١٥٠

قوله تعالى: {ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام} قيل: هذا تأكيد للأمر باستقبال الكعبة واهتمام بها، لأن موقع التحويل كان صعبا في نفوسهم جدا، فأكد الأمر ليرى الناس الاهتمام به فيخف عليهم وتسكن نفوسهم إليه.

وقيل: أراد بالأول: ول وجهك شطر الكعبة، أي عاينها إذا صليت تلقاءها. ثم قال: وحيث ما كنتم معاشر المسلمين في سائر المساجد بالمدينة وغيرها فولوا {وجوهكم شطره} ثم قال {ومن حيث خرجت} يعني وجوب الاستقبال في الأسفار، فكان هذا أمرا بالتوجه إلى الكعبة في جميع المواضع من نواحي الأرض.

قلت: ولا تعارض بين الحديثين، لأن هذا من باب المطلق والمقيد، فقول الشافعي أولى، وحديث أنس في ذلك حديث صحيح.

ويروى أن جعفر بن محمد سئل ما معنى تكرير القصص في القرآن؟ فقال: علم اللّه أن كل الناس لا يحفظ القرآن، فلو لم تكن القصة مكررة لجاز أن تكون عند بعض الناس ولا تكون عند بعض، فكررت لتكون عند من حفظ البعض.

قوله تعالى: {لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا منهم} قال مجاهد: هم مشركو العرب. وحجتهم قولهم: راجعت قبلتنا، وقد أجيبوا عن هذا بقوله: {قل للّه المشرق والمغرب} [البقرة: ١٤٢].

وقيل: معنى {لئلا يكون للناس عليكم حجة} لئلا يقولوا لكم: قد أمرتم باستقبال الكعبة ولستم ترونها، فلما قال عز وجل: {وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره} زال هذا. وقال أبو عبيدة: إن {إلا} ههنا بمعنى الواو، أي والذين ظلموا، فهو استثناء بمعنى الواو، ومنه قول الشاعر:

ما بالمدينة دار غير واحدة دار الخليفة إلا دار مروانا

كأنه قال: إلا دار الخليفة ودار مروان، وكذا قيل في قوله تعالى: {إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم أجر غير ممنون} [التين: ٦] أي الذين آمنوا. وأبطل الزجاج هذا القول وقال: هذا خطأ عند الحذاق من النحويين، وفيه بطلان المعاني، وتكون {إلا} وما بعدها مستغنى عن ذكرهما. والقول عندهم أن هذا استثناء ليس من الأول، أي لكن الذين ظلموا منهم فإنهم يحتجون. قال أبو إسحاق الزجاج: أي عرفكم اللّه أمر الاحتجاج في القبلة في قوله: {ولكل وجهة هو موليها} {لئلا يكون للناس عليكم حجة} إلا من ظلم باحتجاجه فيما قد وضح له، كما تقول: مالك علي حجة إلا الظلم أو إلا أن تظلمني، أي مالك حجة البتة ولكنك تظلمني، فسمى ظلمه حجة لأن المحتج به سماه حجة وإن كانت داحضة. وقال قطرب: يجوز أن يكون المعنى لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا على الذين ظلموا، فالذين بدل من الكاف والميم في {عليكم}. وقالت فرقة: {إلا الذين} استثناء متصل، روي معناه عن ابن عباس وغيره، واختاره الطبري وقال: نفى اللّه أن يكون لأحد حجة على النبي صلى اللّه عليه وسلم وأصحابه في استقبالهم الكعبة.

والمعنى: لا حجة لأحد عليكم إلا الحجة الداحضة. حيث قالوا: ما ولاهم، وتحير محمد في دينه، وما توجه إلى قبلتنا إلا أنا كنا أهدى منه، وغير ذلك من الأقوال التي لم تنبعث إلا من عابد وثن أو يهودي أو منافق. والحجة بمعنى المحاجة التي هي المخاصمة والمجادلة. وسماها اللّه حجة وحكم بفسادها حيث كانت من ظلمة.

وقال ابن عطية: وقيل إن الاستثناء منقطع، وهذا على أن يكون المراد بالناس اليهود، ثم استثنى كفار العرب، كأنه قال: لكن الذين ظلموا يحاجونكم، وقوله {منهم} يرد هذا التأويل. والمعنى لكن الذين ظلموا، يعني كفار قريش في قولهم: رجع محمد إلى قبلتنا وسيرجع إلى ديننا كله. ويدخل في ذلك كل من تكلم في النازلة من غير اليهود.

وقرأ ابن عباس وزيد بن علي وابن زيد {ألا الذين ظلموا} بفتح الهمزة وتخفيف اللام على معنى استفتاح الكلام، فيكون {الذين ظلموا} ابتداء، أو على معنى الإغراء، فيكون {الذين} منصوبا بفعل مقدر.

قوله تعالى: {فلا تخشوهم} يريد الناس {واخشوني} الخشية أصلها طمأنينة في القلب تبعث على التوقي. والخوف: فزع القلب تخف له الأعضاء، ولخفة الأعضاء به سمي خوفا. ومعنى الآية التحقير لكل من سوى اللّه تعالى، والأمر بإطراح أمرهم ومراعاة أمر اللّه تعالى.

قوله تعالى: {ولأتم نعمتي عليكم} معطوف على {لئلا يكون} أي ولأن أتم، قاله الأخفش. وقيل: مقطوع في موضع رفع بالابتداء والخبر مضمر، التقدير: ولأتم نعمتي عليكم عرفتكم قبلتي، قاله الزجاج. وإتمام النعمة الهداية إلى القبلة،

وقيل: دخول الجنة. قال سعيد بن جبير: ولم تتم نعمة اللّه على عبد حتى يدخله الجنة. و{لعلكم تهتدون} تقدم.

﴿ ١٥٠