ حصون كثيرة. وأما قوله لم يبق للنبي صلى اللّه عليه وسلم حرب مع أولي بأس شديد، قلنا لا نسلم ذلك لأن النبي صلى اللّه عليه وسلم عام الحديبية دعاهم إلى الحرب لأنه خرج محرما ومعه الهدى ليعلم قريش أنه لا يطلب القتال وامتنعوا فقال ستدعون إلى الحرب ولا شك أن من يكون خصمه مسلحا محاربا أكثر بأسا ممن يكون على خلاف ذلك فكان قد علم من حال مكة أنهم لا يوقرون حاجا ولا معتمرا فقوله {أولى بأس شديد} يعني أولي سلاح من آلة الحديد فيه بأس شديد، ومن قال بأن الداعي أبو بكر وعمر تمسك بالآية على خلافتهما ودلالتها ظاهرة، وحينئذ {تقاتلونهم أو يسلمون} إشارة إلى أن أحدهما يقع، وقرىء {أو} بالنصب بإضمار أن على معنى تقاتلونهم إلى أن يسلموا، والتحقيق فيه هو أن {لبعولتهن أو} لا تجيء إلا بين المتغايرين وتنبىء عن الحصر فيقال العدد زوج أو فرد، ولهذا لا يصح أن يقال هو زيد أو عمرو، ولهذا يقال العدد زوج أو خمسة أو غيرهما، إذا علم هذا فقال القائل لألزمنك أو تقضيني حقي يفهم منه أن الزمان انحصر في قسمين: قسم يكون فيه الملازمة، وقسم يكون فيه قضاء الحق، فلا يكون بين الملازمة وقضاء الحق زمان لا يوجد فيه الملازمة ولا قضاء الحق، فيكون في قوله لألزمنك أو تقضيني، كما حكي في قول القائل، لألزمنك إلى أن تقضيني، لامتداد زمان الملازمة إلى القضاء، وهذا ما يضعف قول القائل الداعي هو عمر والقوم فارس والروم لأن الفريقين يقران بالجزية، فالقتال معهم لا يمتد إلى الإسلام لجواز أن يؤدوا الجزية، وقوله تعالى: {فإن تطيعوا يؤتكم اللّه أجرا حسنا وإن تتولوا كما توليتم من قبل} فيه فائدة لأن التولي إذا كان بعذر كما قال تعالى: {ليس على الاعمى حرج} (النور: ٦١) لا يكون للمتولي عذاب أليم، فقال: {وإن تتولوا كما توليتم} يعني إن كان توليكم بناء على الظن الفاسد والاعتقاد الباطل كما كان حيث قلتم بألسنتكم لا بقلوبكم {شغلتنا أموالنا} (الفتح: ١١) فاللّه يعذبكم عذابا أليما. ١٧{ليس على الاعمى حرج ولا على الاعرج حرج ...}. بين من يجوز له التخلف وترك الجهاد وما بسببه يجوز ترك الجهاد وهو ما يمنع من الكر والفر وبين ذلك ببيان ثلاثة أصناف الأول: {الاعمى} فإنه لا يمكنه الإقدام على العدو والطلب ولا يمكنه الاحتراز والهرب، والأعرج كذلك والمريض كذلك، وفي معنى الأعرج الأقطع والمقعد، بل ذلك أولى بأن يعذر، ومن به عرج لا يمنعه من الكر والفر لا يعذر، وكذلك المرض القليل الذي لا يمنع من الكر والفر كالطحال والسعال إذ به يضعف وبعض أوجاع المفاصل لا يكون عذرا وفيه مسائل: المسألة الأولى: أن هذه أعذار تكون في نفس المجاهد ولنا أعذار خارجة كالفقر الذي لا يتمكن صاحبه من استصحاب ما يحتاج إليه والاشتغال بمن لولاه لضاع كطفل أو مريض، والأعذار تعلم من الفقه ونحن نبحث فيما يتعلق بالتفسير في بيان مسائل: المسألة الأولى: ذكر الأعذار التي في السفر، لأن غيرها ممكن الإزالة بخلاف العرج والعمى. المسألة الثانية: اقتصر منها على الأصناف الثلاثة، لأن العذر أما أن يكون بإخلال في عضو أو بإخلال في القوة، والذي بسبب إخلال العضو، فإما أن يكون بسبب اختلال في العضو الذي به الوصول إلى العدو والانتقال في مواضع القتال، أو في العضو الذي تتم به فائدة الحصول في المعركة والوصول، والأول: هو الرجل، والثاني: هو العين، لأن بالرجل يحصل الانتقال، وبالعين يحصل الانتفاع في الطلب والهرب. وأما الأذن والأنف واللسان وغيرها من الأعضاء، فلا مدخل لها في شيء من الأمرين، بقيت اليد، فإن المقطوع اليدين لا يقدر على شيء، وهو عذر واضح ولم يذكره، نقول: لأن فائدة الرجل وهي الانتقال تبطل بالخلل في إحداهما، وفائدة اليد وهي الضراب والبطش لا تبطل إلا ببطلان اليدين جميعا، ومقطوع اليدين لا يوجد إلا نادرا، ولعل في جماعة النبي صلى اللّه عليه وسلم لم يكن أحد مقطوع اليدين فلم يذكره، أو لأن المقطوع ينتفع به في الجهاد، فإنه ينظر ولولاه لاستقل به مقاتل فيمكن أن يقاتل، وهو غير معذور في التخلف، لأن المجاهدين ينتفعون به بخلاف الأعمى، فإن قيل كما أن مقطوع اليد الواحدة لا تبطل منفعة بطشه كذلك الأعور لا تبطل منفعة رؤيته، وقد ذكر الأعمى، وما ذكر الأشل وأقطع اليدين، قلنا لما بينا أن مقطوع اليدين نادر الوجود والآفة النازلة بإحدى اليدين لا تعمهما والآفة النازلة بالعين الواحدة تعم العينين لأن منبع النور واحد وهما متجاذبان والوجود يفرق بينهما، فإن الأعمى كثير الوجود ومقطوع اليدين نادر. المسألة الثالثة: قدم الآفة في الآلة على الآفة في القوة، لأن الآفة في القوة تزول وتطرأ، والآفة في الآلة إذ طرأت لا تزول، فإن الأعمى لا يعود بصيرا فالعذر في محل الآلة أتم. المسألة الرابعة: قدم الأعمى على الأعرج، لأن عذر الأعمى يستمر ولو حضر القتال، والأعرج إن حضر راكبا أو بطريق آخر يقدر على القتال بالرمي وغيره. ١٨{لقد رضي اللّه عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة ...}. اعلم أن طاعة كل واحد منهما طاعة الآخر فجمع بينهما بيانا لطاعة اللّه، فإن اللّه تعالى لو قال: ومن يطع اللّه، كان لبعض الناس أن يقول: نحن لا نرى اللّه ولا نسمع كلامه، فمن أين نعلم أمره حتى نطيعه؟ فقال طاعته في طاعة رسوله وكلامه يسمع من رسوله. ثم قال: {ومن يتول} أي بقلبه، ثم لما بين حال المخلفين بعد قوله {إن الذين يبايعونك إنما يبايعون اللّه} (الفتح: ١٠) عاد إلى بيان حالهم وقال: {لقد رضي اللّه عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما فى قلوبهم} من الصدق كما علم ما في قلوب المنافقين من المرض {فأنزل السكينة عليهم} حتى بايعوا على الموت، وفيه معنى لطيف وهو أن اللّه تعالى قال قبل هذه الآية {ومن يطع اللّه ورسوله يدخله جنات} (الفتح: ١٧) فجعل طاعة اللّه والرسول علامة لإدخال اللّه الجنة في تلك الآية، وفي هذه الآية بين أن طاعة اللّه والرسول وجدت من أهل بيعة الرضوان، أما طاعة اللّه فالإشارة إليها بقوله {لقد رضي اللّه عن المؤمنين} وأما طاعة الرسول فبقوله {إذ يبايعونك تحت الشجرة} بقي الموعود به وهو إدخال الجنة أشار إليه بقوله تعالى: {لقد رضي اللّه عن المؤمنين} لأن الرضا يكون معه إدخال الجنة كما قال تعالى: {ويدخلهم جنات تجرى من تحتها الانهار خالدين فيها رضى اللّه عنهم} (المجادلة: ٢٢). ثم قال تعالى: {فعلم ما فى قلوبهم} والفاء للتعقيب وعلم اللّه قبل الرضا لأنه علم ما في قلوبهم من الصدق فرضي عنهم فكيف يفهم التعقيب في العلم؟ نقول قوله {فعلم ما فى قلوبهم} متعلق بقوله {إذا * يبايعونك تحت الشجرة} كما يقول القائل فرحت أمس إذ كلمت زيدا فقام إلي، أو إذ دخلت عليه فأكرمني، فيكون الفرح بعد الإكرام ترتيبا كذلك، ههنا قال تعالى: {لقد رضي اللّه عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما فى قلوبهم} من الصدق إشارة إلى أن الرضا لم يكن عند المبايعة فحسب، بل عند المبايعة التي كان معها علم اللّه بصدقهم، والفاء في قوله {فأنزل السكينة عليهم} للتعقيب الذي ذكرته فإنه تعالى رضي عنهم فأنزل السكينة عليهم، وفي علم بيان وصف المبايعة بكونها معقبة بالعلم بالصدق الذي في قلوبهم وهذا توفيق لا يتأتى إلا لمن هداه اللّه تعالى إلى معاني كتابه الكريم وقوله تعالى: {وأثابهم فتحا قريبا} هو فتح خيبر ١٩{ومغانم كثيرة يأخذونها} مغانمها وقيل مغانم هجر {وكان اللّه عزيزا} كامل القدرة غنيا عن إعانتكم إياه {حكيما} حيث جعل هلاك أعدائه على أيديكم ليثيبكم عليه أو لأن في ذلك إعزاز قوم وإذلال آخرين، فإنه يذل من يشاء بعزته ويعز من يشاء بحكمته. ٢٠{وعدكم اللّه مغانم كثيرة تأخذونها فعجل لكم هذه ...}. إشارة إلى أن ما أتاهم من الفتح والمغانم ليس هو كل الثواب بل الجزاء قدامهم، وإنما هي لعاجلة عجل بها، وفي المغانم الموعود بها أقوال، أصحها أنه وعدهم مغانم كثيرة من غير تعيين وكل ما غنموه كان منها واللّه كان عالما بها، وهذا كما يقول الملك الجواد لمن يخدمه: يكون لك مني على ما فعلته الجزاء إن شاء اللّه، ولا يريد شيئا بعينه، ثم كل ما يأتي به ويؤتيه يكون داخلا تحت ذلك الوعد، غير أن الملك لا يعلم تفاصيل ما يصل إليه وقت الوعد، وللّه عالم بها، وقوله تعالى: {وكف أيدى الناس عنكم} لإتمام المنة، كأنه قال رزقتكم غنيمة باردة من غير مس حر القتال ولو تعبتم فيه لقلتم هذا جزاء تعبنا، وقوله تعالى: {ولتكون ءاية للمؤمنين} عطف على مفهوم لأنه لما قال اللّه تعالى: {فعجل لكم هذه} واللام ينبىء عن النفع كما أن علي ينبىء عن الضر القائل لا علي ولا ليا بمعنى لا ما أتضرر به ولا ما أنتفع به ولا أضر به ولا أنفع، فكذلك قوله {فعجل لكم هذه} لتنفعكم {ولتكون ءاية للمؤمنين} وفيه معنى لطيف وهو أن المغانم الموعود بها كل ما يأخذه المسلمون فقوله {ولتكون ءاية للمؤمنين} يعني لينفعكم بها وليجعلها لمن بعدكم آية تدلهم على أن ما وعدهم اللّه يصل إليهم كما وصل إليكم، أو نقول: معناه لتنفعكم في الظاهر وتنفعكم في الباطن حيث يزداد يقينكم إذا رأيتم صدق الرسول في إخباره عن الغيوب فتجمل أخباركم ويكمل اعتقادكم، وقوله {ويهديكم صراطا مستقيما} وهو التوكل عليه والتفويض إليه والاعتزاز به. ٢١{وأخرى لم تقدروا عليها قد أحاط اللّه بها وكان اللّه على كل شىء قديرا}. قيل غنيمة هوازن، وقيل غنائم فارس والروم وذكر الزمخشري في أخرى ثلاثة أوجه أن تكون منصوبة بفعل مضمرر يفسره {قد أحاط} و {لم تقدروا عليها} صفة لأخرى كأنه يقول وغنيمة أخرى غير مقدورة {قد أحاط اللّه بها} ثانيها: أن تكون مرفوعة، وخبرها {قد أحاط اللّه بها} وحسن جعلها مبتدأ مع كونه نكرة لكونها موصوفة بلم تقدروا وثالثها: الجر بإضمار رب ويحتمل أن يقال منصوبة بالعطف على منصوب وفيه وجهان أحدهما: كأنه تعالى قال: {فعجل لكم هذه} وأخرى ما قدرتم عليها وهذا ضعيف لأن أخرى لم يعجل بها وثانيهما: على مغانم كثيرة تأخذونها، وأخرى أي وعدكم اللّه أخرى، وحينئذ كأنه قال: وعدكم اللّه مغانم تأخذونها ومغانم لا تأخذونها أنتم ولا تقدرون عليها، وإنما يأخذها من يجيء بعدكم من المؤمنين وعلى هذا تبين لقول الفراء حسن، وذلك لأنه فسر قوله تعالى: {قد أحاط اللّه بها} أي حفظها للمؤمنين لا يجري عليها هلاك إلى أن يأخذها المسلمون كإحاطة الحراس بالخزائن. ٢٢{ولو قاتلكم الذين كفروا لولوا الادبار ثم لا يجدون وليا ولا نصيرا}. وهو يصلح جوابا لمن يقول: كف الأيدي عنهم كان أمرا اتفاقيا، ولو اجتمع عليهم العرب كما عزموا لمنعوهم من فتح خيبر واغتنام غنائمها، فقال ليس كذلك، بل سواء قاتلوا أو لم يقاتلوا لا ينصرون، والغلبة واقعة للمسلمين، فليس أمرهم أمرا اتفاقيا، بل هو إلهي محكوم به محتوم. وقوله تعالى: {ثم لا يجدون وليا ولا نصيرا}.