سُورَةُ الْاِنْشِرَاحِ مَكِّيَّةٌ

وَهِيَ ثَمَانِي آياَتٍ

تفسير الفخر الرازي (التفسير الكبير)

مفاتيح الغيب - الإمام العلامة فخر الدين الرازى

أبو عبد اللّه محمد بن عمر بن الحسين

الشافعي (ت ٦٠٦ هـ ١٢٠٩ م)

_________________________________ 

سورة الشرح

ثمان آيات مكية يروى عن طاووس وعمر بن عبدالعزيز أنهما كانا يقولان هذه السورة وسورة الضحى سورة واحدة وكانا يقرآنهما في الركعة الواحدة وما كانا يفصلان بينهما ببسم اللّه الرحمن الرحيم والذي دعاهما إلى ذلك هو أن قوله تعالى: {ألم نشرح لك} كالعطف على قوله: {ألم يجدك يتيما} وليس كذلك لأن

الأول: كان نزوله حال اغتمام الرسول صلى اللّه عليه وسلم من إيذاء الكفار فكانت حال محنة وضيق صدر

والثاني: يقتضي أن يكون حال النزول منشرح الصدر طيب القلب، فأنى يجتمعان.

_________________________________ 

١

{ألم نشرح لك صدرك}.

استفهم عن انتفاء الشرح على وجه الإنكار، فأفاد إثبات الشرح وإيجابه، فكأنه قيل: شرحنا لك صدرك، وفي شرح الصدر قولان:

الأول: ما روى أن جبريل عليه السلام أتاه وشق صدره وأخرج قلبه وغسله وأنقاه من المعاصي ثم ملأه علما وإيمانا ووضعه في صدره.

واعلم أن القاضي طعن في هذه الرواية من وجوه:

أحدها: أن الرواية أن هذه الواقعة إنما وقعت في حال صغره عليه السلام وذلك من المعجزات، فلا يجوز أن تتقدم نبوته

وثانيها: أن تأثير الغسل في إزالة الأجسام، والمعاصي ليست بأجسام فلا يكون للغسل فيها أثر

ثالثها: أنه لا يصح أن يملأ القلب علما، بلاللّه تعالى يخلق فيه العلوم

والجواب: عن الأول: أن تقويم المعجز على زمان البعثة جائز عندنا، وذلك هو المسمى بالإرهاص، ومثله في حق الرسول عليه السلام كثير.

وأما الثاني والثالث: فلا يبعد أن يكون حصول ذلك الدم الأسود الذي غسلوه من قلب الرسول عليه السلام علامة للقلب الذي يميل إلى المعاصي، ويحجم عن الطاعات، فإذا أزالوه عنه كان ذلك علامة لكون صاحبه مواظبا على الطاعات محترزا عن السيئات، فكان ذلك كالعلامة للملائكة على كون صاحبه معصوما، وأيضا فلأن اللّه تعالى يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد.

والقول الثاني: أن المراد من شرح الصدر ما يرجع إلى المعرفة والطاعة،

ثم ذكروا فيه وجوها

أحدها: أنه عليه السلام لما بعث إلى الجن والإنس فكان يضيق صدره عن منازعة الجن والإنس والبراءة من كل عابد ومعبود سوى اللّه، فآتاه اللّه من آياته ما اتسع لكل ما حمله وصغره عنده كل شيء احتمله من المشاق، وذلك بأن أخرج عن قلبه جميع الهموم وما ترك فيه إلا هذا الهم الواحد، فما كان يخطر بباله هم النفقة والعيال، ولا يبالي بما يتوجه إليه من إيذائهم، حتى صاروا في عينه دون الذباب لم يجبن خوفا من وعيدهم، ولم يمل إلى مالهم، وبالجملة فشرح الصدر عبارة عن علمه بحقارة الدنيا وكما الآخرة، ونظيره قوله: {فمن يرد اللّه أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا} وروى أنهم قالوا: يا رسول اللّه أينشرح الصدر؟ قال: نعم، قالوا: وما علامة ذلك؟ قال: "التجافي عن الغرور، والإنابة إلى دار الخلود، والإعداد للموت قبل نزوله" وتحقيق القول فيه أن صدق الإيمان باللّه ووعده ووعيده يوجب للإنسان الزهد في الدنيا والرغبة في الآخرة والاستعداد للموت

