ÓõæÑóÉõ ÇáÐøóÇÑöíóÇÊö ãóßøöíøóÉñ æóåöíó ÓöÊøõæäó ÂíóÉð Êفسير الفخر الرازي (التفسير الكبير) مفاتيح الغيب - الإمام العلامة فخر الدين الرازى أبو عبد اللّه محمد بن عمر بن الحسين الشافعي (ت ٦٠٦ هـ ١٢٠٩ م) _________________________________ سورة الذارياتستون آية مكية بسم اللّه الرحمن الرحيم _________________________________ ١{والذاريات ذروا}. أول هذه السورة مناسب لآخر ما قبلها، وذلك لأنه تعالى لما بين الحشر بدلائله وقال: {ذلك حشر علينا * يسيرا} (ق: ٤٤) وقال: {وما أنت عليهم بجبار} (ق: ٤٥) أي تجبرهم وتلجئهم إلى الإيمان إشارة إلى إصرارهم على الكفر بعد إقامة البرهان وتلاوة القرآن عليهم لم يبق إلا اليمين فقال: {والذريات ذروا * إنما توعدون لصادق} وأول هذه السورة وآخرها متناسبان حيث قال في أولها: {إنما توعدون لصادق} (الذاريات: ٥) وقال في آخرها: {فويل للذين كفروا من يومهم الذى يوعدون} (الذاريات: ٦٠) وفي تفسير الآيات مسائل: المسألة الأولى: قد ذكرنا الحكمة وهي في القسم من المسائل الشريفة والمطالب العظيمة في سورة والصافات، ونيدها ههنا وفيها وجوه. الأول: أن الكفار كانوا في بعض الأوقات يعترفون بكون النبي صلى اللّه عليه وسلم غالبا في إقامة الدليل وكانوا ينسبونه إلى المجادلة وإلى أنه عارف في نفسه بفساد ما يقوله، وإنه يغلبنا بقوة الجدل لا بصدق المقال، كما أن بعض الناس إذا أقام عليه الخصم الدليل ولم يبق له حجة، يقول: إنه غلبني لعلمه بطريق الجدل وعجزي عن ذلك، وهو في نفسه يعلم أن الحق بيدي فلا يبقى للمتكلم المبرهن طريق غير اليمين، فيقول: واللّه إن الأمر كما أقول، ولا أجادلك بالباطل، وذلك لأنه لو سلك طريقا آخر من ذكر دليل آخر، فإذا تم الدليل الآخر يقول الخصم فيه مثل ما قال في الأول إن ذلك تقرير بقوة علم الجدل فلا يبقى إلا السكوت أو التمسك بالإيمان وترك إقامة البرهان. الثاني: هو أن العرب كانت تحترز عن الأيمان الكاذبة وتعتقد أنها تدع الديار بلافع، ثم إن النبي صلى اللّه عليه وسلم أكثر من الأيمان بكل شريف ولم يزده ذلك إلا رفعة وثباتا، وكان يحصل لهم العلم بأنه لا يحلف بها كاذبا، وإلا لأصابه شؤم الإيمان ولناله المكروه في بعض الأزمان. الثالث: وهو أن الأيمان التي حلف اللّه تعالى بها كلها دلائل أخرجها في صورة الأيمان مثاله قول القائل لمنعمه: وحق نعمك الكثيرة إني لا أزال أشكرك فيذكر النعم وهي سبب مفيد لدوام الشكر ويسلك مسلك القسم، كذلك هذه الأشياء كلها دليل على قدرة اللّه تعالى على الإعادة، فإن قيل فلم أخرجها مخرج الإيمان؟ نقول لأن المتكلم إذا شرع في أول كلامه بحلف بعلم السامع أنه يريد أن يتكلم بكلام عظيم فيصغي إليه أكثر من أن يصغي إليه حيث يعلم أن الكلام ليس بمعتبر فبدأ بالحلف وأدرج الدليل في صورة اليمين حتى أقبل القوم على سماعه فخرج لهم البرهان المبين، والتبيان المتين في صورة اليمين، وقد استوفينا الكلام في سورة الصافات. المسألة الثانية: في جميع السور التي أقسم اللّه في ابتدائها بغير الحروف كان القسم لإثبات أحد الأصول الثلاثة وهي: الوحدانية والرسالة والحشر، وهي التي يتم بها الإيمان، ثم إنه تعالى لم يقسم لإثبات الوحدانية إلا في سورة واحدة من تلك السور وهي {والصافات} حيث قال فيها: {إن إلهكم لواحد} (الصافات: ٤) وذلك لأنهم وإنن كانوا يقولون: {أجعل الالهة إلها واحدا}} (ص: ٥٠) على سبيل الإنكار، وكانوا يبالغون في الشرك، لكنهم في تضاعيف أقوالهم، وتصاريف أحوالهم كانوا يصرحون بالتوحيد، وكانوا يقولون: {*} (ص: ٥٠) على سبيل الإنكار، وكانوا يبالغون في الشرك، لكنهم في تضاعيف أقوالهم وتصاريف أحوالهم كانوا يصرحون بالتوحيد، وكانوا يقولون: {ما نعبدهم ليقربونا