٢٣ قال ابن عباس: هذه الآية نزلت بسبب أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم دخل بيت المدراس على جماعة من يهود فدعاهم إلى اللّه. فقال له نعيم بن عمرو والحارث بن زيد: على أي دين أنت يا محمد؟ فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم: (إني على ملة إبراهيم). فقالا: فإن إبراهيم كان يهوديا. فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم: (فهلموا إلى التوراة فهي بيننا وبينكم). فأبيا عليه فنزلت الآية. وذكر النقاش أنها نزلت لأن جماعة من اليهود أنكروا نبوة محمد صلى اللّه عليه وسلم؛ فقال لهم النبي صلى اللّه عليه وسلم: (هلموا إلى التوراة ففيها صفتي) فأبوا. وقرأ الجمهور {ليحكم} وقرأ أبو جعفر يزيد بن القعقاع {ليحكم} بضم الياء. والقراءة الأولى أحسن؛ لقوله تعالى: {هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق} [الجاثية: ٢٩]. في هذه الآية دليل على وجوب ارتفاع المدعو إلى الحاكم لأنه دعي إلى كتاب اللّه؛ فإن لم يفعل كان مخالفا يتعين عليه الزجر بالأدب على قدر المخالِف والمخالَف. وهذا الحكم جار عندنا بالأندلس وبلاد المغرب وليس بالديار المصرية. وهذا الحكم الذي ذكرناه مبين في التنزيل في سورة {النور} في قوله تعالى: {وإذا دعوا إلى اللّه ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون} إلى قوله {بل أولئك هم الظالمون} [النور: ٤٨ - ٤٩ - ٥٠]. وأسند الزهري عن الحسن أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: (من دعاه خصمه إلى حاكم من حكام المسلمين فلم يجب فهو ظالم ولا حق له). قال ابن العربي: وهذا حديث باطل. أما قوله {فهو ظالم} فكلام صحيح. وأما قوله {فلا حق له} فلا يصح، ويحتمل أن يريد أنه على غير الحق. قال ابن خويز منداد المالكي: واجب على كل من دعي إلى مجلس الحاكم أن يجيب ما لم يعلم أن الحاكم فاسق، أو يعلم عداؤه من المدعي والمدعى عليه. وفيها دليل على أن شرائع من قبلنا شريعة لنا إلا ما علمنا نسخه، وإنه يجب علينا الحكم بشرائع الأنبياء قبلنا، على ما يأتي بيانه. وإنما لا نقرأ التوراة ولا نعمل بما فيها لأن من هي في يده غير أمين عليها وقد غيرها وبدلها، ولو علمنا أن شيئا منها لم يتغير ولم يتبدل جاز لنا قراءته. ونحو ذلك روي عن عمر حيث قال لكعب: إن كنت تعلم أنها التوراة التي أنزلها اللّه على موسى بن عمران فاقرأها. وكان عليه السلام عالما بما لم يغير منها فلذلك دعاهم إليها وإلى الحكم بها. وسيأتي بيان هذا في {المائدة} والأخبار الواردة في ذلك إن شاء اللّه تعالى وقد قيل: إن هذه الآية نزلت في ذلك. واللّه أعلم. |
﴿ ٢٣ ﴾