١٩{إنه لقول رسول كريم}. واعلم أنه تعالى لما ذكر المقسم به أتبعه بذكر المقسم عليه فقال: {إنه لقول رسول كريم} وفيه قولان: الأول: وهو المشهور أن المراد أن القرآن نزل به جبريل: فإن قيل: ههنا إشكال قوي وهو أنه حلف أنه قول جبريل، فوجب علينا أن نصدقه في ذلك، فإن لم نقطع بوجوب حمل اللفظ على الظاهر، فلا أقل من الاحتمال، وإذا كان الأمر كذلك ثبت أن هذا القرآن يحتمل أن يكون كلام جبريل لا كلام اللّه، وبتقدير أن يكون كلام جبريل يخرج عن كونه معجزا، لاحتمال أن جبريل ألقاه إلى محمد صلى اللّه عليه وسلم على سبيل الإضلال، ولا يمكن أن يجاب عنه بأن جبريل معصوم لا يفعل الإضلال، لأن العلم بعصمة جبريل، مستفاد من صدق النبي، وصدق النبي مفرع على كون القرآن معجزا، وكون القرآن معجزا يتفرع على عصمة جبريل، فيلزم الدور وهو محال والجواب: الذين قالوا: بأن القرآن إنما كان معجزا للصرفة، إنما ذهبوا إلى ذلك المذهب فرارا من هذا السؤال، لأن الإعجاز على ذلك القول ليس في الفصاحة، بل في سلب تلك العلوم والدواعي عن القلوب، وذلك مما لا يقدر عليه أحد إلا اللّه تعالى. القول الثاني: أن هذا الذي أخبركم به محمد من أمر الساعة على ما ذكر في هذه السورة ليس بكهانة ولا ظن ولا افتعال، إنما هو قول جبريل أتاه به وحيا من عند اللّه تعالى، واعلم أنه تعالى وصف جبريل ههنا بصفات ست أولها: أنه رسول ولا شك أنه رسول اللّه إلى الأنبياء فهو رسول وجميع الأنبياء أمته، وهو المراد من قوله: {ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشآء من عباده} (النحل: ٢) وقال: {نزل به الروح الامين * على قلبك} (الشعراء: ١٩٤,١٩٣) وثانيها: أنه كريم، ومن كرمه أنه يعطي أفضل العطايا، وهو المعرفة والهداية والإرشاد. |
﴿ ١٩ ﴾