٣أما دليل القدرة فهو قوله: {الذى خلق سبع سماوات طباقا} وفيه مسائل: المسألة الأولى: ذكر صاحب "الكشاف" في {طباقا} ثلاثة أوجه أولها: طباقا أي مطابقة بعضها فوق بعض من طابق النعل إذا خصفها طبقا على طبق، وهذا وصف بالمصدر وثانيها: أن يكون التقدير ذات طباق وثالثها: أن يكون التقدير طوبقت طباقا. المسألة الثانية: دلالة هذه السموات على القدرة من وجوه أحدها: من حيث إنها بقيت في جو الهواء معلقة بلا عماد ولا سلسلة وثانيها: من حيث إن كل واحد منها اختص بمقدار معين مع جواز ما هو أزيد منه وأنقص وثالثها: أنه اختص كل واحد منها بحركة خاصة مقدرة بقدر معين من السرعة والبطء إلى جهة معينة ورابعها: كونها في ذواتها محدثة وكل ذلك يدل على استنادها إلى قادر تام القدرة. وأما دليل العلم فهو قوله: {ما ترى فى خلق الرحمان من تفاوت فارجع البصر هل ترى من فطور} وفيه مسائل: المسألة الأولى: قرأ حمزة والكسائي {من تفاوت} والباقون {من تفاوت}، قال الفراء: وهما بمنزلة واحدة مثل تظهر وتظاهر، وتعهد وتعاهد، وقال الأخفش: {تفاوت} أجود لأنهم يقولون: تفاوت الأمر ولا يكادون يقولون: تفوت، واختار أبو عبيدة: {تفاوت}، وقال: يقال تفوت الشيء إذا فات، واحتج بما روي في الحديث أن رجلا تفوت على أبيه في ماله. المسألة الثانية: حقيقة التفاوت عدم التناسب كأن بعض الشيء يفوت بعضه ولا يلائمه ومنه قولهم: (تعلق متعلق متفاوت ونقيضه متناسب)، وأما ألفاظ المفسرين فقال السدي: من تفاوت أي من اختلاف عيب، يقول الناظر: لو كان كذا كان أحسن، وقال آخرون: التفاوت الفطور بدليل قوله بعد ذلك: {فارجع البصر هل ترى من فطور} نظيره قوله: {وما لها من فروج} (ق: ٦) قال القفال: ويحتمل أن يكون المعنى: ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت في الدلالة على حكمة صانعها وأنه لم يخلقها عبثا. المسألة الثالثة: الخطاب في قوله: {ما ترى} أما للرسول أو لكل مخاطب وكذا القول في قوله: {فارجع البصر هل ترى من فطور * ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئا}. المسألة الرابعة: قوله: {طباقا} صفة للسموات، وقوله بعد ذلك: {ما ترى فى خلق الرحمان من تفاوت} صفة أخرى للسموات والتقدير خلق سبع سموات طباقا ما ترى فيهن من تفاوت إلا أنه وضع مكان الضمير قوله: {خلق الرحمان} تعظيما لخلقهن وتنبيها على سبب سلامتهن من التفاوت، وهو أنه خلق الرحمن وأنه بباهر قدرته هو الذي يخلق مثل ذلك الخلق المتناسب. المسألة الخامسة: اعلم أن وجه الاستدلال بهذا على كمال علم اللّه تعالى هو أن الحس دل أن هذه السموات السبع، أجسام مخلوقة على وجه الإحكام والإتقان، وكل فاعل كان فعله محكما متقنا فإنه لا بد وأن يكون عالما، فدل هذه الدلالة على كونه تعالى عالما بالمعلومات فقوله: {ما ترى فى خلق الرحمان من تفاوت} إشارة إلى كونها محكمة متقنة. المسألة السادسة: احتج الكعبي بهذه الآية على أن المعاصي ليست من خلق اللّه تعالى، قال: لأنه تعالى نفى التفاوت في خلقه وليس المراد نفي التفاوت في الصغر والكبر والنقص والعيب فوجب حمله على نفي التفاوت في خلقه من حيث الحكمة، فيدل من هذا الوجه على أن أفعال العباد ليست من خلقه على ما فيها من التفاوت الذي بعضه جهل وبعضه كذب وبعضه سفه، الجواب: بل نحن نحمله على أنه لا تفوت فيه بالنسبة إليه، من حيث إن الكل يصح منه بحسب القدرة والإرادة والداعية، وإنه لا يقبح منه شيء أصلا، فلم كان حمل الآية على التفاوت من الوجه الذي ذكرتم أولى من حملها على نفي التفاوت من الوجه الذي ذكرناه، ثم إنه تعالى أكد بيان كونها محكمة متقنة، وقال: {فارجع البصر هل ترى من فطور} والمعنى أنه لما قال: {ما ترى فى خلق الرحمان من تفاوت} كأنه قال بعده: ولعلك لا تحكم بمقتضى ذلك بالبصر الواحد، ولا تعتمد عليه بسبب أنه قد يقع الغلط في النظرة الواحدة، ولكن ارجع البصر واردد النظرة مرة أخرى، حتى تتيقن أنه ليس في خلق الرحمن من تفاوت ألبتة. والفطور جمع فطر، وهو الشق يقال: فطره فانفطر ومنه فطر ناب البعير، كما يقال: شق ومعناه شق اللحم فطلع، قال المفسرون: {هل ترى من فطور} أي من فروج وصدوع وشقوق، وفتوق، وخروق، كل هذا ألفاظهم. بم ثم قال تعالى: |
﴿ ٣ ﴾