٢٧٢قوله تعالى: {ليس عليك هداهم} هذا الكلام متصل بذكر الصدقات، فكأنه بين فيه جواز الصدقة على المشركين. روى سعيد بن جبير مرسلا عن النبي صلى اللّه عليه وسلم في سبب نزول هذه الآية أن المسلمين كانوا يتصدقون على فقراء أهل الذمة، فلما كثر فقراء المسلمين قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم (لا تتصدقوا إلا على أهل دينكم). فنزلت هذه الآية مبيحة للصدقة على من ليس من دين الإسلام. وذكر النقاش أن النبي صلى اللّه عليه وسلم أتي بصدقات فجاءه يهودي فقال: أعطني. فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم: (ليس لك من صدقة المسلمين شيء). فذهب اليهودي غير بعيد فنزلت: {ليس عليك هداهم} فدعاه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فأعطاه، ثم نسخ اللّه ذلك بآية الصدقات. وروى ابن عباس أنه قال: كان ناس من الأنصار لهم قرابات من بني قريظة والنضير، وكانوا لا يتصدقون عليهم رغبة منهم في أن يسلموا إذا احتاجوا، فنزلت الآية بسبب أولئك. وحكى بعض المفسرين أن أسماء ابنة أبي بكر الصديق أرادت أن تصل جدها أبا قحافة ثم امتنعت من ذلك لكونه كافرا فنزلت الآية في ذلك. وحكى الطبري أن مقصد النبي صلى اللّه عليه وسلم بمنع الصدقة إنما كان ليسلموا ويدخلوا في الدين، فقال اللّه تعالى: {ليس عليك هداهم}. وقيل: {ليس عليك هداهم} ليس متصلا بما قبل، فيكون ظاهرا في الصدقات وصرفها إلى الكفار، بل يحتمل أن يكون معناه ابتداء كلام. قال علماؤنا: هذه الصدقة التي أبيحت لهم حسب ما تضمنته هذه الآثار هي صدقة التطوع. وأما المفروضة فلا يجزئ دفعها لكافر، لقوله عليه السلام: (أمرت أن آخذ الصدقة من أغنيائكم وأردها في فقرائكم). قال ابن المنذر: أجمع كل من أحفظ عنه من أهل العلم أن الذمي لا يعطى من زكاة الأموال شيئا، ثم ذكر جماعة ممن نص على ذلك ولم يذكر خلافا. وقال المهدوي: رخص للمسلمين أن يعطوا المشركين من قراباتهم من صدقة الفريضة لهذه الآية. قال ابن عطية: وهذا مردود بالإجماع. واللّه أعلم. وقال أبو حنيفة: تصرف إليهم زكاة الفطر. ابن العربي: وهذا ضعيف لا أصل له. ودليلنا أنها صدقة طهرة واجبة فلا تصرف إلى الكافر كصدقة الماشية والعين، وقد قال النبي صلى اللّه عليه وسلم: (أغنوهم عن سؤال هذا اليوم) يعني يوم الفطر. قلت: وذلك لتشاغلهم بالعيد وصلاة العيد وهذا لا يتحقق في المشركين. وقد يجوز صرفها إلى غير المسلم في قول من جعلها سنة، وهو أحد القولين عندنا، وهو قول أبي حنيفة على ما ذكرنا، نظرا إلى عموم الآية في البر وإطعام الطعام وإطلاق الصدقات. قال ابن عطية: وهذا الحكم متصور للمسلمين مع أهل ذمتهم ومع المسترقين من الحربيين. قلت: وفي التنزيل {ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا} [الإنسان: ٨] والأسير في دار الإسلام لا يكون إلا مشركا. وقال تعالى: {لا ينهاكم اللّه عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم} [الممتحنة: ٨]. فظواهر هذه الآيات تقتضي جواز صرف الصدقات إليهم جملة، إلا أن النبي صلى اللّه عليه وسلم خص منها الزكاة المفروضة، لقوله عليه السلام لمعاذ: (خذ الصدقة من أغنيائهم وردها على فقرائهم) واتفق العلماء على ذلك على ما تقدم. فيدفع إليهم من صدقة التطوع إذا احتاجوا، واللّه أعلم. قال ابن العربي: فأما المسلم العاصي فلا خلاف أن صدقة الفطر تصرف إليه إلا إذا كان يترك أركان الإسلام من الصلاة والصيام فلا تدفع إليه الصدقة حتى يتوب. وسائر أهل المعاصي تصرف الصدقة إلى مرتكبيها لدخولهم في اسم المسلمين. وفي صحيح مسلم أن رجلا تصدق على غني وسارق وزانية وتقبلت صدقته، على ما يأتي بيانه في آية {الصدقات}. قوله تعالى: {ولكن اللّه يهدي من يشاء} أي يرشد من يشاء. وفي هذا رد على القدرية وطوائف من المعتزلة، كما تقدم. قوله تعالى: {وما تنفقوا من خير فلأنفسكم وما تنفقون إلا ابتغاء وجه اللّه} شرط وجوابه. والخير في هذه الآية المال، لأنه قد اقترن بذكر الإنفاق فهذه القرينة تدل على أنه المال، ومتى لم تقترن بما يدل على أنه المال فلا يلزم أن يكون بمعنى المال، نحو قوله تعالى: {خير مستقرا} [الفرقان: ٢٤] وقوله {مثقال ذرة خيرا يره} [الزلزلة: ٧]. إلى غير ذلك. وهذا تحرز من قول عكرمة: كل خير في كتاب اللّه تعالى فهو المال. وحكي أن بعض العلماء كان يصنع كثيرا من المعروف ثم يحلف أنه ما فعل مع أحد خيرا، فقيل له في ذلك فيقول: إنما فعلت مع نفسي، ويتلو {وما تنفقوا من خير فلأنفسكم}. ثم بين تعالى أن النفقة المعتد بقبولها إنما هي ما كان ابتغاء وجهه. و {ابتغاء} هو على المفعول له. وقيل: إنه شهادة من اللّه تعالى للصحابة رضي اللّه عنهم أنهم إنما ينفقون ابتغاء وجهه، فهذا خرج مخرج التفضيل والثناء عليهم. وعلى التأويل الأول هو اشتراط عليهم، ويتناول الاشتراط غيرهم من الأمة. قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لسعد بن أبي وقاص: (إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه اللّه تعالى إلا أجرت بها حتى ما تجعل في فيِ امرأتك). قوله تعالى: {وما تنفقوا من خير يوف إليكم وأنتم لا تظلمون} {يوف إليكم} تأكيد وبيان لقوله: {وما تنفقوا من خير فلأنفسكم} وأن ثواب الإنفاق يوفى إلى المنفقين ولا يبخسون منه شيئا فيكون ذلك البخس ظلما لهم. |
﴿ ٢٧٢ ﴾