وثانيها: أنه انفتح صدره حتى أنه كان يتسع لجميع المهمات لا يقلق ولا يضجر ولا يتغير، بل هو في حالتي البؤس والفرح منشرح الصدر مشتغل بأداء ما كلف به، والشرح التوسعة، ومعناه الإراحة من الهموم، والعرب تسمى الغم والهم ضيق صدر كقوله: {ولقد نعلم أنك يضيق صدرك} وههنا سؤالات:

الأول: لم ذكر الصدر ولم يذكر القلب؟

والجواب: لأن محل الوسوسة هو الصدر على ما قال: {يوسوس فى صدور الناس} فإزالة تلك الوسوسة وإبدالها بدواعي الخير هي الشرح، فلا جرم خص ذلك الشرح بالصدر دون القلب، وقال محمد بن علي الترمذي: القلب محل العقل والمعرفة، وهو الذي يقصده الشيطان، فالشيطان يجيء إلى الصدر الذي هو حصن القلب، فإذا وجد مسلكا أغار فيه ونزل جنده فيه، وبث فيه من الهموم والغموم والحرص فيضيق القلب حيئنذ ولا يجد للطاعة لذة ولا للإسلام حلاوة، وإذا طرد العدو في الابتداء منع وحصل الأمن ويزول الضيق وينشرح الصدر ويتيسر له القيام بأداء العبودية.

السؤال الثاني: لم قال: {ألم نشرح لك صدرك} ولم يقل ألم نشرح صدرك؟

والجواب: من وجهين

أحدهما: كأنه تعالى يقول لام بلام، فأنت إنما تفعل جميع الطاعات لأجلي كما قال: {لا * ليعبدون * وأقم الصلواة لذكرى} فأنا أيضا جميع ما أفعله لأجلك

وثانيها: أن فيها تنبيها على أن منافع الرسالة عائدة إليه عليه السلام، كأنه تعالى قال: إنما شرحنا صدرك لأجلك لا لأجلي.

السؤال الثالث: لم قال: {ألم نشرح} ولم يقل ألم أشرح؟

والجواب: إن حملناه على نون التعظيم، فالمعنى أن عظمة المنعم تدل على عظمة النعمة، فدل ذلك على أن ذلك الشرح نعمة لا تصل العقول إلى كنه جلالتها، وإن حملناه على نون الجميع، فالمعنى كأنه تعالى يقول: لم أشرحه وحدي بل أعملت فيه ملائكتي، فكنت ترى الملائكة حواليك وبين يديك حتى يقوي قلبك، فأديت الرسالة وأنت قوي القلب ولحقتهم هيبة، فلم يجيبوا لك جوابا، فلو كنت ضيق القلب لضحكوا منك، فسبحان من جعل قوة قلبك جبنا فيهم، وانشراح صدرك ضيقا فيهم.

٢

انظر تفسير الآية:٣

٣

ثم قال تعالى: {ووضعنا عنك وزرك * الذى أنقض ظهرك}

وفيه مسائل:

المسألة الأولى: قال المبرد: هذا محمول على معنى ألم نشرح لا على لفظه، لأنك لا تقول ألم وضعنا ولكن معنى ألم نشرح قد شرحنا، فحمل الثاني على معنى الأول لا على ظاهر اللفظ، لأنه لو كان معطوفا على ظاهره لوجب أن يقال: ونضع عنك وزرك.

المسألة الثانية: معنى الوزر ثقل الذنب، وقد مر تفسيره عند قوله: {وهم يحملون أوزارهم} وهو كقوله تعالى: {ليغفر * اللّه لك *ما تقدم من ذنبك وما تأخر}.