قد ذكرنا مرارا أن دفع الضرر عن الشخص أما أن يكون بولي ينفع باللطف، أو بنصير يدفع بالعنف، وليس للذين كفروا شيء من ذلك، وفي قوله تعالى: {ثم} لطيفة وهي أن من يولي دبره يطلب الخلاص من القتل بالالتحاق بما ينجيه، فقال وليس إذا ولوا الأدبار يتخلصون، بل بعد التولي الهلاك لاحق بهم. ٢٣{سنة اللّه التى قد خلت من قبل ولن تجد لسنة اللّه تبديلا}. جواب عن سؤال آخر يقوم مقام الجهاد وهو أن الطوالع لها تأثيرات، والاتصالات لها تغيرات، فقال ليس كذلك (بل) سنة اللّه نصرة رسوله، وإهلاك عدوه. وقوله تعالى: {ولن تجد لسنة اللّه تبديلا}. بشارة ودفع وهن يقع بسبب وهم، وهو أنه إذا قال اللّه تعالى ليس هذا بالتأثيرات فلا يجب وقوعه، بل اللّه فاعل مختار، ولو أراد أن يهلك العباد لأهلكهم، بخلاف قول المنجم بأن الغلب لمن له طالع وشواهد تقتضي غلبته قطعا، فقال اللّه تعالى: {ولن تجد لسنة اللّه تبديلا} يعني أن اللّه فاعل مختار يفعل ما يشاء ويقدر على إهلاك أصدقائه، ولكن لا يبدل سنته ولا يغير عادته. ٢٤{وهو الذى كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة ...}. تبيينا لما تقدم من قوله {ولو قاتلكم الذين كفروا لولوا الادبار} (الفتح: ٢٢) أي هو بتقدير اللّه، لأنه كف أيديهم عنكم بالفرار، وأيديكم عنهم بالرجوع عنهم وتركهم، وقوله تعالى: {ببطن مكة} إشارة إلى أمر كان هناك يقتضي عدم الكف، ومع ذاك وجد كف الأيدي، وذلك الأمر هو دخول المسلمين ببطن مكة، فإن ذلك يقتضي أن يصبر المكفوف على القتال لكون العدو دخل دارهم طالبين ثأرهم، وذلك مما يوجب اجتهاد البليد في الذب عن الحريم، ويقتضي أن يبالغ المسلمون في الاجتهاد في الجهاد لكونهم لو قصروا لكسروا وأسروا لبعد مأمنهم، فقوله {ببطن مكة} إشارة إلى بعد الكف، ومع ذلك وجد بمشيئة اللّه تعالى، وقوله تعالى: {من بعد أن أظفركم عليهم} صالح لأمرين أحدهما: أن يكون منة على المؤمنين بأن الظفر كان لكم، مع أن الظاهر كان يستدعي كون الظفر لهم لكون البلاد لهم، ولكثرة عددهم الثاني: أن يكون ذكر أمرين مانعين من الأمرين الأولين، مع أن اللّه حققهما مع المنافقين، أما كف أيدي الكفار، فكان بعيدا لكونهم في بلادهم ذابين عن أهليهم وأولادهم، وإليه أشار بقوله {ببطن مكة} وأما كف أيدي المسلمين، فلأنه كان بعد أن ظفروا بهم، ومتى ظفر الإنسان بعدوه الذي لو ظفر هو به لاستأصله يبعد انكفافه عنه، مع أن اللّه كف اليدين. وقوله تعالى: {وكان اللّه بما تعملون بصيرا}. يعني كان اللّه يرى فيه من المصلحة، وإن كنتم لا ترون ذلك، وبينه بقوله تعالى: {هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام والهدى معكوفا} إلى أن قال: {ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات} (الفتح: ٢٥) يعني كان الكف محافظة على ما في مكة من المسلمين ليخرجوا منها، ويدخلوها على وجه لا يكون فيه إيذاء من فيها من المؤمنين والمؤمنات، واختلف المفسرون في ذلك الكف منهم من قال المراد ما كان عام الفتح، ومنهم من قال ما كان عام الحديبية، فإن المسلمين هزموا جيش الكفار حتى أدخلوهم بيوتهم، وقيل إن الحرب كان بالحجارة. ٢٥وقوله تعالى: {هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام والهدى معكوفا أن يبلغ محله}. إشارة إلى أن الكف لم يكن لأمر فيهم لأنهم كفروا وصدوا وأحصروا، وكل ذلك يقتضي قتالهم، فلا يقع لأحد أن الفريقين اتفقوا، ولم يبق بينهما خلاف واصطلحوا، ولم يبق بينهما نزاع، بل الاختلاف باق والنزاع مستمر، لأنهم هم الذين كفروا وصدوكم ومنعوا فازدادوا كفرا وعداوة، وإنما ذلك للرجال المؤمنين والنساء المؤمنات، وقوله {والهدى} منصوب على العطف على كم في {صدوكم} ويجوز الجر عطفا على المسجد، أي وعن الهدي. و {معكوفا} حال و {أن يبلغ} تقديره على أن يبلغ، ويحتمل أن يقال {أن يبلغ محله} رفع، تقديره معكوفا بلوغه محله، كما يقال: رأيت زيدا شديدا بأسه، ومعكوفا، أي ممنوعا، ولا يحتاج إلى تقدير عن على هذا الوجه. وقوله تعالى: {ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم أن تطئوهم فتصيبكم منهم معرة بغير علم}. وصف الرجال والنساء، يعني لولا رجال ونساء يؤمنون غير معلومين، وقوله تعالى: {أن تطئوهم} بدل اشتمال، كأنه قال: رجال غير معلومي الوطء فتصيبكم منهم معرة عيب أو إثم، وذلك لأنكم ربما تقتلونهم فتلزمكم الكفارة وهي دليل الإثم، أو يعيبكم الكفار بأنهم فعلوا بإخوانهم ما فعلوا بأعدائهم، وقوله تعالى: {بغير علم} قال الزمخشري: هو متعلق بقوله {أن تطئوهم} يعني تطئوهم بغير علم، وجاز أن يكون بدلا عن الضمير المنصوب في قوله {لم تعلموهم} ولقائل أن يقول: يكون هذا تكرارا، لأن على قولنا هو بدل من الضمير يكون التقدير: لم تعلموا أن تطئوهم بغير علم، فيلزم تكرار بغير علم الحصول بقوله {لم تعلموهم} فالأولى أن يقال {بغير علم} هو في موضعه تقديره: لم تعلموا أن تطئوهم فتصيبكم منهم معرة بغير علم، من يعركم ويعيب عليكم، يعني إن وطأتموهم غير عالمين يصبكم مسبة الكفار {بغير علم} أي بجهل لا يعلمون أنكم