٣١

ثم قال تعالى: {قال فما خطبكم أيها المرسلون}.

وفيه مسائل:

المسألة الأولى: لما علم حالهم بدليل قوله: {منكرون} (الذاريات: ٢٥) لم لم يقنع بما بشروه لجواز أن يكون نزولهم للبشارة لا غير؟

نقول إبراهيم عليه السلام أتى بما هو من آداب المضيف حيق يقول لضيفه إذا استعجل في الخروج ما هذه العجلة، وما شغلك الذي يمنعنا من التشرف بالاجتماع بك، ولا يسكت عند خروجهم مخافة أن يكون سكوته يوهم استثقالهم، ثم إنهم أتوا بما هو من آداب الصديق الذي لا يسر عن الصديق الصدوق، لا سيما وكان ذلك بإذن اللّه تعالى لهم في إطلاع إبراهيم عليه السلام على إهلاكهم، وجبر قلبه بتقديم البشارة بخير البدل، وهو أبو الأنبياء إسحاق عليه السلام على الصحيح،

فإن قيل فما الذي اقتضى ذكره بالفاء، ولو كان كما ذكرتم لقال ماهذا الاستعجال، وما خطبكم المعجل لكم؟

نقول: لو كان أوجس منهم خيفة وخرجوا من غير بشارة وإيناس ما كان يقول شيئا، فلما آنسوه قال: ما خطبكم، أي بعد هذا الأنس العظيم، ما هذا الإيحاش الأليم.

المسألة الثانية: هل في الخطب فائدة لا توجد في غيره من الألفاظ؟

نقول: نعم، وذلك من حيث إن الألفاظ المفردة التي يقرب منها الشغل والأمر والفعل وأمثالها، وكل ذلك لا يدل على عظم الأمر،

وأما الخطب فهو الأمر العظيم، وعظم الشأن يدل على عظم من على يده ينقضي، فقال: {ما خطبكما} أي لعظمتكم لا ترسلون إلا في عظيم، ولو قال بلفظ مركب بأن يقول ما شغلكم الخطير وأمركم العظيم للزم التطويل، فالخطب أفاد التعظيم مع الإيجاز.

المسألة الثالثة: من أين عرف كونهم مرسلين،

فنقول قالوا له بدليل قوله تعالى: {إنا أرسلنا إلى قوم لوط} (هود: ٧٠) وإنما لم يذكر ههنا لما بينا أن الحكاية ببسطها مذكورة في سورة هود، أو نقول لما قالوا لامرأته: {كذلك قال ربك} (الذاريات: ٣٠) علم كونهم منزلين من عند اللّه حيث كانوا يحكون قول اللّه تعالى، يدل على هذا أن قولهم: {إنآ أرسلنآ إلى قوم مجرمين} كان جواب سؤاله منهم.

﴿ ٣١