٧٩قوله تعالى: {فويل} {فويل} اختلف في الويل ما هو، فروى عثمان بن عفان عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه جبل من نار. وروى أبو سعيد الخدري أن الويل واد في جهنم بين جبلين يهوي فيه الهاوي أربعين خريفا. وروى سفيان وعطاء بن يسار: أن الويل في هذه الآية واد يجري بفناء جهنم من صديد أهل النار. وقيل: صهريج في جهنم. وحكى الزهراوي عن آخرين: أنه باب من أبواب جهنم. وعن ابن عباس: الويل المشقة من العذاب. وقال الخليل: الويل شدة الشر. الأصمعي: الويل تفجع وترحم. سيبويه: ويل لمن وقع في الهلكة، وويح زجر لمن أشرف على الهلكة. ابن عرفة: الويل الحزن: يقال: تويل الرجل إذا دعا بالويل، وإنما يقال ذلك عند الحزن والمكروه، ومنه قوله: {فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم} [البقرة: ٧٩]. وقيل: أصله الهلكة، وكل من وقع في هلكة دعا بالويل، ومنه قوله تعالى: {يا ويلتنا مال هذا الكتاب} [الكهف: ٤٩]. وهي الويل والويلة، وهما الهلكة، والجمع الويلات، قال: له الويل إن أمسى ولا أم هاشم وقال أيضا: فقالت لك الويلات إنك مرجلي وارتفع {ويل} بالابتداء، وجاز الابتداء به وإن كان نكرة لأن فيه معنى الدعاء. قال الأخفش: ويجوز النصب على إضمار فعل، أي ألزمهم اللّه ويلا. وقال الفراء: الأصل في الويل {وي} أي حزن، كما تقول: ويل لفلان، أي حزن له، فوصلته العرب باللام وقدروها منه فأعربوها. والأحسن فيه إذا فصل عن الإضافة الرفع، لأنه يقتضي الوقوع. ويصح النصب على معنى الدعاء، كما ذكرنا. قال الخليل: ولم يسمع على بنائه إلا ويح وويس وويه وويك وويل وويب، وكله يتقارب في المعنى. وقد فرق بينها قوم، وهي مصادر لم تنطلق العرب منها بفعل. قال الجرمي: ومما ينتصب انتصاب المصادر ويله وعوله وويحه وويسه، فإذا أدخلت اللام رفعت فقلت: ويل له، وويح له. قوله تعالى: {للذين يكتبون الكتاب} الكتابة معروفة. وأول من كتب بالقلم وخط به إدريس عليه السلام، وجاء ذلك في حديث أبي ذر، خرجه الآجري وغيره. وقد قيل: إن آدم عليه السلام أعطي الخط فصار وراثة في ولده. قوله تعالى: {بأيديهم} تأكيد، فإنه قد علم أن الكتب لا يكون إلا باليد، فهو مثل قوله: {ولا طائر يطير بجناحيه} [الأنعام: ٣٨]، وقوله: {يقولون بأفواههم } [آل عمران: ١٦٧]. وقيل: فائدة {بأيديهم} بيان لجرمهم وإثبات لمجاهرتهم، فإن من تولى الفعل أشد مواقعة ممن لم يتوله وإن كان رأيا له وقال ابن السراج: {بأيديهم} كناية عن أنهم من تلقائهم دون أن ينزل عليهم، وإن لم تكن حقيقة في كتب أيديهم. في هذه الآية والتي قبلها التحذير من التبديل والتغيير والزيادة في الشرع، فكل من بدل وغير أو ابتدع في دين اللّه ما ليس منه ولا يجوز فيه فهو داخل تحت هذا الوعيد الشديد، والعذاب الأليم، وقد حذر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أمته لما قد علم ما يكون في آخر الزمان فقال: (ألا إن من قبلكم من أهل الكتاب افترقوا على اثنتين وسبعين ملة وإن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة) الحديث، وسيأتي. فحذرهم أن يحدثوا من تلقاء أنفسهم في الدين خلاف كتاب اللّه أو سنته أو سنة أصحابه فيضلوا به الناس، وقد وقع ما حذره وشاع، وكثر وذاع، فإنا للّه وإنا إليه راجعون. قال علماؤنا رحمة اللّه عليهم: نعت اللّه تعالى أحبارهم بأنهم يبدلون ويحرفون فقال وقوله الحق: {فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم} [البقرة: ٧٩] الآية. وذلك أنه لما درس الأمر فيهم، وساءت رعية علمائهم، وأقبلوا على الدنيا حرصا وطمعا، طلبوا أشياء تصرف وجوه الناس إليهم، فأحدثوا في شريعتهم وبدلوها، وألحقوا ذلك بالتوراة، وقالوا لسفهائهم هذا من عند اللّه، ليقبلوها عنهم فتتأكد رياستهم وينالوا به حطام الدنيا وأوساخها. وكان مما أحدثوا فيه أن قالوا: ليس علينا في الأميين سبيل، وهم العرب، أي ما أخذنا من أموالهم فهو حل لنا. وكان مما أحدثوا فيه أن قالوا: لا يضرنا ذنب، فنحن أحباؤه وأبناؤه، تعالى اللّه عن ذلك! وإنما كان في التوراة {يا أحباري ويا أبناء رسلي} فغيروه وكتبوا {يا أحبائي ويا أبنائي} فأنزل اللّه تكذيبهم: {وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء اللّه وأحباؤه قل فلم يعذبكم بذنوبكم} [المائدة: ١٨]. فقالت: لن يعذبنا اللّه، وإن عذبنا فأربعين يوما مقدار أيام العجل، فأنزل اللّه تعالى: {وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة قل أتخذتم عند اللّه عهدا} [البقرة: ٨] قال ابن مقسم: يعني توحيدا، بدليل قوله تعالى: {إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا} [مريم: ٨٧] يعني لا إله إلا اللّه {فلن يخلف اللّه عهده أم تقولون على اللّه ما لا تعلمون} [البقرة: ٨] ثم أكذبهم فقال: {بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون. والذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون}. [البقرة: ٨١ - ٨٢]. فبين تعالى أن الخلود في النار والجنة إنما هو بحسب الكفر والإيمان، لا بما قالوه. قوله تعالى: {ليشتروا به ثمنا قليلا} وصف اللّه تعالى ما يأخذونه بالقلة، إما لفنائه وعدم ثباته، وإما لكونه حراما، لأن الحرام لا بركة فيه ولا يربو عند اللّه. قال ابن إسحاق والكلبي: كانت صفة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في كتابهم ربعة أسمر، فجعلوه آدم سبطا طويلا، وقالوا لأصحابهم وأتباعهم: انظروا إلى صفة النبي - صلى اللّه عليه وسلم - الذي يبعث في آخر الزمان ليس يشبهه نعت هذا، وكانت للأحبار والعلماء رياسة ومكاسب، فخافوا إن بينوا أن تذهب مآكلهم ورياستهم، فمن ثم غيروا. قوله تعالى: {فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون} قيل من المآكل. وقيل من المعاصي. وكرر الويل تغليظا لفعلهم. |
﴿ ٧٩ ﴾