معذورون فيه، أو نقول تقديره: لم تعلموا أن تطئوهم فتصيبكم منهم معرة بغير علم، أي فتقتلوهم بغير علم، أو تؤذوهم بغير علم، فيكون الوطء سبب القتل، والوطء غير معلوم لكم، والقتل الذي هو بسبب المعرة وهو الوطء الذي يحصل بغير علم. أو نقول: المعرة قسمان أحدهما: ما يحصل من القتل العمد ممن هو غير العالم بحال المحل والثاني: ما يحصل من القتل خطأ، وهو غير عدم العلم، فقال: تصيبكم منهم معرة غير معلومة، لا التي تكون عن العلم وجواب: لولا محذوف تقديره: لولا ذلك لما كف أيديكم عنهم، هذا ما قاله الزمخشري وهو حسن، ويحتمل أن يقال جوابه: ما يدل عليه قوله تعالى: {هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام} يعني قد استحقوا لأن لا يهملوا، ولولا رجال مؤمنون لوقع ما استحقوه، كما يقول القائل: هو سارق ولولا فلان لقطعت يده، وذلك لأن لولا لا تستعمل إلا لامتناع الشيء لوجود غيره وامتناع الشيء لا يكون إلا إذا وجد المقتضي له فمنعه الغير فذكر اللّه تعالى أولا المقتضي التام البالغ وهو الكفر والصد والمنع، وذكر ما امتنع لأجله مقتضاه وهو وجود الرجال المؤمنين. وقوله تعالى: {ليدخل اللّه فى رحمته من يشاء لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما} فيه أبحاث: الأول: في الفعل الذي يستدعي اللام الذي بسببه يكون الإدخال وفيه وجوه أحدها: أن يقال هو قوله {كف * أيديكم * عنهم} ليدخل، لا يقال بأنك ذكرت أن المانع وجود رجال مؤمنين فيكون كأنه قال: كف أيديكم لئلا تطئوا فكيف يكون لشيء آخر؟ نقول الجواب عنه من وجهين أحدهما: أن نقول كف أيديكم لئلا تطئوا لتدخلوا كما يقال أطعمته ليشبع ليغفر اللّه لي أي الإطعام للشابع كان ليغفر الثاني: هو أنا بينا أن لولا جوابه ما دل عليه قوله {هم الذين كفروا} فيكون كأنه قال هم الذين كفروا واستحقوا التعجل في إهلاكهم، ولولا رجال لعجل بهم ولكن كف أيديكم ليدخل ثانيها: أن يقال فعل ما فعل ليدخل لأن هناك أفعالا من الألطاف والهداية وغيرهما، وقوله {ليدخل اللّه فى رحمته من يشاء} ليؤمن منهم من علم اللّه تعالى أنه يؤمن في تلك السنة أو ليخرج من مكة ويهاجر فيدخلهم في رحمته وقوله تعالى: {لو تزيلوا} أي لو تميزوا، والضمير يحتمل أن يقال هو ضمير الرجال المؤمنين والنساء المؤمنات، فإن قيل كيف يصح هذا وقد قلتم بأن جواب لولا محذوف وهو قوله لما كف أو لعجل ولو كان {لو تزيلوا} راجعا إلى الرجال لكان لعذبنا جواب لولا؟ نقول وقد قال به الزمخشري فقال: {لو تزيلوا} يتضمن ذكر لولا فيحتمل أن يكون لعذبنا جواب لولا، ويحتمل أن يقال هو ضمير من يشاء، كأنه قال ليدخل من يشاء في رحمته لو تزيلوا هم وتميزوا وآمنوا لعذبنا الذين كتب اللّه عليهم أنهم لا يؤمنون، وفيه أبحاث: البحث الأول: وهو على تقدير نفرضه فالكلام يفيد أن العذاب الأليم اندفع عنهم، أما بسبب عدم التزييل، أو بسبب وجود الرجال وعلم تقدير وجود الرجال والعذاب الأليم لا يندفع عن الكافر، نقول المراد عذابا عاجلا بأيديكم يبتدىء بالجنس إذ كانوا غير مقرنين ولا منقلبين إليهم فيظهرون ويقتدرون يكون أليما. البحث الثاني: ما الحكمة في ذكر المؤمنين والمؤمنات مع أن المؤنث يدخل في ذكر المذكر عند الاجتماع؟ قلنا الجواب عنه من وجهين أحدهما: ما تقدم يعني أن الموضع موضع وهم اختصاص الرجال بالحكم لأن قوله {تطئوهم فتصيبكم} معناه تهلكوهم والمراد لا تقاتل ولا تقتل فكان المانع وهو وجود الرجال المؤمنين فقال: والنساء المؤمنات أيضا لأن تخريب بيوتهن ويتم أولادهن بسبب رجالهن وطأة شديدة وثانيهما: أن في محل الشفقة تعد المواضع لترقيق القلب، يقال لمن يعذب شخصا لا تعذبه وارحم ذله وفقره وضعفه، ويقال أولاده وصغاره وأهله الضعفاء العاجزين، فكذلك ههنا قال: {لولا * رجال مؤمنون ونساء مؤمنات} لترقيق قلوب المؤمنات ورضاهم بما جرى من الكف بعد الظفر. ٢٦{إذ جعل الذين كفروا فى قلوبهم الحمية حمية الجاهلية ...}. {إذ} يحتمل أن يكون ظرفا فلا بد من فعل يقع فيه ويكون عاملا له، ويحتمل أن يكون مفعولا به، فإن قلنا إنه ظرف فالفعل الواقع فيه يحتمل أن يقال هو مذكور، ويحتمل أن يقال هو مفهوم غير مذكور، فإن قلنا هو مذكور ففيه وجهان أحدهما: هو قوله تعالى: {وصدوكم} (الفتح: ٢٥) أي وصدوكم حين جعلوا في قلوبهم الحمية وثانيها: قوله تعالى: {لعذبنا الذين كفروا منهم} (الفتح: ٢٥) أي لعذبناهم حين جعلوا في قلوبهم الحمية والثاني: أقرب لقربه لفظا وشدة مناسبته معنى لأنهم إذا جعلوا في قلوبهم الحمية لا يرجعون إلى الاستسلام والانقياد، والمؤمنون لما أنزل اللّه عليهم السكينة لا يتركون الاجتهاد في الجهاد واللّه مع المؤمنين فيعذبونهم عذابا أليما أو غير المؤمنين، وأما إن قلنا إن ذلك مفهوم غير مذكور ففيه وجهان أحدهما: حفظ اللّه المؤمنين عن أن يطئوهم وهم الذين كفروا الذين جعل في قلوبهم الحمية وثانيها: أحسن اللّه إليكم إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية، وعلى هذا فقوله تعالى: {فأنزل اللّه سكينته} تفسير لذلك الإحسان، وأما إن قلنا إنه مفعول به، فالعامل مقدر تقديره أذكر، أي: أذكر ذلك الوقت، كما تقول أتذكر إذ قام زيد، أي أتذكر وقت قيامه كما تقول أتذكر زيدا، وعلى هذا يكون الظرف للفعل