إلى اللّه زلفى} (الزمر: ٣) وقال تعالى: {ولئن سألتهم من خلق * السماوات والارض ليقولن اللّه} (الزمر: ٣٨) فلم يبالغوا في الحقيقة في إنكار المطلوب الأول، فاكتفى بالبرهان، ولم يكثر من الأيمان، وفي سورتين منها أقسم لإثبات صدق محمد صلى اللّه عليه وسلم، وكونه رسولا في إحداهما بأمر واحد، وهو قوله تعالى: {والنجم إذا هوى * ما ضل صاحبكم} (النجم: ١، ٢) وفي الثانية بأمرين وهو قوله تعالى: {والضحى * واليل إذا سجى * ما ودعك ربك وما قلى} (الضحى: ١ ـ ٣) وذلك لأن القسم على إثبات رسالته قد كثر بالحروف والقرآن، كما في قوله تعالى: {يس * والقرءان الحكيم * إنك لمن المرسلين} (يس: ١ ـ ٣) وقد ذكرنا الحكم فيه أن معجزات النبي صلى اللّه عليه وسلم القرآن، فأقسم به ليكون في القسم الإشارة واقعة إلى البرهان، وفي باقي السور كان المقسم عليه الحشر والجزاء وما يتعلق به لكون إنكارهم في ذلك خارجا عن الحد، وعدم استيفاء ذلك في صورة القسم بالحروف. المسألة الثالثة: أقسم اللّه تعالى بجموع السلامة المؤنثة في سور خمس، ولم يقسم بجموع السلامة المذكورة في سورة أصلا، فلم يقل: والصالحين من عبادي، ولا المقربين إلى غير ذلك، مع أن المذكر أشرف، وذلك لأن جموع السلام بالواو والنون في الأمر الغالب لمن يعقل، وقد ذكرنا أن القسم بهذه الأشياء ليس لبيان التوحيد إلا في صورة ظهور الأمر فيه، وحصول الاعتراف منهم به، ولا للرسالة لحصول ذلك في صور القسم بالحروف والقرآن. بقي أن يكون المقصود إثبات الحشر والجزاء، لكن إثبات الحشر لثواب الصالح، وعذاب الصالح، ففائدة ذلك راجع إلى من يعقل، فكان الأمر يقتضي أن يكون القسم بغيرهم، واللّه أعلم. المسألة الرابعة: في السورة التي أقسم لإثبات الوحدانية، أقسم في أول الأمر بالساكنات حيث قال: {والصافات} (الصافات: ١) وفي السور الأربع الباقية أقسم بالمتحركات، فقال: {والذريات} وقال: {والمرسلات} (المرسلات: ١) وقال: {والنازعات} (النازعات: ١) ويؤيده قوله تعالى: {والسابحات * فالسابقات} (النازعات: ٣، ٤) وقال: {والعاديات} (العاديات: ١) وذلك لأن الحشر فيه جمع وتفريق، وذلك بالحركة أليق، أو أن نقول في جميع السور الأربع أقسم بالرياح على ما بين وهي التي تجمع وتفرق، فالقادر على تأليف السحاب المتفرق بالرياح الذارية والمرسلة، قادر على تأليف الأجزاء المتفرقة بطريق من الطرق التي يختارها بمشيئته تعالى. المسألة الخامسة: في الذاريات أقوال. الأول: هي الرياح تذور التراب وغيره، كما قال تعالى: {تذروه الرياح} (الكهف: ٤٥). الثاني: هي الكواكب من ذرا يذرو إذا أسرع. الثالث: هي الملائكة. الرابع: رب الذاريات، والأول أصح. المسألة السادسة: الأمور الأربعة جاز أن تكون أمورا متباينة، وجاز أن تكون أمرا له أربع اعتبارات. الأول: هي ما روي عن علي عليه السلام، أن الذاريات هي الرياح والحاملات هي السحاب، والجاريات هي السفن، والمقسمات هي الملائكة الذين يقسمون الأرزاق. والثاني: وهو الأقرب أن هذه صفات أربع للرياح، فالذاريات هي الرياح التي تنشىء السحاب أولا، والحاملات هي الرياح التي تحمل السحب التي هي بخار المياه التي إذا سحت جرت السيول العظيمة، وهي أوقار أثقال من جبال، والجاريات هي الرياح التي تجري بالسحب بعد حملها، والمقسمات هي الرياح التي تفرق الأمطار على الأقطار ويحتمل أن يقال هذه أمور أربعة مذكورة في مقابلة أمور أربعة بها تتم الإعادة، وذلك لأن الأجزاء التي تفرقت بعضها في تخوم الأرضين، وبعضها في قعور البحور، وبعضها في جو الهواء، وهي الأجزاء اللطيفة البخارية التي تنفصل عن الأبدان، فقوله تعالى: {والذريات} يعني الجامع للذاريات من الأرض، على أن الذارية هي التي تذرو التراب عن وجه الأرض، |
﴿ ١ ﴾