٣وأما قوله: {والشفع والوتر} ففيه مسألتان: المسألة الأولى: الشفع والوتر، هو الذي تسميه العرب الخسا والزكا والعامة الزوج والفردقال يونس: أهل العالية يقولون الوتر بالفتح في العدد والوتر بالكسر في الذحل وتميم تقول وتر بالكسر فيهما معا، وتقول أوترته أوتره إيتارا أي جعلته وترا، ومنه قوله عليه الصلاة والسلام: "من استجمر فليوتر" والكسر قراءة الحسن والأعمش وابن عباس، والفتح قراءة أهل المدينة وهي لغة حجازية. المسألة الثانية: اضطرب المفسرون في تفسير الشفع والوتر، وأكثروا فيه، ونحن نرى ما هو الأقرب أحدها: أن الشفع يوم النحر والوتر يوم عرفة، وإنما أقسم اللّه بهما لشرفهما أما يوم عرفة فهو الذي عليه يدور أمر الحج كما في الحديث الحج عرفة، وأما يوم النحر فيقع فيه القربان وأكثر أمور الحج من الطواف المفروض، والحلق والرمي، ويروى يوم النحر هو يوم الحج الأكبر فلما اختص هذان اليومان بهذه الفضائل لا جرم أقسم اللّه بهما وثانيها: أن أيام التشريق أيام بقية أعمال الحج فهي أيام شريفة، قال اللّه تعالى: {واذكروا اللّه فى أيام معدودات فمن تعجل فى يومين فلا إثم عليه} (البقرة: ٢٠٣) والشفع هو يومان بعد يوم النحر، الوتر هو اليوم الثالث، ومن ذهب إلى هذا القول قال: حمل الشفع والوتر على هذا أولى من حملهما على العيد وعرفة من وجهين الأول: أن العيد وعرفة دخلا في العشر، فوجب أن يكون المراد بالشفع والوتر غيرهما الثاني: أن بعض أعمال الحج إنما يحصل في هذه الأيام، فحمل اللفظ على هذا يفيد القسم بجميع أيام أعمال المناسك وثالثها: الوتر آدم شفع بزوجته، وفي رواية أخرى الشفع آدم وحواء والوتر هو اللّه تعالى ورابعها: الوتر ما كان وترا من الصلوات كالمغرب والشفع ما كان شفعا منها، روى عمران بن الحصين عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال: "هي الصلوات منها شفع ومنها وتر" وإنما أقسم اللّه بها لأن الصلاة تالية للإيمان، ولا يخفى قدرها ومحلها من العبادات وخامسها: الشفع هو الخلق كله لقوله تعالى: {ومن كل شىء خلقنا زوجين} (الذاريات: ٤٩) وقوله: {وخلقناكم أزواجا} (النبأ: ٨) والوتر هو اللّه تعالى، وقال بعض المتكلمين: لا يصح أن يقال الوتر هو اللّه لوجوه الأول: أنا بينا أن قوله: {والشفع والوتر} تقديرهورب الشفع والوتر، فيجب أن يراد بالوتر المربوب فبطل ما قالوه الثاني: أن اللّه تعالى لا يذكر مع غيره على هذا الوجه بل يعظم ذكره حتى يتميز من غيره، وروي أن عليه الصلاة والسلام سمع من يقول اللّه ورسوله فنهاه، وقال: "قل اللّه ثم رسوله" قالوا: وما روي أنه عليه الصلاة والسلام قال: "إن اللّه وتر يحب الوتر" ليس بمقطوع به وسادسها: أن شيئا من المخلوقات لا ينفك عن كونه شفعا ووترا فكأنه يقال: أقسم برب الفرد والزوج من خلق فدخل كل الخلق تحته، ونظيره قوله: {فلا أقسم بما تبصرون * وما لا تبصرون} (الحاقة: ٣٩,٣٨) وسابعها: الشفع درجات الجنة وهي ثمانية، والوتر دركات النار وهي سبعة وثامنها: الشفع صفات الخلق كالعلم والجهل والقدرة والعجز والإرادة والكراهية والحياة والموت، أما الوتر فهو صفة الحق وجود بلا عدم، حياة بلا موت، علم بلا جهل، قدرة بلا عجز، عز بلا ذل وتاسعها: المراد بالشفع والوتر، نفس العدد فكأنه أقسم بالحساب الذي لا بد للخلق منه وهو بمنزلة الكتاب والبيان الذي من اللّه به على العباد إذ قال: {علم بالقلم * علم الإنسان * لم يعلم} (العلق: ٥,٤)، وقال: {علمه البيان} (الرحمن: ٤). وكذلك بالحساب، يعرف مواقيت العبادات والأيام والشهور، قال تعالى: {الشمس والقمر بحسبان} (الرحمن: ٥) وقال: {لتعلموا عدد السنين والحساب ما خلق اللّه ذالك إلا بالحق} (يونس: ٥) وعاشرها: قال مقاتل الشفع هو الأيام والليالي والوتر هو اليوم الذي لا ليل بعده وهو يوم القيامة الحادي عشر: الشفع كل نبي له اسمان مثل محمد وأحمد والمسيح وعيسى ويونس وذي النون والوتر كل نبي له اسم واحد مثل آدم ونوح وإبراهيم الثاني عشر: الشفع آدم وحواء والوتر مريم الثالث عشر: الشفع العيون الإثنتا عشرة، التي فجرها اللّه تعالى لموسى عليه السلام والوتر الآيات التسع التي أوتى موسى في قوله: {ولقد ءاتينا موسى تسع ءايات بينات} (الإسراء: ١٠١)، الرابع عشر: الشفع أيام عاد والوتر لياليهم لقوله تعالى: {سبع ليال وثمانية أيام حسوما} (الحاقة: ٧) الخامس عشر: الشفع البروج الإثنا عشر لقوله تعالى: {جعل فى السماء بروجا} (الفرقان: ٦١) والوتر الكواكب السبعة السادس عشر: الشفع الشهر الذي يتم ثلاثين يوما، والوتر الشهر الذي يتم تسعة وعشرين يوما السابع عشر: الشفع الأعضاء والوتر القلب، قال تعالى: {ما جعل اللّه لرجل من قلبين فى جوفه} (الأحزاب: ٤)، الثامن عشر: الشفع الشفتان والوتر اللسان قال تعالى: {ولسانا وشفتين} (البلد: ٩) التاسع عشر: الشفع السجدتان والوتر الركوع العشرون: الشفع أبواب الجنة لأنها ثمانية والوتر أبواب النار لأنها سبعة، واعلم أن الذي يدل عليه الظاهر، أن الشفع والوتر أمران شريفان، أقسم اللّه تعالى بهما، وكل هذه الوجوه التي ذكرناها محتمل، والظاهر لا إشعار له بشيء من هذه الأشياء على التعيين، فإن ثبت في شيء منها خبر عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أو إجماع من أهل التأويل حكم بأنه هو المراد، وإن لم يثبت، فيجب أن يكون الكلام على طريقة الجواز لا على وجه القطع، ولقائل أن يقول أيضا: إني أحمل الكلام على الكل لأن الألف واللام في الشفع والوتر تفيد العموم، |
﴿ ٣ ﴾