المضاف إليه عاملا فيه، وفي. لطائف معنوية ولفظية: الأولى: هو أن اللّه تعالى أبان غاية البون بين الكافر والمؤمن، فأشار إلى ثلاثة أشياء أحدها: جعل ما للكافرين بجعلهم فقال: {إذ جعل الذين كفروا} وجعل ما للمؤمنين بجعل اللّه، فقال: {فأنزل اللّه} وبين الفاعلين ما لا يخفى ثانيها: جعل للكافرين الحمية وللمؤمنين السكينة وبين المفعولين تفاوت على ما سنذكره ثالثها: أضاف الحمية إلى الجاهلية وأضاف السكينة إلى نفسه حيث قال: حمية الجاهلية، وقال: سكينته، وبين الإضافتين ما لا يذكر الثانية: زاد المؤمنين خيرا بعد حصول مقابلة شيء بشيء فعلهم بفعل اللّه والحمية بالسكينة والإضافة إلى الجاهلية بالإضافة إلى اللّه تعالى: {وألزمهم كلمة التقوى} وسنذكر معناه، وأما اللفظية فثلاث لطائف الأولى: قال في حق الكافر (جعل) وقال في حق المؤمن (أنزل) ولم يقل خلق ولا جعل سكينته إشارة إلى أن الحمية كانت مجعولة في الحال في العرض الذي لا يبقى، وأما السكينة فكانت كالمحفوظة في خزانة الرحمة معدة لعباده فأنزلها الثانية: قال الحمية ثم أضافها بقوله {حمية الجاهلية} لأن الحمية في نفسها صفة مذمومة وبالإضافة إلى الجاهلية تزداد قبحا، وللحمية في القبح درجة لا يعتبر معها قبح القبائح كالمضاف إلى الجاهلية. وأما السكينة في نفسها وإن كانت حسنة لكن الإضافة إلى اللّه فيها من الحسن ما لا يبقى معه لحسن اعتبار، فقال {سكينته} اكتفاه بحسن الإضافة الثالثة: قوله {فأنزل} بالفاء لا بالواو إشارة إلى أن ذلك كالمقابلة تقول أكرمني فأكرمته للمجازاة والمقابلة ولو قلت أكرمني وأكرمكته لا ينبىء عن ذلك، وحينئذ يكون فيه لطيفة: وهي أن عند اشتداد غضب أحد العدوين فالعدو الآخر أما أن يكون ضعيفا أو قويا، فإن كان ضعيفا ينهزم وينقهر وإن كان قويا فيورث غضبه فيه غضبا، وهذا سبب قيام الفتن والقتال فقال في نفس الحركة عند حركتهم ما أقدمنا وما انهزمنا، وقوله تعالى: {فأنزل اللّه} بالفاء يدل تعلق الإنزال بالفاء على ترتيبه على شيء، نقول فيه وجهان: أحدهما: ما ذكرنا من أن إذ ظرف كأنه قال أحسن اللّه {إذ جعل الذين كفروا} وقوله {فأنزل} تفسير لذلك الإحسان كما يقال أكرمني فأعطاني لتفسير الإكرام وثانيهما: أن تكون الفاء للدلالة على أن تعلق إنزال السكينة بجعلهم الحمية في قلوبهم على معنى المقابلة، تقول أكرمني فأثنيت عليه، ويجوز أن يكونا فعلين واقعين من غير مقابلة، كما تقول جاءني زيد وخرج عمرو، وهو هنا كذلك لأنهم لما جعلوا في قلوبهم الحمية فالمسلمون على مجرى العادة لو نظرت إليهم لزم أن يوجد منهم أحد الأمرين: أما إقدام، وأما انهزام لأن أحد العدوين إذا اشتد غضبه فالعدو الآخر إن كان مثله في القوة يغضب أيضا وهذا يثير الفتن، وإن كان أضعف منه ينهزم أو ينقاد له فاللّه تعالى أنزل في مقابلة حمية الكافرين على المؤمنين سكينته حتى لم يغضبوا ولم ينهزموا بل يصبروا، وهو بعيد في العادة فهو من فضل اللّه تعالى، قوله تعالى: {على رسوله وعلى المؤمنين} فإنه هو الذي أجاب الكافرين إلى الصلح، وكان في نفس المؤمنين أن لا يرجعوا إلا بأحد الثلاثة بالنحر في المنحر، وأبوا أن لا يكتبوا محمدا رسول اللّه وبسم اللّه، فلما سكن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم سكن المؤمنون، وقوله تعالى: {وألزمهم كلمة التقوى} فيه وجوه أظهرها أنه قول لا إله إلا اللّه فإن بها يقع الاتقاء عن الشرك، وقيل هو بسم اللّه الرحمان الرحيم ومحمد رسول اللّه فإن الكافرين أبوا ذلك والمؤمنون التزموه، وقيل هي الوفاء بالعهد إلى غير ذلك ونحن نوضح فيه ما يترجح بالدليل فنقول {وألزمهم} يحتمل أن يكون عائدا إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم والمؤمنين جميعا يعني ألزم النبي والمؤمنين كلمة التقوى، ويحتمل أن يكون عائدا إلى المؤمنين فحسب، فإن قلنا إنه عائد إليهما جميعا نقول هو الأمر بالتقوى فإن اللّه تعالى قال للنبي صلى اللّه عليه وسلم : {ياأيها النبى اتق اللّه ولا تطع الكافرين} (الأحزاب: ١) وقال للمؤمنين {مستقيم ياأيها الذين ءامنوا اتقوا اللّه حق تقاته} (آل عمران: ١٠٢) والأمر بتقوى اللّه حتى تذهله تقواه عن الالتفات إلى ما سوى اللّه، كما قال في حق النبي صلى اللّه عليه وسلم {اتق اللّه ولا تطع الكافرين} وقال تعالى: {وتخشى الناس واللّه أحق أن تخشاه} (الأحزاب: ٧٧) ثم بين له حال من صدقه بقوله {الذين يبلغون رسالات اللّه ويخشونه ولا يخشون أحدا إلا اللّه} (الأحزاب: ٣٩) أما في حق المؤمنين فقال: {مستقيم ياأيها الذين ءامنوا اتقوا اللّه حق تقاته} وقال: {فلا تخشوهم واخشونى} (البقرة: ١٥٠) وإن قلنا بأنه راجع إلى المؤمنين فهو قوله تعالى: {وما ءاتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} (الحشر: ٧) ألا ترى إلى قوله {واتقوا اللّه} (الحجرات: ١) وهو قوله تعالى: {عظيما ياأيها الذين ءامنوا لا تقدموا بين يدى اللّه ورسوله} وفي معنى قوله تعالى: {وألزمهم كلمة التقوى} على هذا معنى لطيف وهو أنه تعالى إذا قال: (اتقوا) يكون الأمر واردا ثم إن من الناس من يقبله بتوفيق اللّه ويلتزمه ومنهم من لا يلتزمه ومن التزمه فقد التزمه بإلزام اللّه إياه فكأنه قال تعالى: {وألزمهم كلمة التقوى} وفي هذا المعنى