٣١ثم ختم السورة فقال: {يدخل من يشآء فى رحمته والظالمين أعد لهم عذابا أليما}. اعلم أن خاتمة هذه السورة عجيبة، وذلك لأن قوله: {وما تشاءون إلا أن يشاء اللّه} (الإنسان: ٣٠) يدل على أن جميع ما يصدر عن العبد فبمشيئة اللّه، وقوله: {يدخل من يشاء فى رحمته والظالمين أعد لهم عذابا أليما} يدل على أن دخول الجنة والنار ليس إلا بمشيئة اللّه، فخرج من آخر هذه السورة إلا اللّه وما هو من اللّه، وذلك هو التوحيد المطلق الذي هو آخر سير الصديقين ومنتهى معارجهم في أفلاك المعارف الإلهية، وفي الآية مسائل: المسألة الأولى: قوله: {يدخل من يشاء فى رحمته} إن فسرنا الرحمة الإيمان، فالآية صريحة في أن الإيمان من اللّه، وإن فسرناها بالجنة كان دخول الجنة بسبب مشيئة اللّه وفضله وإحصانه لا بسبب الاستحقاق، وذلك لأنه لو ثبت الاستحقاق لكان تركه يفضي إلى الجهل والحاجة المحالين على اللّه، والمفضي إلى المحال محال فتركه محال فوجوده واجب عقلا وعدمه ممتنع عقلا، وما كان كذلك لا يكون معلقا على المشيئة ألبتة، وأيضا فلأن من كان مديونا من إنسان فأدى ذلك الدين إلى مستحقه لا يقال: بأنه إنما دفع ذلك القدر إليه على سبيل الرحمة والتفضل. المسألة الثانية: قوله: {والظالمين أعد لهم عذابا أليما} يدل على أنه جف القلم بما هو كائن، لأن معنى أعد أنه علم ذلك وقضى به، وأخبر عنه وكتبه في اللوح المحفوظ، ومعلوم أن التغيير على هذه الأشياء محال، فكان الأمر على ما بيناه وقلناه. المسألة الثالثة: قال الزجاج: نصب الظالمين لأن قبله منصوبا، والمعنى يدخل من يشاء في رحمته ويعذب الظالمين وقوله: {أعد لهم عذابا أليما} كالتفسير لذلك المضمر، وقرأ: عبداللّه بن الزبير: والظالمون، وهذا ليس باختيار لأنه معطوف على يدخل من يشاء وعطف الجملة الإسمية على الجملة الفعلية غير حسن، وأما قوله في حم عسق: {يدخل من يشاء فى رحمته والظالمون} فإنما ارتفع لأنه لم يذكر بعده فعل يقع عليه فينصبه في المعنى، فلم يجز أن يعطف على المنصوب قبله، فارتفع بالابتداء، وههنا قوله: {أعد لهم عذابا أليما} يدل على ذلك الناصب المضمر، فظهر الفرق واللّه سبحانه وتعالى أعلم بالصواب، وصلى اللّه على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. |
﴿ ٣١ ﴾