وأما قوله: {أنقض ظهرك} فقال علماء اللغة: الأصل فيه أن الظهر إذا أثقل الحمل سمع له نقيض أي صوت خفي، وهو صوت المحامل والرحال والأضلاع، أو البعير إذا أثقله الحمل فهو مثل لما كان يثقل عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من أوزاره.

المسألة الرابعة: احتج بهذه الآية من أثبت المعصية للأنبياء عليهم السلام

والجواب: عنه من وجهين

الأول: أن الذين يجوزون الصغائر على الأنبياء عليهم السلام حملوا هذه الآية عليها، لا يقال: إن قوله: {الذى أنقض ظهرك} يدل على كونه عظيما.

فكيف يليق ذلك بالصغائر، لأنا نقول: إنما وصف ذلك بإنقاض الظهر مع كونها مغفورة لشدة اعتمام النبي صلى اللّه عليه وسلم بوقوعه منه وتحسره مع ندمه عليه،

وأما إنما وصفه بذلك لأن تأثيره فيما يزول به من الثواب عظيم، فيجوز لذلك ما ذكره اللّه تعالى.

هذا تقرير الكلام على قول المعتزلة وفيه إشكال، وهو أن العفو عن الصغيرة واجب على اللّه تعالى عند القاضي، واللّه تعالى ذكر هذه الآية في معرض الامتنان، ومن المعلوم أن الامتنان بفعل الواجب غير جائز

الوجه الثاني: أن يحمل ذلك على غير الذنب، وفيه وجوه

أحدها: قال قتادة: كانت للنبي صلى اللّه عليه وسلم ذنوب سلفت منه في الجاهلية قبل النبوة، وقد أثقلته فغفرها له

وثانيها: أن المراد منه تخفيف أعباء النبوة التي تثقل الظهر من القيام بأمرها وحفظ موجباتها والمحافظة على حقوقها، فسهل اللّه تعالى ذلك عليه، وحط عنه ثقلها بأن يسرها عليه حتى تيسرت له

وثالثها: الوزر ما كان يكرهه من تغييرهم لسنة الخليل.

وكان لا يقدر على منعهم إلى أن قواه اللّه، وقال له: {أن اتبع ملة إبراهيم}.

ورابعها: أنها ذنوب أمته صارت كالوزر عليه، ماذا يصنع في حقهم إلى أن قال: {وما كان اللّه ليعذبهم وأنت فيهم} فأمنه من العذاب في العاجل، ووعد له الشفاعة في الآجل

وخامسها: معناه عصمناك عن الوزر الذي ينقض ظهرك، لو كان ذلك

الذنب حاصلا، فسمى العصمة وضعا مجازا، فمن ذلك ما روى أنه حضر وليمة فيها دف ومزامير قبل البعثة ليسمع، فضرب اللّه على أذنه فلم يوقظه إلا حر الشمس من الغد

وسادسها: الوزر ما أصابه من الهيبة والفزع في أول ملاقاة جبريل عليه السلام، حين أخذته الرعدة، وكاد يرمي نفسه من الجبل، ثم تقوى حتى ألفه وصار بحالة كاد يرمي بنفسه من الجبل لشدة اشتياقه

وسابعها: الوزر ما كان يلحقه من الأذى والشتم حتى كاد ينقض ظهره وتأخذه الرعدة، ثم قواه اللّه تعالى حتى صار بحيث كانوا يدمون وجهه، و(هو) يقول: "اللّهم اهد قومي"

وثامنها: لئن كان نزول السورة بعد موت أبي طالب وخديجة، فلقد كان فراقهما عليه وزرا عظيما، فوضع عنه الوزر برفعه إلى السماء حتى لقيه كل ملك وحياة فارتفع له الذكر، فلذلك قال: {ورفعنا لك ذكرك}

