٥

قوله تعالى: {إياك نعبد} رجع من الغيبة إلى الخطاب على التلوين، لأن من أول السورة إلى ههنا خبرا عن اللّه تعالى وثناء عليه كقوله {وسقاهم ربهم شرابا طهورا} [الإنسان: ٢١]. ثم قال: {إن هذا كان لكم جزاء}[الإنسان: ٢٢]. وعكسه: {حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم} [يونس: ٢٢] على ما يأتي. و

{نعبد} معناه نطيع والعبادة الطاعة والتذلل. وطريق معبد إذا كان مذللا للسالكين قال الهروي. ونطق المكلف به إقرار بالربوبية وتحقيق لعبادة اللّه تعالى، إذ سائر الناس يعبدون سواه من أصنام وغير ذلك.

{وإياك نستعين} أي نطلب العون والتأييد والتوفيق.قال السلمي في حقائقه: سمعت محمد بن عبداللّه بن شاذان يقول: سمعت أبا حفص الفرغاني يقول: من أقرَّ بـ {إياك نعبد وإياك نستعين} فقد برئ من الجبر والقدر..

إن قيل: لم قدم المفعول على الفعل؟

قيل له: قدم اهتماما، وشأن العرب تقديم الأهم. يذكر أن أعرابيا سبَّ آخر فأعرض المسبوب عنه، فقال له الساب: إياك أعني: فقال له الآخر: وعنك أعرض، فقدما الأهم. وأيضا لئلا يتقدم ذكر العبد والعبادة على المعبود فلا يجوز نعبدك ونستعينك ولا نعبد إياك ونستعين إياك، فيقدم الفعل على كناية المفعول وإنما يتبع لفظ القرآن.

وقال العجاج:

إياك أدعو فتقبل مَلَقي واغفر خطاياي وكثّر ورقي

ويروى: وثَمِّر.

وأما قول الشاعر:

إليك حتى بَلَغَتْ إياكا

فشاذ لا يقاس عليه. والورق بكسر الراء من الدراهم، وبفتحها المال. وكرر الاسم لئلا يتوهم إياك نعبد ونستعين غيرك.. الجمهور من القراء والعلماء على شد الياء من {إياك} في الموضعين.

وقرأ عمرو بن قائد: {إياك} بكسر الهمزة وتخفيف الياء، وذلك أنه كره تضعيف الياء لثقلها وكون الكسرة قبلها. وهذه قراءة مرغوب عنها، فإن المعنى يصير: شمسك نعبد أو ضوءك وإياة الشمس بكسر الهمزة: ضوءها وقد تفتح. وقال:

سقته إياة الشمس إلا لِثاتِه أُسِفّ فلم تَكدِم عليه بإثمد

فإن أسقطت الهاء مددت. ويقال: الإياة للشمس كالهالة للقمر وهي الدارة حولها. وقرأ الفضل الرقاشي: أياك بفتح الهمزة وهي لغة مشهورة. وقرأ أبو السَّوار الغَنَوي: هياك في الموضعين وهي لغة قال: فهِيّاك والأمر الذي إن توسعت موارده ضاقت عليك مصادره. قوله تعالى: {وإياك نستعين} عطف جملة على جملة.

وقرأ يحيى بن وثاب والأعمش: {نِستعين} بكسر النون وهي لغة تميم وأسد وقيس وربيعة ليدل على أنه من استعان، فكسرت النون كما تكسر ألف الوصل. وأصل {نستعين} نستعون قلبت حركة الواو إلى العين فصارت ياء، والمصدر استعانة والأصل استعوان، قلبت حركة الواو إلى العين فانقلبت ألفا ولا يلتقي ساكنان فحذفت الألف الثانية لأنها زائدة،

وقيل الأولى لأن الثانية للمعنى ولزمت الهاء عوضا.

﴿ ٥