٢{سأل سآئل بعذاب واقع}. اعلم أن قوله تعالى: {سأل} فيه قراءتان منهم من قرأه بالهمزة، ومنهم من قرأه بغير همزة، أما الأولون وهم الجمهور فهذه القراءة تحتمل وجوها من التفسير: الأول: أن النضر بن الحرث لما قال: {اللّهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم} (الأنفال: ٣٢) فأنزل اللّه تعالى هذه الآية ومعنى قوله: {سأل سائل} أي دعا داع بعذاب واقع من قولك دعا بكذا إذا استدعاه وطلبه، ومنه قوله تعالى: {يدعون فيها بكل فاكهة ءامنين} (الدخان: ٥٥) قال ابن الأنباري: وعلى هذا القول تقدير الباء الإسقاط، وتأويل الآية: سأل سائل عذابا واقعا، فأكد بالباء كقوله تعالى: {وهزى إليك بجذع النخلة} (مريم: ٢٥) وقال صاحب الكشاف لما كان {سأل} معناه ههنا دعا لا جرم عدى تعديته كأنه قال دعا داع بعذاب من اللّه الثاني: قال الحسن وقتادة لما بعث اللّه محمدا صلى اللّه عليه وسلم وخوف المشركين بالعذاب قال المشركون: بعضهم لبعض سلوا محمدا لمن هذا العذاب وبمن يقع فأخبره اللّه عنه بقوله: {سأل سائل بعذاب واقع} قال ابن الأنباري: والتأويل على هذا القول: (سأل سائل) عن عذاب والباء بمعنى عن، كقوله: ( فإن تسألوني بالنساء فإنني بصير بأدواء النساء طبيب ) وقال تعالى: {فاسأل به خبيرا} (الفرقان: ٥٩) وقال صاحب "الكشاف": {سأل} على هذا الوجه في تقدير عنى واهتم كأنه قيل: اهتم مهتم بعذاب واقع الثالث: قال بعضهم: هذا السائل هو رسول اللّه استعجل بعذاب الكافرين، فبين اللّه أن هذا العذاب واقع بهم، فلا دافع له قالوا: والذي يدل على صحة هذا التأويل قوله تعالى في آخر الآية: {فاصبر صبرا جميلا} (المعارج: ٥) وهذا يدل على أن ذلك السائل هو الذي أمره بالصبر الجميل، أما القراءة الثانية وهي (سال) بغير همز فلها وجهان: أحدهما: أنه أراد {سأل} بالهمزة فخفف وقلب قال: ( سألت قريش رسول اللّه فاحشة ضلت هذيل بما سالت ولم تصب ) والوجه الثاني: أن يكون ذلك من السيلان ويؤيده قراءة ابن عباس سال سيل والسيل مصدر في معنى السائل، كالغور بمعنى الغائر، والمعنى اندفع عليهم واد بعذاب، وهذا قول زيد بن ثابت وعبد الرحمن بن زيد قالا: سال واد من أودية جهنم بعذاب واقع. أما {سائل}، فقد اتفقوا على أنه لا يجوز فيه غير الهمز لأنه إن كان من سأل المهموز فهو بالهمز، وإن لم يكن من المهموز كان بالهمز أيضا نحو قائل وخائف إلا أنك إن شئت خففت الهمزة فجعلتها بين بين، وقوله تعالى: {بعذاب واقع * للكافرين} فيه وجهان، وذلك لأنا إن فسرنا قوله: {سأل} بما ذكرنا من أن النضر طلب العذاب، كان المعنى أنه طلب طالب عذابا هو واقع لا محالة سواء طلب أو لم يطلب، وذلك لأن ذلك العذاب نازل للكافرين في الآخرة واقع بهم لا يدفعه عنهم أحد، وقد وقع بالنضر في الدنيا لأنه قتل يوم بدر، وهو المراد من قوله: {ليس له دافع} وأما إذا فسرناه بالوجه الثاني وهو أنهم سألوا الرسول عليه السلام، أن هذا العذاب بمن ينزل فأجاب اللّه تعالى عنه بأنه واقع للكافرين والقول الأول وهو السديد، |
﴿ ٢ ﴾