٥

ثم قال تعالى: {علمه شديد القوى} وفيه وجهان أشهرهما عند المفسرين أن الضمير في {علمه} عائدا إلى الوحي أي الوحي علمه شديد القوى والوحي وإن كان هو الكتاب فظاهر وإن كان الإلهام فهو كقوله تعالى: {نزل به الروح الامين} (الشعراء: ١٩٣) والأولى أن يقال الضمير عائد إلى محمد صلى اللّه عليه وسلم تقديره علم محمد شديد القوى جبريل وحينئذ يكون عائدا إلى صاحبكم، تقديره علم صاحبكم وشديد القوى هو جبريل، أي قواه العلمية والعملية كلها شديدة فيعلم ويعمل، وقوله {شديد القوى}

فيه فوائد

الأولى: أن مدح المعلم مدح المتعلم فلو قال علمه جبريل ولم يصفه ما كان يحصل للنبي صلى اللّه عليه وسلم فضيلة ظاهرة

الثانية: هي أن فيه ردا عليهم حيث قالوا أساطير الأولين سمعها وقت سفره إلى الشام، فقال لم يعلمه أحد من الناس بل معلمه شديد القوى، والإنسان خلق ضعيفا وما أوتي من العلم إلا قليلا

الثالثة: فيه وثوق بقول جبريل عليه السلام فقوله تعالى: {علمه شديد القوى} جمع ما يوجب الوثوق لأن قوة الإدراك شرط الوثوق بقول القائل لأنا إن ظننا بواحد فساد ذهن ثم نقل إلينا عن بعض الأكابر مسألة مشكلة لا نثق بقوله ونقول هو ما فهم ما قال، وكذلك قوة الحفظ حتى لا نقول أدركها لكن نسيها وكذلك قوة الأمانة حتى لا نقول حرفها وغيرها فقال: {شديد القوى} ليجمع هذه الشرائط فيصير كقوله تعالى: {ذى قوة عند ذى العرش مكين} إلى أن قال: {أمين} (التكوير: ٢٠، ٢١)

الرابعة: في تسلية النبي صلى اللّه عليه وسلم وهي من حيث إن اللّه تعالى لم يكن مختصا بمكان فنسبته إلى جبريل كنسبته إلى محمد صلى اللّه عليه وسلم فإذا علم بواسطته يكون نقصا عن درجته فقال ليس كذلك لأنه شديد القوى يثبت لمكالمتنا وأنت بعد ما استويت فتكون كموسى حيث خر فكأنه تعالى قد علمه بواسطة ثم علمه من غير واسطة كما قال تعالى: {وعلمك ما لم تكن تعلم} (النساء: ١١٣) وقال صلى اللّه عليه وسلم : "أدبني ربي فأحسن تأديبي".

﴿ ٥