ÓõæÑóÉõ ÇáäøóÌúãö ãóßøöíøóÉñ æóåöíó ÇËúäóÊóÇäö æó ÓöÊøõæäó ÂíóÉð تفسير الفخر الرازي (التفسير الكبير) مفاتيح الغيب - الإمام العلامة فخر الدين الرازى أبو عبد اللّه محمد بن عمر بن الحسين الشافعي (ت ٦٠٦ هـ ١٢٠٩ م) _________________________________ سورة النجمستون وآيتان مكية _________________________________ ١{والنجم إذا هوى} . وقبل الشروع في التفسير نقدم مسائل ثم نتفرغ للتفسير وإن لم تكن منه: الأولى: أول هذه السورة مناسب لآخر ما قبلها لفظا ومعنى، أما اللفظ فلأن ختم الطور بالنجم، وافتتاح هذه بالنجم مع واو القسم، وأما المعنى فنقول: اللّه تعالى لما قال لنبيه صلى اللّه عليه وسلم {ومن الليل فسبحه وإدبار النجوم} (الطور: ٤٩) بين له أنه جزأه في أجزاء مكايدة النبي صلى اللّه عليه وسلم، بالنجم وبعده فقال: {ما ضل صاحبكم وما غوى} (النجم: ٢). المسألة الثانية: السورة التي تقدمت وافتتاحها بالقسم بالأسماء دون الحروف وهي الصافات والذاريات، والطور، وهذه السورة بعدها بالأولى فيها القسم لإثبات الوحدانية كما قال تعالى: {إن إلهكم لواحد} (الصافات: ٤) وفي الثانية لوقوع الحشر والجزاء كما قال تعالى: {إنما توعدون لصادق * وإن الدين لواقع} (الذاريات: ٥، ٦) وفي الثالثة لدوام العذاب بعد وقوعه كما قال تعالى: {إن عذاب ربك لواقع * ما له من دافع} (الطور: ٧-٨). وفي هذه السورة لنبوة النبي صلى اللّه عليه وسلم لتكمل الأصول الثلاثة: الوحدانية، والحشر، والنبوة. المسألة الثالثة: لم يقسم اللّه على الوحدانية ولا على النبوة كثيرا، أما على الوحدانية فلأنه أقسم بأمر واحد في سورة الصافات، وأما على النبوة فلأنه أقسم بأمر واحد في هذه السورة وبأمرين في سورة الضحى وأكثر من القسم على الحشر وما يتعلق به فإن قوله تعالى: {واليل إذا يغشى} (الليل: ١) وقوله تعالى: {والشمس وضحاها} (الشمس: ١) وقوله تعالى: {والسماء ذات البروج} (البروج: ١) إلى غير ذلك، كلها فيها الحشر أو ما يتعلق به، وذلك لأن دلائل الوحدانية كثيرة كلها عقلية كما قيل: ( وفي كل شيء له آية تدل على أنه واحد ) ودلائل النبوة أيضا كثيرة وهي المعجزات المشهورة والمتواترة، وأما الحشر فإمكانه يثبت بالعقل، وأما وقوعه فلا يمكن إثباته إلا بالسمع فأكثر القسم ليقطع به المكلف ويعتقده اعتقادا جازما، وأما التفسير ففيه مسائل: الأولى: الواو للقسم بالنجم أو برب النجم ففيه خلاف قدمناه، والأظهر أنه قسم بالنجم يقال ليس للقسم في الأصل حرف أصلا لكن الباء والواو استعملنا فيه لمعنى عارض، وذلك لأن الباء في أصل القسم هي الباء التي للإلصاق والاستعانة فكما يقول القائل: استعنت باللّه، يقول: أقسمت باللّه، وكما يقول: أقوم بعون اللّه على العدو، يقول: أقسم بحق اللّه فالباء فيهما بمعنى كما تقول: كتب بالقلم، فالباء في الحقيقة ليست للقسم غير أن القسم كثر في الكلام فاستغنى عن ذكره وغيره لم يكثر فلم يستغن عنه، فإذا قال القائل: بحق زيد فهم منه القسم لأن المراد لو كان هو مثل قوله: ادخل زيد، أو اذهب بحق زيد، أو لم يقسم بحق زيد لذكر كما ذكر في هذه الأشياء لعدم الاستغناء فلما لم يذكر شيء علم أن الحذف للشهرة والاستغناء، وذلك ليس في غير القسم فعلم أن المحذوف فعل القسم، فكأنه قال: أقسم بحق زيد، فالباء في الأصل ليس للقسم لكن لما عرض ما ذكرنا من الكثرة والاشتهار قيل الباء للقسم، ثم إن المتكلم نظر فيه فقال هذا لا يخلو عن التباس فإني إذا قلت باللّه توقف السامع فإن سمع بعده فعلا غير القسم كقوله: باللّه استعنت وباللّه قدرت وباللّه مشيت وأخذت، لا يحمله على القسم، وإن لم يسمع حمله على القسم إن لم يتوهم وجود فعل ما ذكرته ولم يسمعه، أما إن توهم أني ذكرت مع قولي باللّه شيئا آخر وما سمعه هو أيضا يتوقف فيه ففي الفهم توقف، فإذا أراد المتكلم الحكيم إذهاب ذلك مع الاختصار وترك ما استغنى عنه، وهو فعل القسم أبدل الباء بالتاء، وقال: تاللّه، فتكلم بها في كلمة اللّه لاشتهار كلمة اللّه والأمن من الإلتباس فإن التاء في أوائل الكلمات قد تكون أصلية، وقد تكون للخطاب والتأنيث، فلو أقسم بحرف التاء بمن اسمه داعي أو راعي أو هادي أو عادي يقول تداعى أو تراعى أو تهادى أو تعادى فيلتبس، وكذلك فيمن اسمه رومان أو توران إذا قلت ترومان أو تتوران على أنك تقسم بالتاء تلتبس بتاء الخطاب والتأنيث في الاستقبال، فأبدلوها واوا لا يقال عليه إشكالان الأول: مع الواو لم يؤمن الالتباس، نقول ولى فتلتبس الواو الأصلية بالتي للقسم لأنا نقول ذلك لم يلزم فيما ذهبنا إليه، وإنما كان ذلك في الواو حيث يدل وينبىء عن العطف وإن لم يستعمل الواو للقسم، كيف وذلك في الباء التي هي كالأصل متحقق تقول برام في جمع برمة، وبهام في جمع بهمة، وبغال للبسية الباء الأصلية التي في البغال والبرام بالباء التي تلصقها بقولك مال ورأى فتقول بمال، وأما التاء لما استعملت للقسم لزم من ذلك الاستعمال الالتباس حيث لم يكن من قبل حرفا من الأدوات كالباء والواو الإشكال الثاني: لم تركت مما لا التباس فيه كقولك: تالرحيم وتالعظيم؟ نقول: لما كانت كلمة اللّه تعالى في غاية الشهرة والظهور استعملت التاء فيها على خلاف الأصل، بمعنى لم يجز أن يقال عليها إلا ما يكون في شهرتها، وأما غيرها فربما يخفى عند البعض، فإن من يسمع الرحيم وسمع في الندرة تر بمعنى قطع ربما يقول ترحيم فعل وفاعل أو فعل ومفعول وإن كان ذلك في غاية البعد لكن الاستواء في الشهرة في المنقول منه والمنقول إليه لازم، ولا مشهور مثل كلمة اللّه، على أنا نقول لم قلت إن عند الأمن لا تستعمل ألا ترى أنه نقل عن العرب برب الكعبة والذي يؤيد ما ذكرنا أنت تقول أقسم باللّه ولا تقول أقسم تاللّه لأن التاء فيه مخافة الالتباس عند حذف الفعل من القسم وعند الإتيان به لم يخف ذلك فلم يجز. المسألة الثانية: اللام في قوله تعالى: {والنجم} لتعريف العهد في قول ولتعريف الجنس في قول، والأول قول من