ÓõæÑóÉõ ÇáØøõæÑö ãóßøöíøóÉñ

 æóåöíó ÊöÓúÚñ æóÃóÑúÈóÚõæäó ÂíóÉð

Êفسير الفخر الرازي (التفسير الكبير)

مفاتيح الغيب - الإمام العلامة فخر الدين الرازى

أبو عبد اللّه محمد بن عمر بن الحسين

الشافعي (ت ٦٠٦ هـ ١٢٠٩ م)

_________________________________

سورة الطور

أربعون وتسع آيات مكية

_________________________________

١

{والطور }.

هذه السورة مناسبة للسورة المتقدمة من حيث الافتتاح بالقسم وبيان الحشر فيهما، وأول هذه السورة مناسب لآخر ما قبلها، لأن في آخرها قوله تعالى: {فويل للذين كفروا} (الذاريات: ٦٠) وهذه السورة ددفي أولها {فويل يومئذ للمكذبين} (الطور: ١١)

وفي آخر تلك السورة قال: {فإن للذين ظلموا ذنوبا} (الذاريات: ٥٩) إشارة إلى العذاب وقال هنا {إن عذاب ربك لواقع} (الطور: ٧)

وفيه مسائل:

المسألة الأولى: ما الطور، وما الكتاب المسطور؟

نقول فيه وجوه:

الأول: الطور هو جبل معروف كلم اللّه تعالى موسى عليه السلام

الثاني: هو الجبل الذي قال اللّه تعالى: {وطور سينين} (التين: ٢)

الثالث: هو اسم الجنس والمراد القسم بالجبل غير أن الطور الجبل العظيم كالطود،

وأما الكتاب ففيه أيضا وجوه:

أحدها: كتاب موسى عليه السلام

ثانيها: الكتاب الذي في السماء

ثالثها: صحائف أعمال الخلق

رابعها: القرآن وكيفما كان فهي في رقوق، وسنبين فائدة قوله تعالى: {فى رق منشور}

وأما البيت المعمور ففيه وجوه:

الأول: هو بيت في السماء العليا عند العرش ووصفه بالعمارة لكثرة الطائفين به من الملائكة

الثاني: هو بيت اللّه الحرام وهو معمور بالحاج الطائفين به العاكفين

الثالث: البيت المعمور اللام فيه لتعريف الجنس كأنه يقسم بالبيوت المعمورة والعمائر المشهورة، والسقف المرفوع السماء، والبحر المسجور، قيل الموقد يقال سجرت التنور،

وقيل هو البحر المملوء ماء المتموج،

وقيل هو بحر معروف في السماء يسمى بحر الحيوان.

المسألة الثانية: ما الحكمة في اختيار هذه الأشياء؟

نقول هي تحتمل وجوها:

أحدها: إن الأماكن الثلاثة وهي: الطور، والبيت المعمور، والبحر المسجور، أماكن كانت لثلاثة أنبياء ينفردون فيها للخلوة بربهم والخلاص من الخلق والخطاب مع اللّه،

أما الطور فانتقل إليه موسى عليه السلام، والبيت محمد صلى اللّه عليه وسلم، والبحر المسجور يونس عليه السلام، والكل خاطبوا اللّه هناك فقال موسى: {أتهلكنا بما فعل السفهاء منا إن هى إلا فتنتك تضل بها من تشاء وتهدى من تشاء} (الأعراف: ١٥٥)

وقال: {أرنى أنظر إليك} (الأعراف: ١٤٣)

وأما محمد صلى اللّه عليه وسلم فقال: "السلام علينا وعلى عباد اللّه الصالحين، لا أحصي ثناء عليك كما أثنيت على نفسك"

وأما يونس فقال: {لا إله إلا أنت سبحانك إنى كنت من الظالمين} (الأنبياء: ٨٧) فصارت الأماكن شريفة بهذه الأسباب، فحلف اللّه تعالى بها،

وأما ذكر الكتاب فإن الأنبياء كان لهم في هذه الأماكن مع اللّه تعالى كلام والكلام في الكتاب واقترانه بالطور أدل على ذلك، لأن موسى عليه السلام كان له مكتوب ينزل عليه وهو بالطور،

وأما ذكر السقف المرفوع ومعه البيت المعمور ليعلم عظمة شأن محمد صلى اللّه عليه وسلم

ثانيها: وهو أن القسم لما كان على وقوع العذاب وعلى أنه لا دافع له، وذلك لأن لا مهرب من عذاب اللّه لأن من يريد دفع العذاب عن نفسه، ففي بعض الأوقات يتحصن بمثل الجبال الشاهقة التي ليس لها طرف وهي متضايقة بين أنه لا ينفع التحصن بها من أمر اللّه تعالى كما قال ابن نوح عليه السلام {ساوى إلى جبل يعصمنى من الماء قال لا عاصم اليوم من أمر اللّه إلا من رحم} (هود: ٤٣) حكاية عن نوح عليه السلام.

المسألة الثالثة: ما الحكمة في تنكير الكتاب وتعريف باقي الأشياء؟

نقول ما يحتمل الخفاء من الأمور الملتبسة بأمثالها من الأجناس يعرف باللام، فيقال رأيت الأمير ودخلت على الوزير، فإذا بلغ الأمير الشهرة بحيث يؤمن الالتباس مع شهرته، ويريد الواصف وصفه بالعظمة، يقول: اليوم رأيت أميرا ما له نظير جالسا وعليه سيما الملوك وأنت تريد ذلك الأمير المعلوم، والسبب فيه أنك بالتنكير تشير إلى أنه خرج عن أن يعلم ويعرف بكنه عظمته، فيكون كقوله تعالى: {الحاقة * ما الحاقة * وما أدراك ما الحاقة} (الحاقة: ١، ٣) فاللام وإن كانت معرفة لكن أخرجها عن المعرفة كون شدة هولها غير معروف، فكذلك ههنا الطور ليس في الشهرة بحيث يؤمن اللبس عند التنكير، وكذلك البيت المعمور،

وأما الكتاب الكريم فقد تميز عن سائر الكتب، بحيث لا يسبق إلى أفهام السامعين من النبي صلى اللّه عليه وسلم لفظ الكتاب إلا ذلك، فلما أمن اللبس وحصلت فائدة التعريف سواء ذكر باللام أو لم يذكر قصدا للفائدة الأخرى وهي في الذكر بالتنكير، وفي تلك الأشياء لما لم تحصل فائدة التعريف إلا بآلة التعريف استعملها، وهذا يؤيد كون المراد منه القرآن وكذلك اللوح المحفوظ مشهور.

﴿ ١