١٠٠

قوله تعالى: {أوكلما عاهدوا عهدا} الواو واو العطف، دخلت عليها ألف الاستفهام كما تدخل على الفاء في قوله: {أفحكم الجاهلية} [المائدة: ٥]، {أفأنت تسمع الصم} [الزخرف: ٤]، {أفتتخذونه وذريته} [الكهف: ٥]. وعلى ثم كقوله: {أثم إذا ما وقع} [يونس: ٥١] هذا قول سيبويه. وقال الأخفش: الواو زائدة. ومذهب الكسائي أنها أو، حركت الواو منها تسهيلا. وقرأها قوم أو، ساكنة الواو فتجيء بمعنى بل، كما يقول القائل: لأضربنك، فيقول المجيب: أو يكفي اللّه.

قال ابن عطية: وهذا كله متكلف، والصحيح قول سيبويه. {كلما} نصب على الظرف، والمعني في الآية مالك بن الصيف، ويقال فيه ابن الضيف، كان قد قال: واللّه ما أخذ علينا عهد في كتابنا أن نؤمن بمحمد ولا ميثاق، فنزلت الآية.

وقيل: إن اليهود عاهدوا لئن خرج محمد لنؤمن به ولنكونن معه على مشركي العرب، فلما بعث كفروا به. وقال عطاء: هي العهود التي كانت بين النبي صلى اللّه عليه وسلم وبين اليهود فنقضوها كفعل قريظة والنضير، دليله قوله تعالى: {الذين عاهدت منهم ثم ينقضون عهدهم في كل مرة وهم لا يتقون} [الأنفال: ٥٦].

قوله تعالى: {نبذه فريق منهم} النبذ: الطرح والإلقاء، ومنه النبيذ والمنبوذ، قال أبو الأسود:

وخبرني من كنت أرسلت إنما أخذت كتابي معرضا بشمالكا

نظرت إلى عنوانه فنبذته كنبذك نعلا أخلقت من نعالكا

آخر:

إن الذين أمرتهم أن يعدلوا نبذوا كتابك واستحلوا المحرما

وهذا مثل يضرب لمن استخف بالشيء فلا يعمل به، تقول العرب: اجعل هذا خلف ظهرك، ودبرا منك، وتحت قدمك، أي اتركه وأعرض عنه، قال اللّه تعالى: {واتخذتموه وراءكم ظهريا} [هود: ٩٢]. وأنشد الفراء:

تميم بن زيد لا تكونن حاجتي بظهر فلا يعيا علي جوابها

قوله تعالى: {بل أكثرهم} ابتداء. {لا يؤمنون} فعل مستقبل في موضع الخبر.

﴿ ١٠٠