رجحان من حيث إن التقوى وإن كان كاملا ولكنه أقرب إلى الكلمة، وعلى هذا فقوله {وكانوا أحق بها وأهلها} معناه أنهم كانوا عند اللّه أكرم الناس فألزموا تقواه، وذلك لأن قوله تعالى: {إن أكرمكم عند اللّه أتقاكم} (الحجرات: ١٣) يحتمل وجهين أحدهما: أن يكون معناه أن من يكون تقواه أكثر يكرمه اللّه أكثر والثاني: أن يكون معناه أن من سيكون أكرم عند اللّه وأقرب إليه كان أتقى، كما في قوله "والمخلصون على خطر عظيم" وقوله تعالى: {هم من خشية ربهم مشفقون} (المؤمنون: ٥٧) وعلى الوجه الثاني يكون معنى قوله {وكانوا أحق بها} لأنهم كانوا أعلم باللّه لقوله تعالى: {إنما يخشى اللّه من عباده العلماء} (فاطر: ٢٨) وقوله {وأهلها} يحتمل وجهين أحدهما: أنه يفهم من معنى الأحق أنه يثبت رجحانا على الكافرين إن لم يثبت إلهلية، كما لو اختار الملك اثنين لشغل وكل واحد منهما غير صالح له ولكن أحدهما أبعد عن الاستحقاق فقال في الأقرب إلى الاستحقاق إذا كان ولا بد فهذا أحق، كما يقال الحبس أهون من القتل مع أنه لاهين هناك فقال: {وأهلها} دفعا لذلك الثاني: وهو أقوى وهو أن يقال قوله تعالى: {وأهلها} فيه وجوه نبينها بعد ما نبين معنى الأحق، فنقول هو يحتمل وجهين أحدهما: أن يكون الأحق بمعنى الحق لا للتفضيل كما في قوله تعالى: {خير مقاما وأحسن نديا} (مريم: ٧٣) إذ لا خير في غيره والثاني: أن يكون للتفضيل وهو يحتمل وجهين أحدهما: أن يكون بالنسبة إلى غيرهم أي المؤمنون أحق من الكافرين والثاني: أن يكون بالنسبة إلى كلمة التقوى من كلمة أخرى غير تقوى، تقول زيد أحق بالإكرام منه بإلهانة، كما إذا سأل شخص عن زيد إنه بالطب أعلم أو بالفقه، نقول هو بالفقه أعلم أي من الطب. ٢٧{لقد صدق اللّه رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام ...}. بيان لفساد ما قاله المنافقون بعد إنزال اللّه السكينة على رسوله وعلى المؤمنين ووقوفهم عند ما أمروا به من عدم الإقبال على القتال وذلك قولهم ما دخلنا المسجد الحرام ولا حلقنا ولا قصرنا حيث كان النبي صلى اللّه عليه وسلم رأى في منامه أن المؤمنين يدخلون مكة ويتمون الحج ولم يعين له وقتا فقص رؤياه على المؤمنين، فقطعوا بأن الأمر كما رأى لنبي صلى اللّه عليه وسلم في منامه وظنوا أن الدخول يكون عام الحديبية، واللّه أعلم أنه لا يكون إلا عام الفتح فلما صالحوا ورجعوا قال المنافقون استهزاء ما دخلنا ولا حلقنا فقال تعالى: {لقد صدق اللّه رسوله الرؤيا بالحق} وتعدية صدق إلى مفعولين يحتمل أن يكون بنفسه، وكونه من الأفعال التي تتعدى إلى المفعولين ككلمة جعل وخلق، ويحتمل أن يقال عدى إلى الرؤيا بحرف تقديره صدق اللّه رسوله في الرؤيا، وعلى الأول معناه جعلها واقعة بين صدق وعده إذ وقع الموعود به وأتى به، وعلى الثاني معناه ما أراه اللّه لم يكذب فيه، وعلى هذا فيحتمل أن يكون رأى في منامه أن اللّه تعالى يقول ستدخلون المسجد الحرام فيكون قوله {صدق} ظاهرا لأن استعمال الصدق في الكلام ظاهر، ويحتمل أن يكون عليه الصلاة والسلام رأى أنه يدخل المسجد فيكون قوله {صدق اللّه} معناه أنه أتى بما يحقق المنام ويدل على كونه صادقا يقال صدقني سن بكره مثلا وفيما إذا حقق الأمر الذي يريه من نفسه، مأخوذ من الإبل إذا قيل له هدع سكن فحقق كونه من صغار الإبل، فإن هدع كلمة يسكن بها صغار الإبل وقوله تعالى: {بالحق} قال الزمخشري هو حال أو قسم أو صفة صدق، وعلى كونه حال تقديره صدقه الرؤيا ملتبسة بالحق وعلى تقدير كونه صفة تقديره صدقه صدقا ملتبسا بالحق وعلى تقدير كونه قسما، أما أن يكون قسما باللّه فإن الحق من أسمائه، وأما أن يكون قسما بالحق الذي هو نقيض الباطل هذا ما قاله، ويحتمل أن يقال (إن) فيه وجهين آخرين: أحدهما: أن يقال فيه تقديم تأخير تقديره: صدق اللّه رسوله بالحق الرؤيا، أي الرسول الذي هو رسول بالحق وفيه إشارة إلى امتناع الكذب في الرؤيا لأنه لما كان رسولا بالحق فلا يرى في منامه الباطل والثاني: أن يقال بأن قوله {لتدخلن المسجد الحرام} إن قلنا بأن الحق قسم فأمر اللام ظاهر، وإن لم يقل به فتقديره: لقد صدق اللّه رسوله الرؤيا بالحق، واللّه لتدخلن، وقوله: واللّه لتدخلن، جاز أن يكون تفسيرا للرؤيا يعني الرؤيا هي: واللّه لتدخلن، وعلى هذا تبين أن قوله {صدق اللّه} كان في الكلام لأن الرؤيا كانت كلاما، ويحتمل أن يكون تحقيقا لقوله تعالى: {صدق اللّه رسوله} يعني واللّه ليقعن الدخول وليظهرن الصدق فلتدخلن ابتداء كلام وقوله تعالى: {إن شاء اللّه} فيه وجوه أحدها: أنه ذكره تعليما للعباد الأدب وتأكيدا لقوله تعالى: {ولا تقولن لشىء إنى فاعل ذالك غدا * إلا أن يشاء اللّه} (الكهف: ٢٣، ٢٤) الثاني: هو أن الدخول لما لم يقع عام الحديبية، وكان المؤمنون يريدون الدخول ويأبون الصلح قال: {لتدخلن} ولكن لا بجلادتكم ولا بإرادتكم، إنما تدخلون بمشيئة اللّه تعالى الثالث: هو أن اللّه تعالى لما قال في الوحي المنزل على النبي صلى اللّه عليه وسلم {لتدخلن} ذكر أنه بمشيئة اللّه تعالى لأن ذلك من اللّه وعد ليس عليه دين، ولا حق واجب، ومن وعد بشيء لا يحققه إلا بمشيئة اللّه تعالى وإلا فلا يلزمه به أحد، وإذا كان هذا حال الموعود به في الوحي المنزل صريحا في اليقظة فما ظنكم بالوحي بالمنام وهو يحتمل التأويل أكثر مما يحتمله الكلام، فإذا تأخر الدخول لم يستهزئون؟ الرابع: هو أن ذلك تحقيقا للدخول وذلك لأن أهل مكة قالوا لا تدخلوها إلا بإرادتنا ولا نريد دخولكم في هذه السنة، ونختار دخولكم في السنة القابلة، والمؤمنون أرادوا الدخول في عامهم ولم يقع. فكان لقائل أن يقول بقي الأمر موقوفا على مشيئة أهل مكة إن أرادوا في السنة الآتية يتركوننا ندخلها وإن كرهوا لا ندخلها فقال لا تشترط إرادتهم ومشيئتهم، بل تمام الشرط بمشيئة اللّه، وقوله {محلقين * رءوسكم *ومقصرين لا تخافون} إشارة إلى أنكم تتمون الحج من أوله إلى آخره، فقوله {لتدخلن} إشارة إلى الأول وقوله {محلقين} إشارة إلى الآخر، وفيه مسألتان: المسألة الأولى: {محلقين} حال الداخلين والداخل لا يكون الآن محرما، والمحرم لا يكون محلقا، فقوله {ءامنين} ينبىء عن الدوام فيه إلى الحلق فكأنه قال: تدخلونها آمنين متمكنين من أن تتموا الحج محلقين. المسألة الثانية: قوله تعالى: {لا تخافون} أيضا حال معناه غير خائفين، وذلك حصل بقوله تعالى: {ءامنين} فما الفائدة في إعادتها؟ نقول: فيه بيان كمال الأمن، وذلك لأن بعد الحلق يخرج الإنسان عن الإحرام فلا يحرم عليه القتال، وكان عند أهل مكة يحرم قتال من أحرم ومن دخل الحرم فقال: تدخلون آمنين، وتحلقون، ويبقى أمنكم بعد خروجكم عن الإحرام، وقوله تعالى: {فعلم ما لم تعلموا} أي من المصلحة وكون دخولكم في سنتكم سببا لوطء المؤمنين والمؤمنات أو {فعلم} للتعقيب، {فعلم} وقع عقيب ماذا؟ نقول إن قلنا المراد من {فعلم} وقت الدخول فهو عقيب صدق، وإن قلنا المراد {فعلم} المصلحة فالمعنى علم الوقوع والشهادة لا علم الغيب، والتقدير يعني حصلت المصلحة في العام القابل {فعلم ما لم تعلموا} من المصلحة المتجددة {فجعل من دون ذلك فتحا قريبا} أما صلح الحديبية، وأما فتح خيبر، وقد ذكرناه وقوله تعالى: {وكان اللّه بكل شىء عليما} يدفع وهم حدوث علمه من قوله {فعلم} وذلك لأن قوله {وكان اللّه بكل شىء عليما} يفيد سبق علمه العام لكل علم محدث. ٢٨ثم قال تعالى: {هو الذى أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ...}. تأكيدا لبيان صدق اللّه في رسوله الرؤيا، وذلك لأنه لما كان مرسلا لرسوله ليهدي، لا يريد ما لا يكون مهديا للناس فيظهر خلافه، فيقع ذلك سببا للضلال، ويحتمل وجوها أقوى من ذلك، وهو أن الرؤيا بحيث توافق الواقع تقع لغير الرسل، لكن رؤية الأشياء قبل وقوعها في اليقظة لا تقع لكل أحد فقال تعالى: {هو الذي أرسل رسوله بالهدى} وحكى له ما سيكون في اليقظة، ولا يبعد من أن يريه في المنام ما يقع فلا استبعاد في صدق رؤياه، وفيها أيضا بيان وقوع الفتح ودخول مكة بقوله تعالى: {ليظهره على الدين كله} أي من يقويه على الأديان لا يستبعد منه فتح مكة له و (الهدى) يحتمل أن يكون هو القرآن كما قال تعالى: {أنزل فيه القرآن هدى للناس} (البقرة: ١٨٥) وعلى هذا {دين الحق} هو ما فيه من الأصول والفروع، ويحتمل أن يكون الهدى هو المعجزة أي أرسله بالحق أي مع الحق إشارة إلى ما شرع، ويحتمل أن يكون الهدى هو الأصول و {دين الحق} هو الأحكام، وذلك لأن من الرسل من لم يكن له أحكام بل بين الأصول فحسب، والألف واللام في الهدى يحتمل أن تكون للاستغراق أي كل ما هو هدى، ويحتمل أن تكون للعهد وهو قوله تعالى: {ذالك هدى اللّه يهدى به من يشاء} (الزمر: ٢٣) وهو أما القرآن لقوله تعالى: {كتابا متشابها مثاني تقشعر} إلى أن قال: {ذالك هدى اللّه يهدى به من يشاء} (الزمر: ٢٣) وأما ما اتفق عليه الرسل لقوله تعالى: {أولئك الذين هدى اللّه فبهداهم اقتده} (الأنعام: ٩٠) والكل من باب واحد لأن ما في القرآن موافق لما اتفق عليه الأنبياء وقوله تعالى: {ودين الحق} يحتمل وجوها: أحدها: أن يكون الحق اسم اللّه تعالى فيكون كأنه قال: بالهدى ودين اللّه، وثانيها: أن يكون الحق نقيض الباطل فيكون كأنه قال: ودين الأمر الحق وثالثها: أن يكون المراد به الانقياد إلى الحق والتزامه {ليظهره} أي أرسله بالهدى وهو المعجز على أحد الوجوه {ليظهره على الدين كله} أي جنس الدين، فينسخ الأديان دون دينه، وأكثر المفسرين على أن الهاء في قوله {ليظهره} راجعة إلى الرسول، والأظهر أنه راجع إلى دين الحق أي أرسل الرسول بالدين الحق ليظهره أي ليظهر الدين الحق على الأديان وعلى هذا فيحتمل أن يكون الفاعل للاظهار هو اللّه، ويحتمل أن يكون هو النبي أي ليظهر النبي دين الحق، وقوله تعالى: {وكفى باللّه شهيدا} أي في أنه رسول اللّه وهذا مما يسلي قلب المؤمنين فإنهم تأذوا من رد الكفار عليهم العهد المكتوب، وقالوا لا نعلم أنه رسول اللّه فلا تكتبوا محمد رسول اللّه بل اكتبوا محمد بن عبد اللّه، فقال تعالى: {وكفى باللّه شهيدا} في أنه رسول اللّه، وفيه معنى لطيف وهو أن قول اللّه مع أنه كاف في كل شيء، لكنه في الرسالة أظهر كفاية، لأن الرسول لا يكون إلا بقول المرسل، فإذا قال ملك هذا رسولي، لو أنكر كل من في الدنيا أنه رسول فلا يفيد إنكارهم فقال تعالى أي خلل في رسالته بإنكارهم مع تصديقي إياه بأنه رسولي، وقوله {محمد رسول اللّه} فيه وجوه أحدها: خبر مبتدأ محذوف تقديره هو محمد الذي سبق ذكره بقوله {أرسل رسوله} ورسول اللّه عطف بيان وثانيها: أن