٤ثم قال تعالى: {يوم يكون الناس كالفراش}. قال صاحب الكشاف: الظرف نصب بمضمر دلت عليه القارعة، أي تقرع يوم يكون الناس كذا. واعلم أنه تعالى وصف ذلك اليوم بأمرين الأول: كون الناس فيه: {كالفراش المبثوث} قال الزجاج: الفراش هو الحيوان الذي يتهافت في النار، وسمي فراشا لتفرشه وانتشاره، ثم إنه تعالى شبه الخلق وقت البعث ههنا بالفراش المبثوث، وفي آية أخرى بالجراد المنتشر. أما وجه التشبيه بالفراش، فلأن الفراشإذا ثار لم يتجه لجهة واحدة، بل كل واحدة منها تذهب إلى غير جهة الأخرى، يدل هذا على أنهم إذا بعثوا فزعوا، واختلفوا في المقاصد على جهات مختلفة غير معلومة، والمبثوث المفرق، يقال: بثه إذا فرقه. وأما وجه التشبيه بالجراد فهو في الكثرة. قال الفراء: كغوغاء الجراد يركب بعضه بعضا، وبالجملة فاللّه سبحانه وتعالى شبه الناس في وقت البعث بالجراد المنتشر، وبالفراش المبثوث، لأنهم لما بعثوا يموج بعضهم في بعض كالجراد والفراش، ويأكد ما ذكرنا بقوله تعالى: {فتأتون أفواجا} وقوله: {يوم يقوم الناس لرب العالمين} وقوله في قصة يأجوج ومأجوج: {وتركنا بعضهم يومئذ يموج فى بعض} فإن قيل: الجراد بالنسبة إلى الفراش كبار، فكيف شبه الشيء الواحد بالصغير والكبير معا؟ قلنا: شبه الواحد بالصغير والكبير لكن في وصفين. أما التشبيه بالفراش فبذهاب كل واحدة إلى غير جهة الأخرى. وأما بالجراد فبالكثرة والتتابع، ويحتمل أن يقال: إنها تكون كبارا أولا كالجراد، ثم تصير صغارا كالفراش بسبب احتراقهم بحر الشمس، وذكروا في التشبيه بالفراش وجوها أخرى أحدها: ما روى أنه عليه السلام قال: "الناس عالم ومتعلم، وسائر الناس همج رعاع" فجعلهم اللّه في الأخرى كذلك: {جزاء وفاقا} وثانيها: أنه تعالى إنما أدخل حرف التشبيه، فقال: {كالفراش} لأنهم يكونون في ذلك اليوم أذل من الفراش، لأن الفراش لا يعذب، وهؤلاء يعذبون، ونظيره: {كالانعام بل هم أضل}. |
﴿ ٤ ﴾