قال: {والنجم} المراد منه الثريا، قال قائلهم: ( إن بدا النجم عشيا ابتغى الراعي كسيا ) والثاني فيه وجوه أحدها: النجم هو نجم السماء التي هي ثابتة فيها للاهتداء وقيل لا بل النجم المنقضة فيها التي هي رجوم للشياطين ثانيها: نجوم الأرض وهي من النبات ما لا ساق له ثالثها: نجوم القرآن ولنذكر مناسبة كل وجه ونبين فيه المختار منها، أما على قولنا المراد الثريا فهو أظهر النجوم عند الرائي لأن له علامة لا يلتبس بغيره في السماء ويظهر لكل أحد والنبي صلى اللّه عليه وسلم تميز عن الكل بآيات بينات فأقسم به، ولأن الثريا إذا ظهرت من المشرق بالبكر حان إدراك الثمار، وإذا ظهرت بالعشاء أواخر الخريف نقل الأمراض والنبي صلى اللّه عليه وسلم لما ظهر قل الشك والأمراض القلبية وأدركت الثمار الحكمية والحلمية، وعلى قولنا المراد هي النجوم التي في السماء للاهتداء نقول النجوم بها إلهتداء في البراري فأقسم اللّه بها لما بينهما من المشابهة والمناسبة، وعلى قولنا المراد الرجوم من النجوم، فالنجوم تبعد الشياطين عن أهل السماء والأنبياء يبعدون الشياطين عن أهل الأرض وعلى قولنا المراد القرآن فهو استدل بمعجزة النبي صلى اللّه عليه وسلم على صدقه وبراءته فهو كقوله تعالى: {يس * والقرءان الحكيم * إنك لمن المرسلين * على صراط مستقيم} (يس: ١ ـ ٤) ما ضللت ولا غويت، وعلى قولنا النجم هو النبات، فنقول النبات به ثبات القوى الجسمانية وصلاحها والقوة العقلية أولى بالإصلاح، وذلك بالرسل وإيضاح السبل، ومن هذا يظهر أن المختار هو النجوم التي هي في السماء لأنها أظهر عند السامع وقوله {إذا هوى} أدل عليه، ثم بعد ذلك القرآن أيضا فيه ظهور ثم الثريا. المسألة الثالثة: القول في {والنجم} كالقول في {والطور} حيث لم يقل والنجوم ولا الأطوار، وقال: {والذريات} {*المرسلات} وقد تقدم ذكره. المسألة الرابعة: ما الفائدة في تقييد القسم به بوقت هو به؟ نقول النجم إذا كان في وسط السماء يكون بعيدا عن الأرض لا يهتدي به الساري لأنه لا يعلم به المشرق من المغرب ولا الجنوب من الشمال، فإذا زال تبين بزواله جانب المغرب من المشرق والجنوب من الشمال كذلك النبي صلى اللّه عليه وسلم خفض جناحه للمؤمنين وكان على خلق عظيم كما قال تعالى: {ممنون وإنك لعلى خلق عظيم} (القلم: ٤) وكما قال تعالى: {فبما رحمة من اللّه لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك} (آل عمران: ١٥٩) إن قيل إلهتداء بالنجم إذا كان على أفق المشرق كإلهتداء به إذا كان على أفق المغرب فلم يبق ما ذكرت جوابا عن السؤال، نقول إلهتداء بالنجم وهو مائل إلى المغرب أكثر لأنه يهدي في الطريقين الدنيوي والديني، أما الدنيوي فلما ذكرنا، وأما الديني فكما قال الخليل {لا أحب الافلين} (الأنعام: ٧٦) وفيه لطيفة، وهي أن اللّه لما أقسم بالنجم شرفه وعظمه، وكان من المشركين من يعبده فقرن بتعظيمه وصفا يدل على أنه لم يبلغ درجة العبادة، فإنه هاو آفل. |
﴿ ١ ﴾