٧٧

روى الأئمة عن الأشعث بن قيس قال: كان بيني وبين رجل من اليهود أرض فجحدني فقدمته إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم، فقال لي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (هل لك بينة)؟ قلت لا، قال لليهودي: (احلف) قلت: إذا يحلف فيذهب بمالي؛ فأنزل اللّه تعالى: {إن الذين يشترون بعهد اللّه وأيمانهم ثمنا قليلا} إلى آخر الآية.

وروى الأئمة أيضا عن أبي أمامة أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال:

(من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه فقد أوجب اللّه له النار وحرم عليه الجنة). فقال له رجل: وإن كان شيئا يسيرا يا رسول اللّه؟ قال:

(وإن كان قضيبا من أراك). وقد مضى في البقرة معنى {لا يكلمهم اللّه ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم}.

ودلت هذه الآية والأحاديث أن حكم الحاكم لا يحل المال في الباطن بقضاء الظاهر إذا علم المحكوم له بطلانه؛ وقد روى الأئمة عن أم سلمة قالت: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم:

(إنكم تختصمون إلي وإنما أنا بشر ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض وإنما أقضي بينكم على نحو مما أسمع منكم فمن قضيت له من حق أخيه شيئا فلا يأخذه فإنما أقطع له قطعة من النار يأتي بها يوم القيامة).

وهذا لا خلاف فيه بين الأئمة، وإنما ناقض أبو حنيفة وغلا وقال: إن حكم الحاكم المبني على الشهادة الباطلة يحل الفرج لمن كان محرما عليه؛ كما تقدم في البقرة. وزعم أنه لو شهد شاهدا زور على رجل بطلاق زوجته وحكم الحاكم بشهادتهما فإن فرجها يحل لمتزوجها ممن يعلم أن القضية باطل. وقد شُنّع عليه بإعراضه عن هذا الحديث الصحيح الصريح، وبأنه صان الأموال ولم ير استباحتها بالأحكام الفاسدة، ولم يصن الفروج عن ذلك، والفروج أحق أن يحتاط لها وتصان. وسيأتي بطلان قوله في آية اللعان إن شاء اللّه تعالى.

﴿ ٧٧