وتاسعها: أن المراد من الوزر والثقل الحيرة التي كانت له قبل البعثة، وذلك أنه بكمال عقله لما نظر إلى عظيم نعم اللّه تعالى عليه، حيث أخرجه من العدم إلى الوجود وأعطاه الحياة والعقل وأنواع النعم، ثقل عليه نعم اللّه وكاد ينقض ظهره من الحياء، لأنه عليه السلام كانيرى أن نعم اللّه عليه لا تنقطع، وما كان يعرف أنه كيف كان يطيع ربه، فلما جاءته النبوة والتكليف وعرف أنه كيف ينبغي له أن يطيع ربه، فحيئذ قل حياؤه وسهلت عليه تلك الأحوال، فإن اللئيم لا يستحي من زيادة النعم بدون مقابلتها بالخدمة، والإنسان الكريم النفس إذا كثر الإنعام عليه وهو لا يقابلها بنوع من أنواع الخدمة، فإنه يثقل ذلك عليه جدا، بحيث يميته الحياة، فإذا كلفه المنعم بنوع خدمه سهل ذلك عليه وطاب قلبه.

٤

ثم قال تعالى: {ورفعنا لك ذكرك}.

واعلم أنه عام في كل ما ذكروه من النبوة، وشهرته في الأرض والسموات، اسمه مكتوب على العرش، وأنه يذكر معه في الشهادة والتشهد، وأنه تعالى ذكره في الكتب المتقدمة، وانتشار ذكره في الآفاق، وأنه ختمت به النبوة، وأنه يذكر في الخطب والأذان ومفاتيح الرسائل، وعند الختم وجعل ذكره في القرآن مقرونا بذكره: {واللّه ورسوله أحق أن يرضوه}، {ومن يطع اللّه ورسوله} و{أطيعوا اللّه وأطيعوا الرسول} ويناديه باسم الرسول والنبي، حين ينادي غيره بالاسم يا موسى يا عيسى، وأيضا جعله في القلوب بحيث يستطيبون ذكره وهو معنى قوله تعالى: {سيجعل لهم الرحمان ودا} كأنه تعالى يقول: أملأ العالم من أتباعك كلهم يثنون عليك ويصلون عليك ويحفظون سنتك، بل ما من فريضة من فرائض الصلاة إلا ومعه سنة فهم يمتثلون في الفريضة أمري، وفي السنة أمرك وجعلت طاعتك طاعتي وبيعتك بيعتي {من يطع الرسول فقد أطاع اللّه} {إن الذين يبايعونك إنما يبايعون اللّه} لا تأنف السلاطين من أتباعك، بل جراءة لأجهل الملوك أن ينصب خليفة من غير قبيلتك، فالقراء يحفظون ألفاظ منشورك، والمفسرون يفسرون معاني فرقانك، والوعاظ يبلغون وعظك بل العلماء والسلاطين يصلون إلى خدمتك، ويسلمون من وراء الباب عليك، ويمسحون وجوههم بتراب روضتك، ويرجون شفاعتك، فشرفك باق إلى يوم القيامة.

٥

انظر تفسير الآية:٦

٦

قال تعالى: {فإن مع العسر يسرا * إن مع العسر يسرا}

وفيه مسائل:

المسألة الأولى: وجه تعلق هذه الآية بما قبلها أن المشركين كانوا يعيرون رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بالفقر، ويقولون: إن كان غرضك من هذا الذي تدعيه طلب الغنى جمعنا لك مالا حتى تكون كأيسر أهل مكة، فشق ذلك على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حتى سبق إلى وهمه أنهم إنما رغبوا عن الإسلام لكونه فقيرا حقيرا عندهم، فعدد اللّه تعالى عليه مننه في هذه السورة، وقال: {ألم نشرح لك صدرك * ووضعنا عنك وزرك} أي ما كنت فيه من أمر الجاهلية، ثم وعده بالغنى في الدنيا ليزيل عن قلبه ما حصل فيه من التأذي بسبب أنهم عيروه بالفقر، والدليل عليه دخول الفاء في قوله: {فإن مع العسر يسرا} كأنه تعالى قال لا يحزنك ما يقول وما أنت فيه من القلة، فإنه يحصل في الدنيا يسر كامل.