محمدا مبتدأ خبره رسول اللّه وهذا تأكيد لما تقدم لأنه لما قال: {هو الذي أرسل رسوله} ولا تتوقف رسالته إلا على شهادته، وقد شهد له بها محمد رسول اللّهمن غير نكير ٢٩وثالثها: وهو مستنبط وهو أن يقال {محمد} مبتدأ و {رسول اللّه} عطف بيان سيق للمدح لا للتمييز {والذين معه} عطف على محمد، وقوله {أشداء} خبره، كأنه تعالى قال: {والذين معه} جميعهم {أشداء على الكفار رحماء بينهم} لأن وصف الشدة والرحمة وجد في جميعهم، أما في المؤمنين فكما في قوله تعالى: {أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين} (المائدة: ٥٤) وأما في حق النبي صلى اللّه عليه وسلم فكما في قوله {واغلظ عليهم} (التوبة: ٧٣) وقال في حقه {بالمؤمنين * رءوف * رحيم} (التوبة: ١٢٨) وعلى هذا قوله {تراهم} لا يكون خطابا مع النبي صلى اللّه عليه وسلم بل يكون عاما أخرج مخرج الخطاب تقديره أيها السامع كائنا من كان، كما قلنا إن الواعظ يقول انتبه قبل أن يقع الانتباه ولا يريد به واحدا بعينه، وقوله تعالى: {يبتغون فضلا من اللّه ورضوانا} لتمييز ركوعهم وسجودهم عن ركوع الكفار وسجودهم، وركوع المرائي وسجوده، فإنه لا يبتغي به ذلك. وفيه إشارة إلى معنى لطيف وهو أن اللّه تعالى قال الراكعون والساجدون {ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله} (فاطر: ٣٠) وقال الراكع يبتغي الفضل ولم يذكر الأجر لأن اللّه تعالى إذا قال لكم أجر كان ذلك منه تفضلا، وإشارة إلى أن عملكم جاء على ما طلب اللّه منكم، لأن الأجرة لا تستحق إلا على العمل الموافق للطلب من المالك، والمؤمن إذا قال أنا أبتغي فضلك يكون منه اعترافا بالتقصير فقال: {يبتغون فضلا من اللّه} ولم يقل أجرا. وقوله تعالى: {سيماهم فى وجوههم من أثر السجود} فيه وجهان أحدهما: أن ذلك يوم القيامة كما قال تعالى: {يوم تبيض وجوه} (آل عمران: ١٠٦) وقال تعالى: {نورهم يسعى} (التحريم: ٨) وعلى هذا فنقول نورهم في وجوههم بسبب توجههم نحو الحق كما قال إبراهيم عليه السلام: {إنى وجهت * العالمون * خلق اللّه السماوات والارض} (الأنعام: ٧٩) ومن يحاذي الشمس يقع شعاعها على وجهه، فيتبين على وجهه النور منبسطا، مع أن الشمس لها نور عارضي يقبل الزوال، واللّه نور السماوات والأرض فمن يتوجه إلى وجهه يظهر في وجهه نور يبهر الأنوار وثانيهما: أن ذلك في الدنيا وفيه وجهان أحدهما: أن المراد ما يظهر في الجباه بسبب كثرة السجود والثاني: ما يظهره اللّه تعالى في وجوه الساجدين ليلا من الحسن نهارا، وهذا محقق لمن يعقل فإن رجلين يسهران بالليل أحدهما قد اشتغل بالشراب واللعب والآخر قد اشتغل بالصلاة والقراءة واستفادة العلم فكل أحد في اليوم الثاني يفرق بين الساهر في الشرب واللعب، وبين الساهر في الذكر والشكر. وقوله تعالى: {ذلك مثلهم فى التوراة} فيه ثلاثة أوجه مذكورة أحدها: أن يكون {ذالك} مبتدأ، و {مثلهم فى التوراة ومثلهم فى الإنجيل} خبرا له، وقوله تعالى: {كزرع أخرج شطأه} خبرا مبتدأ محذوف تقديره ومثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع وثانيها: أن يكون خبر ذلك هو قوله {مثلهم فى التوراة} وقوله {ومثلهم فى الإنجيل} مبتدأ وخبره كزرع وثالثها: أن يكون ذلك إشارة غير معينة أوضحت بقوله تعالى: {كزرع} كقوله {ذلك الامر أن دابر هؤلآء مقطوع مصبحين} (الحجر: ٦٦) وفيه وجه رابع: وهو أن يكون ذلك خبرا له مبتدأ محذوف تقديره هذا الظاهر في وجوههم ذلك يقال ظهر في وجهه أثر الضرب، فنقول أي واللّه ذلك أي هذا ذلك الظاهر، أو الظاهر الذي تقوله ذلك. وقوله تعالى: {ومثلهم فى الإنجيل كزرع أخرج شطأه فازره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع}. أي وصفوا في الكتابين به ومثلوا بذلك وإنما جعلوا كالزرع لأنه أول ما يخرج يكون ضعيفا وله نمو إلى حد الكمال، فكذلك المؤمنون، والشطء الفرخ و {فازره} يحتمل أن يكون المراد أخرج الشطء وآزر الشطء، وهو أقوى وأظهر والكلام يتم عند قوله {يعجب الزراع}. وقوله تعالى: {ليغيظ بهم الكفار} أي تنمية اللّه ذلك ليغيظ أو يكون الفعل المعلل هو. وقوله تعالى: {وعد اللّه الذين ءامنوا وعملوا الصالحات} أي وعد ليغيظ بهم الكفار يقال رغما لأنفك أنعم عليه. وقوله تعالى: {منهم مغفرة وأجرا عظيما} لبيان الجنس لا للتبعيض، ويحتمل أن يقال هو للتبعيض، ومعناه: ليغيظ الكفار والذين آمنوا من الكفار لهم الأجر العظيم، والعظيم والمغفرة قد تقدم مرارا واللّه تعالى أعلم، وههنا لطيفة وهو أنه تعالى قال في حق الراكعين والساجدين إنهم {يبتغون فضلا من اللّه} وقال: لهم أجر ولم يقل لهم ما يطلبونه من ذلك الفضل وذلك لأن المؤمن عند العمل لم يلتفت إلى عمله ولم يجعل له أجرا يعتد به، فقال لا أبتغي إلا فضلك، فإن عملي نزر لا يكون له أجر واللّه تعالى آتاه ما آتاه من الفضل وسماه أجرا إشارة إلى قبول عمله ووقوعه الموقع وعدم كونه عند اللّه نزرا لا يستحق عليه المؤمن أجرا، وقد علم بما ذكرنا مرارا أن قوله {وعد اللّه الذين ءامنوا وعملوا الصالحات} لبيان ترتب المغفرة على الإيمان فإن كل مؤمن يغفر له كما قال تعالى: {إن اللّه لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} (النساء: ٤٨) والأجر العظيم على العمل الصالح واللّه أعلم. |
﴿ ٠ ﴾