٣٨

قوله تعالى: {هنالك دعا زكريا ربه} هنالك في موضع نصب؛ لأنه ظرف يستعمل للزمان والمكان وأصله للمكان. وقال المفضل بن سلمة: {هنالك} في الزمان و{هناك} في المكان، وقد يجعل هذا مكان هذا.

و{هب لي} أعطني.

{من لدنك} من عندك.

{ذرية طيبة} أي نسلا صالحا. والذرية تكون واحدة وتكون جمعا ذكرا وأنثى، وهو هنا واحد. يدل عليه قوله. {فهب لي من لدنك وليا} [مريم: ٥] ولم يقل أولياء، وإنما أنث {طَيِّبة} لتأنيث لفظ الذرية؛ كقوله:

أبوك خليفة ولدته أخرى وأنت خليفة ذاك الكمال

فأنث ولدته لتأنيث لفظ الخليفة. وروي من حديث أنس قال: قال النبي صلى اللّه عليه وسلم:

(أي رجل مات وترك ذرية طيبة أجرى اللّه له مثل أجر عملهم ولم ينقص من أجورهم شيئا). وقد مضى في {البقرة} اشتقاق الذرية.

و{طيبة} أي صالحة مباركة.

{إنك سميع الدعاء} أي قابله؛ ومنه: سمع اللّه لمن حمده.

دلت هذه الآية على طلب الولد، وهي سنة المرسلين والصديقين، قال اللّه تعالى: {ولقد أرسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم أزواجا وذرية} [الرعد: ٣٨]. وفي صحيح مسلم عن سعد بن أبي وقاص قال: أراد عثمان أن يتبتل فنهاه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، ولو أجاز له ذلك لاختصينا. وخرج ابن ماجة عن عائشة قالت قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم:

(النكاح من سنتي فمن لم يعمل بسنتي فليس مني وتزوجوا فإني مكاثر بكم الأمم ومن كان ذا طول فلينكح ومن لم يجد فعليه بالصوم فإنه له وجاء). وفي هذا رد على بعض جهال المتصوفة حيث قال: الذي يطلب الولد أحمق، وما عرف أنه هو الغبي الأخرق؛ قال اللّه تعالى مخبرا عن إبراهيم الخليل: {واجعل لي لسان صدق في الآخرين} [الشعراء: ٨٤] وقال: {والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين} [الفرقان: ٧٤].

وقد ترجم البخاري على هذا {باب طلب الولد}. وقال صلى اللّه عليه وسلم لأبي طلحة حين مات ابنه: (أعرستم الليلة)؟ قال: نعم. قال:

(بارك اللّه لكما في غابر ليلتكما). قال فحملت. في البخاري: قال سفيان فقال رجل من الأنصار: فرأيت تسعة أولاد كلهم قد قرؤوا القرآن. وترجم أيضا {باب الدعاء بكثرة الولد مع البركة} وساق حديث أنس بن مالك قال: قالت أم سُليم: يا رسول اللّه، خادمك أنس أدع اللّه له. فقال:

(اللّهم أكثر ماله وولده وبارك له فيما أعطيته). وقال صلى اللّه عليه وسلم: (اللّهم اغفر لأبي سلمة وارفع درجته في المهديين واخلفه في عقبه في الغابرين). خرجه البخاري ومسلم. وقال صلى اللّه عليه وسلم:

(تزوجوا الولود الودود فإني مكاثر بكم الأمم). أخرجه أبو داود. والأخبار في هذا المعنى كثيرة تحث على طلب الولد وتندب إليه؛ لما يرجوه الإنسان من نفعة في حياته وبعد موته. قال صلى اللّه عليه وسلم:

(إذا مات أحدكم انقطع عمله إلا من ثلاث) فذكر

(أو ولد صالح يدعو له). ولو لم يكن إلا هذا الحديث لكان فيه كفاية.

فإذا ثبت هذا فالواجب على الإنسان أن يتضرع إلى خالقه في هداية ولده وزوجه بالتوفيق لهما والهداية والصلاح والعفاف والرعاية، وأن يكونا معينين له على دينه ودنياه حتى تعظم منفعته بهما في أولاه وأخراه؛ ألا ترى قول زكريا: {واجعله رب رضيا} [مريم: ٦] وقال: {ذرية طيبة}. وقال: {هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين} [الفرقان: ٧٤]. ودعا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لأنس فقال:

(اللّهم أكثر ماله وولده وبارك له فيه). خرجه البخاري ومسلم، وحسبك.

﴿ ٣٨