١٨

قال سعيد بن جبير: كان حول الكعبة ثلاثمائة وستون صنما، فلما نزلت هذه الآية خررن سجدا. وقال الكلبي: لما ظهر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بالمدينة قدم عليه حبران من أحبار أهل الشام؛ فلما أبصرا المدينة قال أحدهما لصاحبه: ما أشبه هذه المدينة بصفة مدينة النبي الذي يخرج في آخر الزمان.

فلما دخلا على النبي صلى اللّه عليه وسلم عرفاه بالصفة والنعت، فقالا له: أنت محمد؟ قال (نعم). قالا: وأنت أحمد؟ قال: (نعم). قالا: نسألك عن شهادة، فإن أنت أخبرتنا بها آمنا بك وصدقناك.

فقال لهما رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (سلاني). فقالا: أخبرنا عن أعظم شهادة في كتاب اللّه. فأنزل اللّه تعالى على نبيه صلى اللّه عليه وسلم

{شهد اللّه أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط} فأسلم الرجلان وصدقا برسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم.

وقد قيل: إن المراد بأولي العلم الأنبياء عليهم السلام. وقال ابن كيسان: المهاجرون والأنصار. مقاتل: مؤمنو أهل الكتاب. السدي والكلبي: المؤمنون كلهم؛ وهو الأظهر لأنه عام.

في هذه الآية دليل على فضل العلم وشرف العلماء وفضلهم؛ فإنه لو كان أحد أشرف من العلماء لقرنهم اللّه باسمه واسم ملائكته كما قرن اسم العلماء.

وقال في شرف العلم لنبيه صلى اللّه عليه وسلم: {وقل رب زدني علما} [طه: ١١٤]. فلو كان شيء أشرف من العلم لأمر اللّه تعالى نبيه صلى اللّه عليه وسلم أن يسأله المزيد منه كما أمر أن يستزيده من العلم.

وقال صلى اللّه عليه وسلم:

(إن العلماء ورثة الأنبياء). وقال: (العلماء أمناء اللّه على خلقه). وهذا شرف للعلماء عظيم، ومحل لهم في الدين خطير.

وخرج أبو محمد عبدالغني الحافظ من حديث بركة بن نشيط - وهو عنكل بن حكارك وتفسيره بركة بن نشيط - وكان حافظا، حدثنا عمر بن المؤمل حدثنا محمد بن أبي الخصيب حدثنا عنكل حدثنا محمد بن إسحاق حدثنا شريك عن أبي إسحاق عن البراء

قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم:

(العلماء ورثة الأنبياء يحبهم أهل السماء ويستغفر لهم الحيتان في البحر إذا ماتوا إلى يوم القيامة) وفي هذا الباب حديث عن أبي الدرداء خرجه أبو داود.

روى غالب القطان قال: أتيت الكوفة في تجارة فنزلت قريبا من الأعمش فكنت أختلف إليه. فلما كان ليلة أردت أن أنحدر إلى البصرة قام فتهجد من الليل فقرأ بهذه الآية: {شهد اللّه أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم. إن الدين عند اللّه الإسلام} [آل عمران: ١٨ - ١٩]،

قال الأعمش: وأنا أشهد بما شهد اللّه به، وأستودع اللّه هذه الشهادة، وهي لي عند اللّه وديعة، وإن الدين عند اللّه الإسلام - قالها مرارا - فغدوت إليه وودعته ثم قلت: إني سمعتك تقرأ هذه الآية فما بلغك فيها؟ أنا عندك منذ سنة لم تحدثني به. قال: واللّه لا حدثتك به سنة. قال: فأقمت وكتبت على بابه ذلك اليوم، فلما مضت السنة

قلت: يا أبا محمد قد مضت السنة. قال: حدثني أبو وائل، عن عبداللّه بن مسعود قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم:

(يجاء بصاحبها يوم القيامة فيقول اللّه تعالى عبدي عهد إلي وأنا أحق من وفى أدخلوا عبدي الجنة).

قال أبو الفرج الجوزي: غالب القطان هو غالب بن خطاف القطان، يروي عن الأعمش حديث (شهد اللّه) وهو حديث معضل. قال ابن عدي الضعف على حديثه بين.

وقال أحمد بن حنبل: غالب بن خطاف القطان ثقة ثقة. وقال ابن معين: ثقة. وقال أبو حاتم: صدوق صالح.

قلت: يكفيك من عدالته وثقته أن خرج له البخاري ومسلم في كتابيهما، وحسبك. وروي من حديث أنس عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال:

(من قرأ شهد اللّه أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم عند منامه خلق اللّه له سبعين ألف ملك يستغفرون له إلى يوم القيامة). ويقال من أقر بهذه الشهادة عن عقد من قلبه فقد قام بالعدل.

وروي عن سعيد بن جبير أنه قال: كان حول الكعبة ثلاثمائة وستون صنما لكل حي من أحياء العرب صنم أو صنمان. فلما نزلت هذه الآية أصبحت الأصنام قد خرت ساجدة للّه.

قوله تعالى: {شهد اللّه} أي بين وأعلم؛ كما يقال: شهد فلان عند القاضي إذا بين وأعلم لمن الحق، أو على من هو. قال الزجاج: الشاهد هو الذي يعلم الشيء ويبينه؛ فقد دلنا اللّه تعالى على وحدانيته بما خلق وبين.

وقال أبو عبيدة: {شهد اللّه} بمعنى قضى اللّه، أي أعلم.

وقال ابن عطية: وهذا مردود من جهات.

وقرأ الكسائي بفتح {أن} في قوله {أنه لا إله إلا هو} وقوله {أن الدين}. قال المبرد: التقدير: أن الدين عند اللّه الإسلام بأنه لا إله إلا هو، ثم حذفت الباء كما قال: أمرتك الخير. أي بالخير.

قال الكسائي: أنصبهما جميعا، بمعنى شهد اللّه أنه كذا، وأن الذين عند اللّه. قال ابن كيسان: {أن} الثانية بدل من الأولى؛ لأن الإسلام تفسير المعنى الذي هو التوحيد.

وقرأ ابن عباس فيما حكى الكسائي {شهد اللّه إنه} {بالكسر} {أن الدين} بالفتح. والتقدير: شهد اللّه أن الدين الإسلام، ثم ابتداء فقال: إنه لا إله إلا هو.

وقرأ أبو المهلب وكان قارئا - شهداء اللّه بالنصب على الحال، وعنه {شهداء اللّه}.

وروى شعبة عن عاصم عن زرٍّ عن أبي عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه كان يقرأ {أن الدين عند اللّه الحنيفية لا اليهودية ولا النصرانية ولا المجوسية}.

قال أبو بكر الأنباري: ولا يخفى على ذي تمييز أن هذا الكلام من النبي صلى اللّه عليه وسلم على جهة التفسير، أدخله بعض من نقل الحديث في القرآن.

و{قائماً} نصب على الحال المؤكدة من اسمه تعالى في قوله

{شهد اللّه} أو من قوله {إلا هو}. وقال الفراء: هو نصب على القطع، كان أصله القائم، فلما قطعت الألف واللام نصب كقوله: {وله الدين واصباً} [النحل: ٥٢].

وفي قراءة عبداللّه {القائم بالقسط} على النعت، والقسط العدل.

{لا إاله إلا هو العزيز الحكيم} كرر لأن الأولى حلت محل الدعوى، والشهادة الثانية حلت محل الحكم. وقال جعفر الصادق: الأولى وصف وتوحيد، والثانية رسم وتعليم، يعني قولوا لا إله إلا اللّه العزيز الحكيم.

﴿ ١٨