المسألة الثانية: قال ابن عباس: يقول اللّه تعالى: خلقت عسرا واحدا بين يسرين، فلن يغلب عسر يسرين، وروى مقاتل عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: "لن يغلب عسر يسرين" وقرأ: هذه الآية، وفي تقرير هذا المعنى وجهان

الأول: قال الفراء والزجاج: العسر مذكور بالألف واللام، وليس هناك معهود سابق فينصرف إلى الحقيقة، فيكون المراد بالعسر في اللفظين شيئا واحدا.

وأما اليسر فإنه مذكور على سبيل التنكير، فكان أحدهما غير الآخر، وزيف الجرجاني هذا وقال: إذا قال الرجل: إن مع الفارس سيفا، إن مع الفارس سيفا، يلزم أن يكون هناك فارس واحد ومعه سيفان، ومعلوم أن ذلك غير لازم من وضع العربية

الوجه الثاني: أن تكون الجملة الثانية تكريرا للأولى، كما كرر قوله: {ويل يومئذ للمكذبين} ويكون الغرض تقرير معناها في النفوس وتمكينها في القلوب، كما يكرر المفرد في قولك: جاءني زيد زيد، والمراد من اليسرين: يسر الدنيا وهو ما تيسر من استفتاح البلاد، ويسر الآخرة وهو ثواب الجنة، لقوله تعالى: {قل هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين} وهما حسن الظفر وحسن الثواب، فالمراد من قوله: "لن يغلب عسر يسرين" هذا، وذلك لأن عمر الدنيا بالنسبة إلى يسر الدنيا، ويسر الآخرة كالمغمور القليل،

وههنا سؤالان.

الأول: ما معنى التنكير في اليسر؟ جوابه: التفخيم، كأنه قيل: إن مع اليسر يسرا، إن مع العسر يسرا عظيما، وأي يسر.

السؤال الثاني: اليس لا يكون مع العسر، لأنهما ضدان فلا يجتمعان

الجواب: لما كان وقوع اليسر بعد العسر بزمان قليل، كان مقطوعا به فجعل كالمقارن له.

٧

ثم قال تعالى: {فإذا فرغت فانصب} وجه تعلق هذا بما قبله أنه تعالى لما عدد عليه نعمه السالفة، ووعدهم بالنعم الآتية، لا جرم بعثه على الشكر والاجتهاد في العبادة، فقال: {فإذا فرغت فانصب} أيفاتعب يقال: نصب ينصب، قال قتادة والضحاك ومقاتل: إذا فرغت من الصلاة المكتوبة {فانصب * إلى ربك} في الدعاء وارغب إليه في المسألة يعطك، وقال الشعبي: إذا فرغت من التشهد فادع لدنياك وآخرتك، وقال مجاهد: إذا فرغت من أمر دنياك فانصب وصل، وقال عبد اللّه: إذا فرغت من الفرائض فانصب في قيام الليل، وقال الحسن: إذا فرغت من الغزو فاجتهد في العبادة، وقال علي بن أبي طلحة: إذا كنت صحيحا فانصب، يعني اجعل فراغك نصبا في العبادة يدل عليه ما روى أن شريحا مر برجلين يتصارعان، فقال: الفارغ ما أمر بهذا إنما قال اللّه: {فإذا فرغت فانصب} وبالجملة فالمعنى أن يواصل بين بعض العبادات وبعض، وأن لا يخلي وقتا من أوقاته منها، فإذا فرغ من عبادة أتبعها بأخرى.

٨

وأما قوله تعالى: {وإلى ربك فارغب}

ففيه وجهان

أحدهما: اجعل رغبتك إليه خصوصا ولا تسأل إلا فضله متوكلا عليه

وثانيها: ارغب في سائر ما تلتمسه دينا ودنيا ونصرة على الأعداء إلى ربك، وقرىء فرغب أي رغب الناس إلى طلب ما عنده، واللّه سبحانه وتعالى أعلم وصلى اللّه على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

﴿ ٠